لواءات سابقون أطلقوا لحاهم وقصروا ثيابهم وحضروا لقاءات الإخوان وجلسات السلفيين بل وترشحوا علي قوائمهم وأصبحوا أعضاء بمجلسي الشعب والشوري عنهم..فكيف أصبح أعداء الأمس إخوة اليوم؟! وهل لعبة القط والفأر التي ظل الأمن وتيار الإسلام السياسي يلعبها طوال عقود طويلة يمكن أن تختفي بين يوم وليلة ويصبح من كان يطاردني بالأمس هو جزءا أصيلا مني اليوم؟! وبشكل أكثر صراحة.. هل معني هذا أن جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي نجحوا في اختراق الأجهزة الامنية المصرية.. أم أن اللعبة مستمرة ولكن اختلفت الطريقة بعد ثورة 25 يناير؟! في السطور القادمة قصة بعض أعضاء الإخوان والسلفيين من الضباط المتحولين. البداية كانت مع اللواء عباس مخيمر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب ( المنحل ) والذي ترشح علي قائمة حزب الحرية والعدالة في محافظة الشرقية , ولمن لا يعرف عباس مخيمر فهو كما كتب عنه ابراهيم عيسي في مقال نشر بجريدة التحرير بعنوان الأسئلة البديهية المرعبة ... وقال إنه كان يشغل منصب مدير جهاز الأمن الحربي بإدارة المخابرات الحربية , ومن مهام منصبه متابعة أي نشاط سياسي أو ديني لأي من أفراد أو ضباط الجيش واتخاذ إجراءات إزاء هذا النشاط وصاحبه , ومهمة هذا اللواء كذلك أن يمنع وجود أفراد أو ضباط ذوي خلفية دينية أو انتماءات إلي الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية , ويتخذ قرارات ضدهم منها إحالتهم إلي المعاش , وتساءل عيسي عن التحول الغريب الذي حدث في شخصية مخيمر , فكيف يصبح هذا اللواء مرشحا علي قائمة الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة بل يرأس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان كذلك؟ ! .. من جانبه اكتفي حزب الحرية والعدالة بتوضيح موقفه من وجود مخيمر علي قوائم الحزب بأنه جزء من المواءمات التي يصنعها الحزب في قوائمه وذلك لضم عناصر خبرة مختلفة ليكونوا أهلا لعضوية المجلس , وردا علي ذلك قال النائب عباس مخيمر إن طبيعة عمله في المخابرات الحربية لم يكن لها أي دخل بالسياسة أو التيارات السياسية الدينية أو غيرها وانما لها علاقة بالضباط , وهو عمل سري مخابراتي , وأضاف : ' عندما خرجت علي المعاش أردت أن أكمل مسيرتي في خدمة الوطن لأني شاركت في حربي الاستنزاف وأكتوبر 1973 وبالتالي من حقي أن أكمل دوري في خدمة مصر وعندما عرض علي حزب الحرية والعدالة الترشح علي قوائمهم في الشرقية في مسقط رأسي بدائرة أبو كبير وافقت لأن الحرية والعدالة حزب مدني وليس دينيا ويتمتع بشعبية عريضة في الشارع وأنا أحتاج الي دعمهم وهم يحتاجون الي خبرتي ليس أكثر , وهم رحبوا بي لما تجمعني بهم من علاقات اجتماعية جيدة إضافة إلي أني حسن السمعة ولا يوجد ما يشوبني كضابط أو سياسي وبالتالي فكان ترشيحي حرصا من الحرية والعدالة علي تنوع مرشحيها وارتفاع شعبيتهم بين الناس حتي من غير الجماعة , بدليل ترشيح أمين اسكندر وكمال أبو عيطة وغيرهما علي قوائم الحزب في دوائر مختلفة وهم من تيارات سياسية مختلفة , ولجنة الدفاع والأمن القومي هي لجنة حساسة ومهمة في المجلس ولا يوجد لواء في المجلس صاحب خلفية عسكرية غيري وبالتالي