رغم أن هذه هي زيارتي الرابعة للمغرب إلا أنها هي الزيارة الأولي التي بحثت فيها عن البشر لا الأماكن ولم أكن أتوقع أنني في بحثي عنهم سأري أماكن وأخوض تجارب حفرت في ذاكرتي.. في العددين السابقين من المجلة قصصت معكم جزءا منها وفي هذه الحلقة وهي الأخيرة أقص عليكم الباقي. (10) رغم أن هذه هي زيارتي الرابعة للمغرب إلا أنها هي الزيارة الأولي التي بحثت فيها عن البشر لا الأماكن ولم أكن أتوقع أنني في بحثي عنهم سأري أماكن وأخوض تجارب حفرت في ذاكرتي .. في العددين السابقين من المجلة قصصت معكم جزءا منها وفي هذه الحلقة وهي الأخيرة أقص عليكم الباقي . في مقهي باريس الشهير بطنجة تعرفت علي محمد الشهابي المصري المتزوج من مغربية وحكي لي قصة زواجه قائلا : تعرفت علي زوجتي علي الانترنت وكنت أعمل باحثا اجتماعيا , واضاف : ' كان حلمي أن يصل مرتبي إلي 300 جنيه وكان يبدو هذا الحلم بعيد المنال , اتفقت معها علي الزواج وسافرت هنا , لم يكن لدي ما أخسره في مصر ' هكذا حكي محمد قصة زواجه , محمد اشتغل بالتجارة في المغرب ' هنا يمكنك أن تصبح غنيا إذا عملت في التجارة وبطرق مشروعة فالأحلام هنا ممكنة لمن يسعي لتحقيقها , وأنا الآن أقيم في بيت كبير وسعيد مع زوجتي وأولادي وفي الفترة الأخيرة أستورد بضائع من مصر لأبيعها هنا ', محمد سألني أنا ومصطفي إن كنا متزوجين فقلت له إن مصطفي متزوج أما أنا فلا , ساعتها لاحت علي وجهه ابتسامة وانبري في حديث جانبي بيني وبينه . "لماذا لا تفكر في الزواج من مغربية؟" بدأ محمد كلامه لي فرديت عليه "لا مانع عندي ولكن ما الذي يدفعني لذلك؟" فرد علي متحمسا: في مصر ترى 100 فتاة لتخرج منهن ثلاثة جميلات، هنا في الشمال ترى 100 فتاة لتخرج منهن ثلاثة غير جميلات، هذا عن السبب الأول، الثاني أنك لن تقابل هنا بتلال التعقيدات والطلبات التي تقابلها في مصر، فهنا يمكنك أن تتزوج أجمل فتاة والتي تنتمي لأكبر وأغنى عائلة بدون أي تعقيدات، هنا تغلبوا على هذه المظاهر ولم يعودوا يهتموا بها، لا مهر، لا شبكة، ليس شرطا أن تكون مالكا لشقة فيكفي شقة إيجار، فقط يهتمون بالشخص نفسه، طالما أنت إنسان محترم فلن يضعوا أمامك أي عقبات، السبب الأخير أن الفتاة المغربية لها شخصية مختلفة عن المصرية، فهي تهتم بزوجها وتجعله محور حياتها. سألته: ولكن هناك فرق ثقافي بيننا، كيف تعاملت مع هذا الفارق وأنت رجل سوهاجي؟! فرد: نعم هناك فرق كبير ولكن هذا يعود لشخصيتك، أنت من تستطيع أن تجعلها مثلك، محمد قال لي أنني غذا فكرت الزواج فما علي إلا الإقامة في المغرب لمدة شهر سأكون فيه قد وصلت للعروسة، كما عرض أن يساعدني في ذلك ويستضيفني في بيته هذه المده إذا أردت، شكرته ووعدته أني سأفكر جديا في كلامه، "إلا أني وقتها سأقيم هذا الشهر في تطوان" هكذا علقت على حديثه مازحا. محمد قال لي أن المغاربة يحبون المصريين جدا، ويتعاملون مع أي مصري على أنه عادل إمام، "يشعرون أن يشاهدون التلفاز عندما يستمعون لمصري ويرون فيه نجومهم المفضلين" حكي لي محمد الكلام السابق فتذكرت أنني بينما كنت أسير في السوبر ماركت وأتحدث لصديقة وجدت فتاة صغيرة تتعلق بحقيبة أمها وتقول لها "ماما مصري مصري" وهي سعيدة للغاية. بعد رحيل محمد قالت لي مريم الرايسي "نحن الكازويات لا نحب الشماليات"، سألتها عن السبب؟ فقالت " نحن واضحات، نفعل ما نريده في العلن، ولا يمكن أن تخدع فينا، فالبنت – مثلا - التي تشرب سجائر تدخنها امام الناس، إنما هنا البنات يخفون ما يفعلون، لأن كل همهن هو الزواج، فإحذر من الشماليات. (11) إلى تطوان من جديد، اليوم الجمعة هو موعدي مع مريم عرجون، سافرت لها وقابلتها هي وأختها الصغرى، والتي أعتبرها كأختي أيضا، فاطمة، مريم أصرت هذه المرة على اصطحابي في جولة مختلفة، نسير فيها بمحاذاة الشاطئ حت نصل لسبته والتي يحتلها الإسبان ويعتبرونها جزءا من وطنهم، مريم من سكان سبتة وتحمل الجنسية الألمانية بجانب المغربية ولذلك يتيسر لها عبور الحدود، كما أن والدها يعمل بالتجارة هناك. الحقيقة أن المناظر خلابة، هذه المنطقة الواقعة بين تطوانوسبته تعتبر مثل الساحل الشمالي عندنا، قرى سياحية، الفارق أن القرى بنيت على أراض خضراء، لا توجد أي رمال صفراء هنا، الأرض بطبيعتها خضراء، والعشب يصل حتى الشاطئ، مريم قالت لي أن هذه المناطق كانت ريفية ، إلا أن الملك محمد السادس هو من أحدث فيها هذه الطفرة، ففي عشر سنوات فقط أصبحت من أهم مناطق الجذب السياحي في المغرب. وصلنا لحدود سبته، أنا لا يمكنني بالفعل أن أدخلها إلا من دروب المهربين، وهو حل لم أفضله لأنني لم أكن أحمل حتى جواز سفري، ففضلت أن لا أقع في مشاكل، على حدود سبته وفي موقف "الطاكسي الكبير" حيث تقع آخر خطوط المواصلات هنا، كان هناك ما أهو أشبه بالسوق، "هنا تباع البضائع المهربة بطريقة شبه شرعية" قال لي أحد المغاربة فسألته عن معنى ما يقول ففسر كلامه: أهل تطوان والقرى القريبة منها يسمح لهم بدخول سبته بدون تأشيرة، وقد سمح لهم الملك بالعودة منها حاملين حقيبة واحدة دون أن يحاسبهم الجمرك على ما فيها، ولذلك يستأجر التجار الفقراء منهم، ليحملوا حقيبة يعبروا بها الحدود وذلك نظير 50 درهم فقط، ثم يعودوا مرة أخرى، وما يدخلون به يباع هنا، ولذلك تجد في السوق كل شيء تقريبا، حتى الزيت والصابون، فسعرهم في سبته نصف سعرهم في المغرب، والجودة أفضل بكثير، ولذلك يسافر المغاربة لشراء حاجيات شهر مثلا من هنا فهذا يوفر لهم الكثير. وجدت في السوق ملابس مستعملة فسألت مريم عنها فقالت أن هناك فقراء يدخلون سبته للشحاذة، فمنهم من يحصل على ملابس ومنهم من يحصل على أجهزة كهربائية أو أثاث منزلي، ثم يخرجون به ويبيعونه في الأسواق المجاورة، أيضا هناك ملابس جديدة ولكنها تبدوا كالقديمة، وذلك بسبب ربطها بشدة حتى لا تستهلك حيزا