لو جلست معه ستشعر بالفعل أنه صاحب رؤية مختلفة عن الحياة لأنه ليل نهار قاعد مراقب الدنيا من داخل برج المراقبة اللى أسمه ريش ... مجرد لوح زجاجى رقيق يجلس خلفه فيفصله عن مشاهد يومية كثيرة عن الناس والعيشة والزحمة وذلك من داخل مكتبه المطل مباشرة على شارع طلعت حرب .. هو مجدى ميخائيل صاحب كافيه ريش ، دخلنا معه فى دردشة سريعة عن نفسه وخبرته ورؤيته للحياة الثقافية والإجتماعية وعن دور ريش الذى تراجع وعن رأيه فى المثقفين " بتوع اليومين دول " وعن لقاء الجمعة الذى يحرص على تنظيمه إسبوعيا لإحباء ريش .. هناك من يقول أنك راجل خواجة ومحدش عارف عنك حاجة .. تفتكر ليه كده ؟ دى ناس مش فاهمين .. أنا مصرى وإبن مصرى وجدودى هم الفراعنة لأننى أصلا من أسيوط ، وأنا ورثت هذا المكان عن أبى الذى اشتراه من أحد الخواجات ، وأنا متفرغ تماما لإدارته والحفاظ عليه حتى لا يتعرض لما تعرضت له كافيهات مماثلة مثل الجريون ، وهل تعلم مثلا أنه كان هناك 34 كافيه فى وسط البلد بحجم ومكانة وتاريخ ريش لكنها للأسف لم تستطع أن تقاوم الزمن فاختفت مثل الكورسال وريتز وباريزيانا وغيرها ، إحنا شغالين من سنة 1908 يعنى فوق المائة سنة والتاريخ كله مر من هنا بداية من الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 .. يعنى هل تعلم أن منشورات الثورة دى كانت تطبع هنا ؟ إزاى ؟ وجدنا ماكينة طبع منشورات لا نزال نحتفظ بها ومخبأ سرياً كان يستخدمه الجهاز السرى لثورة 1919 ولايزال موجودا .. بل قمنا بترميمه لأن التاريخ لايزال حيا هنا .. مثلا بعد مرور حوالى 90 سنة على محاولة الشاب سعد عريان يوسف لاغتيال يوسف باشا وهبه رئيس وزراء مصر فى مارس 1919 وهو قاعد مترصد له على كافيه ريش ، عملنا زى مصالحة تاريخية بين إبنة يوسف باشا وإبنة سعد عريان .. كان هذا فى العام الماضى وبالصدفة البحتة ، يعنى أنت تتكلم عن مكان صنع تاريخاً وأنا نفسى لازلت أبحث عن هذا التاريخ وأتمنى أن أصل إلى ما أبحث عنه . وما هى هذه الأحداث التى ترغب فى أن تستكملها الآن ؟ عارف زمان كان سهل جدا أن أحصل على تاريخ وحواديت ريش كلها أصل كان فيه واحد ساكن فوق السطوح كان إسمه عم سليم وهو على فكرة اللى قام بتربية عمر الشريف ، المهم كان من مواليد سنة 1908 يعنى كان حافظ كل تاريخ المكان وأنا ندمت لأنى لم أسمع له جيدا أو أسجل ماقاله لى .. يعنى مثلا أنا عايز أتأكد أن سيد درويش وزكريا أحمد كانت لهم علاقة بالمكان ده . وكمان البوليس السياسى كان النحاس باشا طلب منه أن يراقب عدد من السياسيين كان منهم مكرم عبيد وجلال الحمامصى اللى ساعد مكرم عبيد فى معركة الكتاب الأسود المهم أنا عايز أتأكد أنهم كانوا يجلسون هنا . طيب وماذا عن الدور الثقافى لريش ؟ كفاية أقولك إن نجيب محفوظ وصل للعالمية من على ريش لإن الأجانب اللى كانوا بيقعدوا هنا أعجبوا به وبدأوا يترجموا كتبه ، وزمان قوى كان ييجى هنا ويعمل قعدته وسط العمالقة ، وأنا كنت ألاحظ عليه حاجة غريبة جدا وهى أنه كان قليل الكلام يعنى كان يتكلم 10 دقائق وبعد ذلك يترك الفرصة للناس لأن يعبروا عن أنفسهم وعن تساؤلاتهم ، وكان يحضر هنا يوسف إدريس ويوسف السباعى والغيطانى وإبراهيم منصور وغيرهم وغيرهم . طيب لماذا تغير هذا الدور ، فى رأيك العيب فى المثقفين ولا فى ريش ولا فى الزمن ؟ شوف إلى الآن عندنا ندوات ولقاءات ، هناك مثلا إفطار الجمعة الذى أحرص فيه على استضافة نجوم الأدب اللى كانوا من رواد ريش زمان يعنى مثلا إبراهيم عبد المجيد وإبراهيم أصلان ، وغيرهم وفى هذا اللقاء ممكن نتفق على أن نقوم بتنظيم ندوة أو سهرة يعنى إحنا كان عندنا الشهر اللى فات الطيب صالح فى لقاء كبير عن أزمة مياه النيل . وباستمرار نقوم بعمل حفلات تأبين أو إحياء ذكرى للكتاب الكبار . إذن الدور باق وأنا شخصيا أحرص على أن تبقى ريش كما هى .، لكن أيضا الوضع تغير جدا .. زمان وأنا صغير كان على كل ترابيزة فئة معينة بمعنى أنك كنت تجد الكتاب على ترابيزة والشعراء على ترابيزة والمسرحيين والنقاد وكتاب السيناريو أيضا كان كل واحد له مكانه ، وطبعا هذا لم يعد موجودا الآن ورغم كدة أنا حريص على أن أجعل من ريش واحة لنوعية معينة من الناس التى تقدر المكان وتشعر بأهميته طيب وإيه رأيك فى المثقفين بتوع اليومين دول ؟ يعجبنى قوى إبراهيم عبد المجيد وبهاء طاهر وكاتب أسمه إبراهيم فرغلى وبلال فضل وللأسف فى جيلكم ناس كويسين بس أنتم مش عارفينهم لكن أنا عندى ملاحظة .. زمان كان الكاتب يقرأ مائة كتاب علشان يبدأ يفكر فى تأليف كتاب الآن يقرأ كتاباً واحداً وعايز يعمل منه مائة كتاب .