كنت أنا المناسب لها , وقمت بصفتي رئيس اللجنة بمتابعة عملية الإشراف علي مشروع إعادة هيكلة الداخلية ومنذ دخولي مجلس الشعب أصبحت عضوا أمارس مهامي كأي عضو آخر وأعارض وأوافق علي تصرفات الحكومة والمجلس العسكري مثل باقي الأعضاء وفصلت تماما خلفيتي في المخابرات عن أدائي في البرلمان وأنا جزء من كتلة الأغلبية وملتزم بقراراتهم مثلما يحدث في كل العالم . ومن عباس مخيمر إلي اللواء عادل عفيفي الذي كان مساعدا لوزير الداخلية حبيب العادلي لأمن الموانئ والمنافذ منذ عام 2002 وحتي عام 2005 وحصل علي وسام الجمهورية من الطبقة الثانية ونوط الامتياز من الطبقة الأولي من الرئيس السابق , وهو شقيق الشيخ السلفي محمد عبدالمقصود , وبعد تنحي مبارك أعلن عفيفي عن انضمامه لحزب الأصالة السلفي وأصبح رئيسه ثم انشق عنه وأسس حزب الفضيلة السلفي أيضا وأطلق لحيته وأصبح عضوا بمجلس الشعب ووكيلا للجنة حقوق الانسان قبل أن يتم حل المجلس بأكمله , وقال عفيفي إنه لا يوجد لديه قضية تعذيب أو انتهاك لحق من حقوق مواطن , وأضاف : عملي في قطاع الجوازات وأمن الموانئ لم يكن له أي صلة بالادارات السياسية أو أمن الدولة في الوزارة , اضافة إلي أنه ليس كل من عمل في وزارة الداخلية أو حتي في أمن الدولة نفسها ضابطا فاسدا , فهناك الكثيرون من الضباط مخلصون للبلد , وحزب الأصالة هو حزب مدني وليس دينيا وإلا لكانت لجنة الأحزاب رفضته , وأنا فرد من الشعب من حقي أن ' أربي ذقني ' وهي سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن حقي أن أؤسس حزبا وأنا طوال عمري أصلي و ' عارف ربنا كويس ' والضباط من حقهم يكون لهم دور في الحياة السياسية ومن حقهم ممارسة طقوس دينهم بالشكل المريح بالنسبة لهم خاصة بعد انتهاء فترة خدمتهم , ويكفي أنهم يتحملون ضغط الميري طوال حياتهم ويلتزمون به والدليل علي ذلك أن معظم لوءات الجيش والشرطة يؤسسون مساجد أهلية في شوارعهم بعد خروجهم علي المعاش ويشرفون عليها بل ويلقون خطب الجمعة فيها فهم مثلهم مثل أي مواطن . وإلي مجلس الشوري حيث النائب محمد طوسون مسئول ملف النقابات المهنية بجماعة الإخوان المسلمين والذي كان ضابط مباحث ولكنه صاحب تجربة مختلفة تماما , فلقد اتهم في قضية قلب نظام الحكم 1981 والعمل علي نشر الفكر الاشتراكي في المجتمع وذلك خلال فترة وجوده في الخدمة بل كان يملك الجرأة لأن يساعد أبو العلا ماضي ومحيي الدين أبو العز اللذين كانا متهمين في قضية قتل الرئيس السادات نتيجة علاقتهما الوثيقة بكرم زهدي العقل المدبر لاغتيال السادات , وظل الاثنان لدي طوسون في منزله فترة طويلة امتدت لشهور وهي فترة التحقيق في القضية إلي أن انتهت القضية ببراءتهما من التهم الموجهة اليهما فخرجا من مخبئهما وكانت البداية التي عرف بها توجهات محمد طوسون نحو جماعة الاخوان المسلمين وتم اعتقاله علي اثرها وفصله من عمله بوزارة الداخلية بعد أن كان قد وصل إلي رتبة رائد في المباحث العامة , وبعدها تفرغ طوسون للعمل العام وانضم إلي نقابة المحامين وأصبح وكيل النقابة ومسئول ملف النقابات في الجماعة ثم عضوا لمجلس الشوري , وقد أكد طوسون أنه من اليوم الذي قرر فيه أن يكون عضوا في الاخوان المسلمين اقتنع بفكرهم وقرر