في الحقيبة ويستطيع أن يخرج بها حاملها. هنا تسمع قصص عن المهربين، وعن حيلهم، حكت لي فاطمة أن عمها حاول كثيرا أن يدخل زوجته لتعيش معه في سبته ولكنه فشل في استخراج الأوراق الثبوتية اللازمة لذلك، فما كان منه إلا أن لفها بسجادة ووضعها في مؤخرة سيارته وعندما وصل للحدود أشار لهم فنظروا للسيارة ولم يتخيلوا وجود زوجته وسط السجادة وهكذا عبر بها. حكاية أخرى عن شاب من وادي "لو" وهو قريب من تطوان، حاول كثيرا الهجرة لأسبانيا عن طريق سبته، ولكنه فشل في الحصول على التأشيرة، الشاب شعره أصفر وعينيه خضراء، فأخذ الباسبور الخاص بابن عمه، وهو يحمل الجنسية الأسبانية، وبالتالي يحمل باسبور أحمر، وعند الحدود أشار لهم بالباسبور فلم يشكوا فيه وتركوه يدخل، المشكلة دائما في أن تدخل، لكن لو دخلت يمكنك أن توفق أوضاعك القانونية بسهولة، هكذا قالت مريم. سبته نفسها صغيرة للغاية، يمكنك أن تلفها على قدميك، ولكن لها أهمية استراتيجية لمراقبة مضيق جبل طارق ولذلك يصر الاسبان على احتلالها، للعلم فالمدينة المقابلة هي "محمية جبل طارق" وهي رغم وجودها في أسبانيا إلا أن بريطانيا تحتلها وتصر على أنها جزء من التراب البريطاني!! المغرب المغرب (12) آخر يومين لي في طنجة قابلت إلهام العلمي، تعرفت عليها في الفيس بوك، هي مساعدة مخرج متميزة ونشيطة، عاشت في مصر سنتين، وعادت لتكمل حلمها السينمائي بالمغرب، توطدت علاقتنا سريعا فقلت لها أني معتاد على السهر كل يوم في القاهرة، فأنا كائن ليلي، إنما منذ زرت المغرب أقصى سهرة لي كانت للحادية عشر مساء!!، وهو أمر يسبب لي الكثير من الأرق، لأنني لا أنام إلا كما أعتدت في القاهرة، يومها تعهدت إلهام بأن تجعلني أقضى سهرة ممتعة في طنجة. في المساء ذهبنا لأحد المطاعم الموجودة على الكورنيش وذلك بصحبة مجموعة من الأصدقاء، الجو في المطعم لطيف وبه العديد من الفقرات لفنانين ومطربين من جنسيات مختلفة، كانت المغنية الأولى مغربية، بمجرد أن سمعت صوتي وعرفت أن هناك مصريا في القاعة غنت "ماشربتش من نيلها" بصراحة أثار الأمر استغرابي للغاية،المطرب التالي حياني وحيا ثورة يناير، ثم وجدت كل مطرب يغني أغنية وطنية مصرية، ضحكت من قلبي وسألت إلهام فقالت أن هذا أمرا عاديا، بعد قليل وجدت مطرب يغني أغنية "المسيرة الخضراء" وهي أغنية وطنية مغربية وبينما يغنيها وزعوا على رواد المكان أعلام المغرب، وأضائوا بعض الألعاب النارية، إلهام قالت أنهم يحبون المرح دائما، أعطتني سميرة علم المغرب، فلوحت به، ففوجئت أن هناك من صفق لي بشدة وكأني الزعيم المصري، جو من الحب استقر في قلبي. انتهت سهرتنا في الرابعة صباحا، ودعت أصدقائي في طنجةالعالية وودعتها، وأستقللت "الكار" من المحطة الطرفية، والكار لا يعني السيارة، ولكنها المعادل ل "السوبر جيت" عندنا، وبدأت في طريقي إلى الرباط حيث تنتظرني خولة بعد 12 يوما من الغياب وذلك