يحفل التاريخ الإماراتي بالمواقف الدالة علي رصانة الدبلوماسية الإماراتية ومصداقيتها واحترامها لمبادئ وقواعد القانون الدولي، وهي سمات أصيلة غرسها في العقل السياسي الإماراتي والوعي الجمعي لقيادتنا الرشيدة المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. موقف الإمارات وسياساتها الإقليمية خير شاهد علي سعي الدولة الجاد والصادق للحفاظ علي الأمن والاستقرار الإقليمي، ورغبتها الجادة في الحفاظ علي الأمن القومي الخليجي والعربي، وما تبقي من كيان منظومة الأمن الجماعي العربي التي تعرضت لضربات ومؤامرات خبيثة منذ اضطرابات عام 2011 وحتي الآن. نعم، الإمارات لها دور في أزمات عربية عدة، ولكنه دور مشرف لأي عربي مخلص حريص علي أمته ومصالح الشعوب العربية، فالإمارات التي وقفت بكل إخلاص بجوار الشقيقة الكبري مصر، حتي عبرت محنتها بسلام وأمان، وتجاوزت المؤامرات التي حيكت ضدها من جانب بعض المتآمرين الإقليميين والعرب، هي نفسها الإمارات التي تقف اليوم داعمة لاستقرار ليبيا والسودان وتخليص اليمن الشقيق من عملاء إيران والموالين لها، الذين أرادوا السيطرة علي بلد عربي عريق وتسخير مقدراته وموقعه الاستراتيجي الحيوي ليجعلوه شوكة في خاصرة الأمن القومي الخليجي والعربي، فخاب مسعاهم وفشلت مخططاتهم بسبب تصدي التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة لهذه المؤامرة وإفشالها. بالأمس، تابع العالم أجمع صدقية دولة الإمارات في أروع صورها، حين أعلن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية أن الهجوم الذي استهدف 4 سفن تجارية الشهر الماضي، قامت به »دولة»، مؤكداً أن الإمارات لم تقرر بعد وجود أدلة كافية ضد دولة بعينها. وقال سمو الشيخ عبد الله إن »الأدلة التي جمعناها نحن وزملاؤنا من دول أخري تشير بوضوح إلي أنها عملية تفجير من خارج السفينة تحت مستوي المياه»، وأكد أن »التقنية التي تم استخدامها والتوقيت والمعلومات التي جمعت قبل العملية واختيار الأهداف كان دقيقا، بحيث لا يتم غرق أو تسريب نفط من هذه السفن». الشفافية الكاملة التي تناول بها سمو وزير الخارجية نتائج التحقيقات الجارية حتي الآن، تؤكد عمق صدقية الإمارات وإدراكها لحساسية الأوضاع الإقليمية الراهنة وحرصها علي تحديد المسئولية وتفادي خلط الأوراق، وهي سمات تنسف كل مزاعم نظام الملالي وأكاذيبه التي يرددها ليل نهار حول وجود مؤامرة تشترك فيها الإمارات لشن حرب ضد إيران. لو كانت هذه المزاعم الإيرانية تنطوي علي قدر ضئيل من الصحة لما ترددت الإمارات لحظة واحدة في توجيه أصابع الاتهام وتحميل المسئولية إلي النظام الإيراني، ولاسيما في ظل إعلان الولاياتالمتحدة عن اتهام النظام الإيراني في هذه الجريمة، فضلاً عن الدلائل التي تثبت تورطه في الهجوم الذي وقع مؤخراً علي ناقلتي نفط في خليج عمان، ما يصب في مصلحة أي اتهام يوجه لهذا النظام الذي يمارس سلوكاً إقليمياً عدوانياً يجعل من السهل اتهامه بأي جرائم تشهدها منطقتنا. مثل هذه المواقف الموضوعية الصادقة تجسد الفارق الأخلاقي الكبير بين القيادة الإماراتية وملالي إيران، وهذا الفارق مبرر ومفهوم، ونابع من سياسات قيادة تمتلك مشروعاً تنموياً طموحاً يستشرف المستقبل ويسخر كل موارد الإمارات ومداخيلها وطاقات أبنائها بل وطاقات الطموحين والمبدعين من أبناء الشعوب والدول الأخري من أجل الإسهام الجاد في مسيرة التنمية البشرية والحضارية، والارتقاء بمؤشرات رفاه وسعادة شعب الإمارات، والإسهام في رفاه الشعوب الأخري من خلال فتح باب الفرص والتشغيل للملايين من العاملين الوافدين، الذين يسهمون في بناء المستقبل علي أرض الإمارات وبالدرجة ذاتها يسهمون في رخاء دولهم وشعوبهم من خلال مليارات الدولارات من التحويلات المالية التي يدّخرونها من رواتبهم شهرياً، وعلي الجانب نجد الملالي وقد أهدروا مليارات، بل تريليونات الدولارات من ثروات الشعب الإيراني علي المؤامرات ومخططات التوسع الطائفي الواهية، وجلب المرتزقة من بلاد عدة من أجل تنفيذ مؤامرة تسكن العقل السياسي لقادة هذا النظام البائس. هي فوارق إنسانية وحضارية قبل أن تكون فوارق في السلوك والموقف السياسي، فهناك اختلافات جذرية تتمحور حول منظومة المبادئ والقيم السائدة في قمة الهرم السياسي في الإماراتوإيران، فغرس المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مغاير تماماً لما غرسه من تجرع السم مرغماً حين أوقف حربه ضد العراق، فزايد الخير رجل العطاء الذي تشهد لأياديه البيضاء كل بقاع الأرض، يختلف بالفطرة عن الملالي وخطهم السياسي البغيض، وكل الأفكار البغيضة التي يؤمنون بها، والتي نبعت من فكر قائد الثورة التي لم تتحول بعد إلي دولة، ولا تنوي أن تكون في يوم من الأيام دولة تتصرف كالدول وتسلك مسالكها، فالخميني لايزال يعيش في عقل هؤلاء الملالي بكل عدائه لجواره، وكراهيته لكل ما هو عربي، ورغبته العارمة في أن يسود الشرق الأوسط، ويصدر بضاعته الثورية البائرة إلي شعوب عربية تحلم بحياة كريمة هانئة مستقرة.