التضحية بكل شيء من أجل هذه الأفكار التي تتوافق مع عقيدته وأفكاره علي المستوي الديني والحياتي , اضافة الي أن أعضاء الاخوان المسلمين يعرفونه جيدا منذ أن كان في الخدمة وكان يؤدي دوره في خدمة مصر كضابط , وعندما تعارض ذلك مع أفكاره ومع النظام السياسي وقتها فعل ما هو مقتنع به وساعد أبو العلا ماضي ومحيي الدين أبو العز لأنه كان مقتنعا ببراءتهما وهو ما أثبتته التحقيقات بعد ذلك , وأضاف : عملي وقتها كان يساعدني علي ذلك , ولم أشعر أبدا بين الاخوان المسلمين بالغربة أو أنهم كانوا يخافون مني بسبب خلفيتي في الشرطة , بل بالعكس .. عملوا علي احتضاني وتقريبي من مكتب الارشاد في الجماعة وظللت لسنوات أترافع عن قضاياهم وأمثلهم في مختلف الأماكن وهو ما يدل علي قدرة الاخوان علي استيعاب الآخرين فالاخوان لا يسعون إلي اكتساب تعاطف الضباط كما يتخيل البعض أو ضمهم اليهم أو حتي ترشيحهم علي قائمتهم في الانتخابات .. ولكن المسألة كلها ' قدرية ' , وانضمام الضباط الي الإخوان له عيوبه ومميزاته .. فمثلما أنه دعم معنوي للجماعة واكتساب عناصر ذات خبرة خاصة أن الضباط لديهم مميزات عديدة لا تتوافر عند غيرهم , الا أنه قد يمثل خطرا علي نظام الجماعة , ولكن عموما فاننا نكون حريصين علي حسن السمعة في كل الناس . ودائما ما تكون للدكتور عبدالرحيم علي وجهة نظر أخري في قضايا الاسلام السياسي وجماعاته وأحزابه , حيث قال إن التغيير يحدث عند بعض الضباط سواء في الرتب العليا أو الصغيرة , وذلك لأن ظاهرة إطلاق اللحي عند الضباط الصغار في الشرطة تسببت في وقف عدد منهم وتحويل بعضهم إلي محاكمات تأديبية , وهو ما يدل علي وجود هذه الظاهرة بين صفوف الضباط , وأضاف : لكنها ليست ظاهرة جديدة .. فنحن منذ أوائل التسعينيات كنا نكتب عن حالة التعاطف التي تحدث عند الضباط الذين يسند اليهم ملفات الاسلام السياسي وجماعاته بسبب قلة المعلومات الدينية لديهم وبالتالي عندما يراقب هذه المجموعات فترة سواء كانوامن الاخوان او السلفيين أو حتي الجماعات الجهادية فانه تحدث له حالة من التعاطف معهم بسبب استخدامهم للدين , وهنا تقع المسئولية علي المؤسسات التي ينتمي اليها هؤلاء الأفراد في تثقيفهم بالعلم الديني الصحيح حتي لا ينجرفوا وراء التيارات المتشددة , وينبغي أن يعمل الضباط والقيادات لصالح الدولة والقانون وليس النظام حتي لا يحدث هذا التعاطف الذي يكون غالبا ناتجا عن شعورهم بالظلم الواقع علي التيارات الاسلامية في عصور سابقة , أما بعد ثورة 25 يناير فان تحول بعض اللواءات إلي إطلاق اللحي والترشح علي قوائم النور والحرية والعدالة فله أكثر من تحليل .. فقد يكون جاءت لهؤلاء اللواءات الفرصة أخيرا للتعبير عن توجهاتهم الدينية بعد أن أخفوها لسنوات بسبب عملهم واستغلوا فرصة الثورة لإظهارها وقد تكون مجرد الرغبة في الظهور والوجود علي الساحة , خاصة أن اللواءات كانوا يترشحون علي قوائم الحزب الوطني طوال الوقت وبالتالي أصبح ترشحهم مع الأغلبية طبيعيا وذلك إضافة إلي أن وجودهم وسط الاخوان أو السلفيين يعطي لهم نفس الشعور بقيمتهم خاصة أن هذه الجماعات تتعامل معهم بتوقير شديد نتيجة الضغوط الأمنية الشديدة التي كانوا يعانونها فترات طويلة .