لنبدأ مع مجموعة من الأصدقاء مغامرة جديدة في طرف جديد من المغرب. (13) في الثامنة صباحا وصلت الرباط، الرباط هي العاصمة الإدارية للمغرب وهي مدينة لا تستطيع أن تحبها أبدا، قابلتني خولة غيات في المحطة الطرفية وكانت قد استأجرت سيارة لتقلنا مع الأصدقاء في رحلة أعدوها وفقا لطلبي، رحلة ضمت صديقي العزيز خالد فائق وبشرى العمراني و انضمت لنا لاحقا إلهام العلمي، خولة طلبت مني أن أقود السيارة لأن رخصت قيادتها سحبت، وأنا الوحيد الذي أحمل رخصة قيادة وسط المجموعة، وافقت وبدأنا الرحلة، وجهتنا الرأيسية هي "إفران"، والتي لقبها الملك الحسن الثاني ب "سويسرا الشرق"، فأنا أريد أن أرى الثلوج وأتزحلق عليها، تجربة من المستحيل حدوثها في مصر، إلا أننا في الطريق سنذهب إلى "فاس" أولا. البداية كانت موفقة للغاية، فالبنزين في السيارة نفد، مما دفعنا لأن نطلب من مريم " هي مختلفة عن المريمات السابقة ولكن ماذا أفعل واسم مريم يتكرر دائما!!" أن تأتي لنا بجركن بنزين فقط لنتحرك حتى نصل لأقرب محطة وقود!! الحمد لله جائتنا مريم بالمدد، وتحركنا بالسيارة حتى ذهبت لمحطة الوقود، هذه السيارة تزود بوقود "ليصانص"، وهو تقريبا بنزين 92 عندنا، المشكلة أن ليتر البنزين الواحد سعره حوالي ثمانية جنيهات!! بدأنا رحلتنا في الطريق السيار، وهو طريق سريع متميز للغاية، وهو مختلف عن الطريق الوطني، فالأول ممهد ومعد جيدا وسعره أيضا غال جدا، فالمسافة المساوية للطريق من القاهرة للأسكندرية تدفع فيها حوالي 140 جنيها كرسم مرور، المسافة إلى فاس حوالي 167 كم، الآن وصلنا إلى العاصمة العلمية للمغرب.. المغرب المغرب (14) فاس مدينة لم استطع أن أحبها، قابلنا فيها طفل صغير يدعى يوسف، عمره لا يتعدى ثمانية سنوات، أخذنا في جولة عبر المدينة القديمة، مشكلة المدينة القديمة في فاس أن مبانيها متداعية ومعرضة للإنهيار بالكامل كما قال لي أحد البائعين هناك، ولكن الدولة تبذل جهدا لترميم المدينة، هنا تقع أكبر المدابغ في المغرب، ولذلك يمكنك أن تشتري المصنوعات الجلدية بأسعار مناسبة للغاية، أكملنا جولة سريعة في المدينة القديمة ثم ذهبنا لتناول الغداء، بعدها انطلقنا من جديد نحو وجهتنا الرئيسية وهي إفران. الطريق إلى إفران لا يمر بالطريق السيار، أنت مضطر للقيادة في الطريق الوطني، كان الظلام قد حل والطريق غير مضاء، وهو يقع على حافة طريق صاعد في الجبل، الطريق وعرة للغاية جعلتني أتجاهل أصدقائي الذين انخرطوا في الغناء، فالطريق مذدوج ومظلم ملتوي، ومع الوقت تبدأ الشعور بأنك تدخل ديب فريزر كبير، إنها إفران. (15) وصلناها بالليل، كانت درجة الحرارة -6 مئوية، وكان هذا بالنسبة لي جحيما، استأجرنا إقامة لنا ثم ذهبنا لنتجول في المدينة التي غطتها الثلوج، ذهبت لأشتري عصير فداعبت البائع قائلا: لماذا لا تضعه في الثلاجة؟؟ فطلب مني فقط أن أمسكه فوجدته ثلجا، قال لي أنني أحتاج لتدفئته حتى أستطيع شربه. عدنا للإقامة وقد أشعلنا المدافئ ولكن البرودة تذداد، ارتديت كل ملابسي، وضعت قدماي في المدفأة، لا حلول، تغطيت بثلاثة أغطية ثقيلة، وهنا بدأت نصائح التغلب على البرد، لا تفكر أبدا في أن "تتقلب"، لأنك إذا فعلت هذا فقدت حرارة المكان، من الأفضل أن تملئ بعض الزجاجات بالماء الساخن وتضعها في الفراش قبل أن تنام، احرص على تدفئة أطرافك جيدا، لا أعرف كيف مرت هذه الليلة، فأنا كنت أرى فيها العذاب ألوانا!! في الصباح، أشرقت الشمس وأصبح الجو معتدلا، تمشي على الثلوج بينما تتخفف من ملابسك، ومع نور الصباح رأيت المدينة والتي بنيت على الطراز الغربي، وقد غطت الثلوج أسطح منازلها، تجولنا سريعا في المدينة وزرنا عين ماء شهيرة بها، ثم إنطلقنا إلى حيث التزحلق، إلى "وادي مشليفن"، وهو واد متسع من الثلوج جربت فيه لأول مرة التزحلق على الجليد. (16) هل حدثتكم عن تجربة قيادة السيارات في المغرب؟؟ سأحدثكم إذن، أقود سيارتي في مصر منذ أكثر من عامين، وأحرص على إلتزام القانون، ولكني هناك اكتشفت أنني سائق غير ملتزم على الإطلاق!! منذ أن بدأنا الرحلة وجلست خولة بجواري لترشدني، الحقيقة أنني بعد قليل أشفقت عليها مما عانته معي، هناك الإلتزام بالقواعد المرورية الدقيقة أمر هام للغاية، مثلا أسير في طريق جبلي مظلم، من الطبيعي أنني سأفتح النور العالي في السيارة، حتى أكشف الطريق جيدا، فأجدها تصرخ أن هذا سيعرضنا لمخالفة! لماذا؟؟ هذه الإضاءة غير مسموح بها وفقا للقانون!، كلما خرجت من شارع صغير نحو آخر كبير، أجد يافطة مكتوب عليها "قف" يجب أن أقف وأنتظر خلو الشارع قبل أن أعبر التقاطع، الأولوية للمحور، في مصر "بقلب نور وأعدي"!، وإذا كنت أنت تسير على المحور فتقطع الطريق دون أن تنظر، فالآخر بالتأكيد ينتظرك، وقفت بجانب الرصيف وكان هناك شرطيا بالقرب مني فوجدت خولة تنتفض "إحنا واقفين في الممنوع!" قلت لها : لا توجد يافطة تقول أن الوقوف هنا ممنوع!! فردت أن الرصيف طلي باللونيني الأبيض والأحمر وهذا يعني أن الوقوف ممنوع!! نحن في مصر اعتدنا أنك إذا كنت من هواة "الجري" فعليك بالحارة اليسرى في الطريق، ولأنني سأسير بالسرعة القصوى المسموح بها أخذت الحارة اليسرى من الطريق، قالت لي خولة أننا بذلك سنوقف للمخالفة! لماذا؟؟ لأن الحارة اليسرى مخصصة لتجاوز السيارة التي تسير أمامك ثم تعود مرة أخرى لليمنى وإلا أوقفت للمخالفة!! الطرق في المدن جميعها مراقبة بالرادار، ويحدد في كل طريق السرعة القصوى، إذا كان بالطريق مدرسة فالسرعة القصوى 40 كم / ساعة، أما الطرق الرئيسية في المدن فالسرعة 60 كم/ ساعة، كنت أتحسر وأنا أسير بهذه السرعة وسط شوارع خالية تماما!! كنت اسير في شارع رئيسي ووجدت مجموعة من الشباب يسيرون أمامي ويعطلون سيري، ضربت "كلاكسين" فانتفضت خولة، الكلاكسات ممنوعة فهي تدل أنك شخص عصبي، عصبي!! رديت