كوباية شاي وسجارتين ونومة على الأرض مدتها 5 ساعات .. هذه هي الطقوس الرسمية التي لا بديل لها لاستخراج صحيفة أحوال جنائية فورية- مع التحفظ لكل ما تحمله كلمة فورية من معانى- المعروفة ب " الفيش والتشبيه " من إدارة الحاسب الآلي بالعباسية التابعة للإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية التابعة لقطاع مصلحة الأمن العام.. رغم أن العملية الفنية لاستخراج هذه الورقة الرسمية لا تستغرق أكثر من 10 دقائق إلا أن الأجواء تفرض ساعات طويلة من الانتظار تجد فيها أهم الأسئلة الرائجة هي "رقمك كام؟".. فرغم أن العملية يبدو عليها النظام إلا أنها لا تخلو من "شغل الموظفين" ، قد تكون علبة كشري أو مكالمة موبايل طويلة يدخل فيها أحد العاملين أحد الأسباب العادية التي تمنعه من قضاء عمله، وفي الخارج حشود تقف في الشمس أو تجلس على الأرصفة ، وهناك أيضا من سلم نفسه للبلاط ودخل في وصلة نوم حتى يتم النداء على رقمه الذي استلمه على البوابة، ناهيك عن صور البطاقة التي يطلبونها ولا يتم الدخول بدونها والتي يتم بها تسجيل رقم في كشف بواسطة أحد الموظفين الذي يجلس في مكان سري عليك أن تكتشفه بنفسك، وإن لم تستطع الوصول إليه فليس من اللازم أن تقوم بهذه الخطوة حيث أنك سوف تستخرج الفيش دونها وكأنك سجلت أسمك تماما !! لو عايز تعمل فيش شباب وكبار في السن يحقدون علي البنات لأنهن لا يقفن في الطابور وكل ما عليهن أن يدخلن للتصوير مباشرة، كلمات ملل عفوية تخرج من الجميع بعد أن انهمكوا في الحديث عن الدستور وانتخابات الرئاسة والثورة التي لم تجن ثمارها بعدما جاء أحدهم ومعه أحد العاملين بالمكان ليدخل مباشرة إلى التصوير بدون رقم أو انتظار الدور ويخرج وفي يده صحيفته وسلامه على الموظف أمام الجميع ولا يستحي الأخير أن يقول له "سلامي للباشا" أمام ذهول المتسلطحين تحت وطأة الشمس وفجأة تخرج بعفوية كلمة "كوسة" ! "حرام عليه" هذه كانت كلمة ياسر جلال محمد الذي جاء من واحة الفرافرة حينما مرت الساعة الرابعة من الانتظار بدون أن يأتي دوره، قال : أنا هنا منذ الساعة العاشرة صباحا ولم يأت دوري، ولا أعلم كيف سأستطيع العودة في نفس اليوم، حيث أني حينما ذهبت إلى السجل المدني الخاص بي هناك قالوا لي أنه سوف يستغرق 15 يوما حتى يتم إصداره. محمد علي-كابتن صالة بفندق الأمير بالأقصر-: أتيت من الأقصر لاستخراج صحيفة أحوال جنائية سريعة لكي أستطيع التقدم للعمل بفندق آخر وذلك بعدما علمت أن استخراج الصحيفة من القاهرة يكون في نفس اليوم، ولكني لم أعلم أن العذاب سيصل إلى هذا الحد حيث أني وصلت الساعة الحادية عشر والنصف وفوجئت بأن دوري هو رقم 1420 وحينما ذهبت إلى الطابور وجدتهم ينادون على رقم 623، وبعد طول انتظار اكتشفت أني سوف أنتظر حتى الساعة الرابعة والنصف لكي أستلم الصحيفة دون أدنى مراعاة لظروف الناس وحوائجهم. ويشير علم الدين محمد إلى أن قاعة التصوير بها ما لا يقل عن 10 موظفين أو أكثر يقومون بعملية التصوير، ويقول: بعض الناس يأتون في الصباح الباكر لاستخراج الصحيفة ولكن عمل الموظفين بطئ لأنهم يعلمون أن اليوم مازال طويلا ، بينما مع اقتراب موعد ساعات العمل من الانتهاء - وهو الساعة الخامسة - يبدأ الموظفون في إنهاء العمل بسرعة، والهدف من ذلك هو أن يتم غلق الباب أمام الناس في الخارج بحجة كثرة عدد الموجودين في الداخل، ثم تبدأ سرعة الإنجاز حتى يتركون العمل في الساعة المحددة لهم حيث أن أي مواطن يحصل على رقم لابد وأن يدخل للتصوير ويستلم صحيفته بعدها. أما ماركو ميشيل فيقول: لا أعلم ما المبرر لأن يتم دخول الفتيات بدون انتظار أدوارهن مثلنا، فهن بذلك يعطلن من وقفوا منذ الصباح الباكر، فإذا كن يردن استخراج صحيفتهن في وقت مبكر فليأتين مبكرا مثلنا، بخلاف من يأتوا ويستخرجون الفيش في 10 دقائق بالواسطة، ألم نقم بثورة حتى يكون الجميع سواسية، أم أنه مازال هناك من هم فوق النظام والقانون حتى بعد الثورة ؟! ويختتم الحديث محمد رضوان ويقول: حينما وجدت أن العملية تتم ببطء شديد اتخذت القرار بترك المكان وإنجاز بعض الأوراق من مصالح أخرى، ولكني عندما عدت في اليوم التالي لاستلام الصحيفة وجدت أني معرض للانتظار أيضا، حيث قامت إحدى الموظفات بأخذ بطاقتي بحجة أنها ستبحث لي عن الصحيفة الخاصة بي في الداخل، إلا أنها لم تخرج مرة أخرى، فربما نست أني أقف بالخارج، ولم أحصل على الصحيفة وعلى بطاقتي إلا بعدما توسط لي أحد الموظفين الذي يخرج من الحين للآخر للنداء على أسماء من تم استخراج صحيفتهم بالفعل.