عليها وأكملت: لو كنت عصبيا لأخرجت رأسي من السيارة وقلت لهم ما يجعلهم يدركون جيدا حجم ما يقترفوه من السير وسط الطريق الذي أقود سيارتي فيه! (17) عدت إلى الرباط من جديد بعد ليلتين من أمتع الليالي التي قضيتهم في حياتي، بمجرد عودتي ذهبت لأقابل صفاء صبري وهي صحفية مغربية نشيطة وصديقة أعتز بها، قلت لها : أنا عاوز أروح لساحر، اتصرفي، فوعدتني أن تحقق لي طلبي في اليوم التالي. في الصباح قابلت عبد الكريم بنزوه، وهو مخرج مغربي شاب، من النوع الذي تحب التعرف إليه وترتاح للحديث معه، اصطحبني في جولة بالتلفزيون قوبلت فيها بحفاوة معتادة فقط لأني مصري، بعدها جلست معه على مقهى قريب وأخبرته عن وجهتي اليوم، فحكي لي عن السحر وقال أن أصعب أنواع السحر هنا هو "سحر يد الميت"، طلبت منه تفسيرا أكبر فقال: هو سحر أسود يقوم به أسافل السحرة، حيث يستعينون بجثة ميت لم يمر على دفنه أكثر من 48 ساعة، ويذهبون للمقبرة بالاتفاق مع أحد العاملين فيها وذلك قبل الفجر بقليل ويقومون بوضع يد الميت في طبق "كسكس" ويقلبون محتويات الطبق باليد، ثم يأكل من يريد صنع السحر من الطبق، وقتها يتلبس السحر بمن يصنع من أجله وهو سحر من الصعب جدا فكه. تركت عبد الكريم وتوجهت لمقابلة صفاء والتي كانت قد عرفت مكانا يمكن أن نرى فيه دجالين، صفاء كانت متخوفة من الذهاب إليهم، فقلت لها "أنت صحفية والصحفيون لا يخافون من أي شيء، تشجعي" استمعت لكلامي وتشجعت بالفعل، بمجرد أن ركبنا "الطاكسي الكبير" لنذهب إلى "سلا" وهي مدينة مجاورة للرباط، قالت لي صفاء "أنت من الآن أخرس، لا تفتح فمك أبدا إلا إذا أذنت لك بذلك!"، هبطنا من التاكسي في محطته الأخيرة وترجلنا حتى وصلنا مقام "سيدي موسى". المغرب المغرب (18) مقام سيدي موسى يقع على البحر، أمامه ساحة تتجمع فيها الدجالات، صفاء قالت لي أن الأشهر هنا هن الدجالات وليس الدجالين، وصلنا للساحة وكان اليوم هو "الاثنين"، وهو اليوم الذي تتجمع فيه الدجالات لمقابلة زبائنهن، اصطحبتنا "ندورجية" بالمصطلح الشعبي المصري تدعى عتيقة، من أول الساحة وقالت أن علينا قبل أن نجلس مع "الشوافة" أن نزور "للا عويشة أولا". سرنا ورائها، حتى بدأنا في النزول على صخور لزقة من اصطدام الأمواج بها، وعد أن نزلنا أول صخرتين تغيرت الرائحة، حيث كنا نسير وسط دماء وذيول لفئران وديوك مذبوعة وشمع محترق وزجاجات ماء ورد محطمة، أصبحت الرائعة خانقة والصخور زلقة، وبينما نهبط في الطريق يقابلنا بلطجية فتدفع لهم صفاء بعض الدراهم، يحاولوا أن يكلموني فتشير لهم أني أخرس، بعد ذلك قالت لي أني لو تحدثت وعرفوا أني أجنبي من الممكن أن يسرقوني أو يحتجزوني حتى أخرج ما معي، وقتها عرفت أن "للا عويشة" هي مغارة تقع أسفل الضريح، وتعني "السيدة عائشة"، وصلنا لمدخل المغارة فوجدته ضيق للغاية، لا تدخله إلا حبوا، خفت بصراحة من الدخول، ولكن صفاء همست لي "مش بتقولي ماتخافيش، خليك صحفي شجاع وأدخل"، أحرجت من كلامها فدخلت ورائها، المغارة من الداخل متسعة، ويتوسطها حوض حجري التف حوله الناس وكان في وسطهم فتاة يصبون عليها ماء البحر، قالت لي صفاء أنهم بذلك يجروا لها طقوسا حتى تتحقق أمنيتها. تركنا المغارة وصعدنا مرة أخرى، وذهبنا إلى إحدى الشوافات، جلست معها فأعطتني سبحة وطلبت مني أن أقربها لقلبي، ثم أخذتها مني وبدأت الحديث، استعنت بصفاء للترجم لي ما تقوله فهي تتكلم بالعامية المغربية التي لا أفهمها، الشوافه حددت لخدماتها ثلاثة أسعار، أقلهم ما يوازي 13 جنيه، ويتضاعف مرة إذا أردت أن تشعل لك شمعة، وتضاعف مرتين إذا أردت أن تصنع لك عملا، قلت أنني أريد الفئة الأولى فأنا فقط أريد خوض التجربة ولا أؤمن بما تقوله في كل الأحوال. قالت لي أني مصري، وأني أملك سيارة كثيرة الحوادث، وقالت كلاما كثيرا لا يهمني في شيء فالمستقبل بيد الله، ثم قالت لي أن هناك فتاة مغربية بيضاء أعدت لي عملا، وقالت لي : هل تشك في هذه وأشارت لصفاء، فقلت لها أبدا فأنا أثق فيها كما أثق في نفسي، فردت بأنني كنت أقوى من العمل فلم يؤثر في، كما أن هناك فتاة تحبني، وذكرتها بالاسم. (19) اليوم هو الأخير لي في المغرب، طائرتي في الساعة الثانية والنصف ظهرا، موعدي مع مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة في العاشرة صباحا، مصطفى الخلفي وزير شاب وكان يعمل رئيسا لتحرير إحدى الصحف، عرف عنه تواضعه، فعندما تولى الوزارة ألغى تخصيص مصعد للوزير، كما أنه يذهب بعض الأحيان للوزارة مستقلا "التراموي" كما قرأت في الصحف، ويعول عليه الصحفيون هناك الكثير في الدفع نحو حريات أكبر للصحف، انتظرته في الغرفة الملحقة بمكتبه، فدخل علي مرحبا وكان يحمل حقيبته، لم يكن معه أي شخص آخر، اصطحبني وفتح باب مكتبه ودخلنا لنجلس وبدأ الحوار الذي تحدثنا فيه عن الحركة الاسمية في المغرب والسلفيين وتخوف الناس من تقييدهم للحريات وأسباب فوزهم في الإنتخابات وعلاقاتهم بالإخوان المسلمين ومدى الإرتباط بين الحزب والجماعة في المغرب وحجم صلاحيات الحكومة في مقابل صلاحيات الملك، وهي أسئلة يمكنكم التعرف على إجاباتها في الحوار المنشور في بوابة الشباب. (20) هذه كانت تفاصيل ما مر بي في رحلتي الأخيرة للمغرب وهي الرحلة التي استمتعت بها كثيرا وأيقنت فيها أنك إن بحثت عن الجماد فلن تعرف أكثر مما يمكن أن تعرفه ببحث بسيط علي جوجل إنما لو فتشت عن البشر فستحتويك قلوبهم وأماكنهم وتاريخهم وثقافتهم . استقللت القطار على عجل من محطة "أكدال" بالرباط حتى المطار، انتهت رحلتي في المغرب، رحلة خضت فيها تجارب جديدة بعقل وقلب مفتوحين، حكيت لكم الكثير منها، 16 يوما في بلاد السحر والشعب الذي يعشق المصريين!! أقرأ أيضاً : 16 يوما في بلاد السحر والناس اللي بيحبوا المصريين 16 يوما في بلاد السحر والناس اللي بيحبوا المصريين (2)