أكثر ما يجعلنا ندخل في حلقات مفرغة من الآلام النفسية الشديدة، أو أن نقع فريسة سهلة للصدمات النفسية القاسية في المقربين منا؛ هي أننا نتوقع الكثير منهم، بل وننتظر بلهفة وعجل نتاج ما قدمناه لهم، وإن لم نلقَ ما توقعناه وانتظرناه، صُدمنا من ردود أفعالهم والتي كانت بالنسبة لنا غير متوقعة. ولضمان استمرار الحفاظ علي السلام النفسي بداخلنا، يجب عليك ألا تسمح لنفسك بأن تدخل دائرة الصدمات المفرغة ولا تدعها تترك علي نفسك أية تأثيرات سلبية قد يصعب الشفاء منها، وذلك لن يحدث إلا وقد أنهيت نظرية التوقعات المثلي. أنهِ نظرية التوقعات المُثلي، فلا تتوقع في معاملاتك مع البشر أن يُعاملوك كما تُعاملهم، أو أن يُحسنوا إليك كما تُحسن إليهم، أو أن يساعدوك كما تساعدهم، أو أن يقفوا بجوارك في مبتلاك كما وَقفتَ بجوارهم، أو أن يشعروا بألمك كما شعرتَ بآلامهم، أو حتي أن يفرحوا لفرحك كما فرحت لهم، أو أن يمتنعوا عن آذاك حتي وإن فضّلتَ الابتعاد وآثرتَ الامتناع عن آذاهم، أو أن يتجاوزوا عن صغائرك وأنت الذي قد تغافلت بل وقد نسيت صغائرهم، ولا تتوقع ألا يظلمك البشر حتي وإن كنت تري بميزان العدل تصرفاتهم علي قدر استطاعتك، ولا تنتظر أن يُنصفك أحدهم إن كنت مظلوما حتي وإن كنت مُنصفا له بل وقد دَرَأتَ الظلم عنه سابقا، وأخرِج من قاموس حياتك هذه الجمل (لماذا لم يُقدم لي كما قدمت له؟) (لماذا لم يشاركني لحظات حزني وفرحي كما فعلت معه؟)، (ماذا فعلت له كي يأذيني؟)، فلا تتعامل مع البشر وكأنهم ملائكة يمشون علي الأرض، لأنهم بشر يتَمَلكهم قانون النقصان في الصفات والقدرة، والقليل منهم فقط هم من عززوا نفوسهم وهذبوها وأعلوا من قِيمتها. وتذكر دوماً أنهم بشر لهم حساباتهم الخاصة ومصالحهم ومنافعهم من جهة، وتسيطر عليهم أمراضهم النفسية من كره وحقد وغل وانتقام من جهة أخري، ولا أميل أبدا لاستخدام لغة التعميم، فمازال هناك بشر أنقياء النفس والروح، تجد فيهم أكرم الصفات وأحسنها. ولا تتوقع أن تلقَي جرّاء ما قدّمتَ للآخرين حتي وإن كانوا أقرب المقربين، توقع الأسوأ دوماً، واستعد لمواجهة الصفات السلبية في النفس البشرية ولا تتصرف كالمصدوم أبداً، ولا تحبس نفسك في صندوق الصدمات اللعين، فاخرج منه وبسرعة وأعد برمجة عقلك ليقبل المواقف الصادمة بهدوء، وتوقع مثل هذه الصدمات في تعاملاتك مع البشر حتي لا تتضخم صدماتك وتترك آثارها علي نفسك، فتوقع الصدمة يُقلل من وقع تأثيرها عليك. وتذكر أن ما تقدمه من مشاعر (اهتمام واحتواء وحنان)، هي جواهر ثمينة غالية، هي أغلي ما تملك، لا يستحقها إلا من يُقدرها، فلا تمنحها إلا لمن يُقدمها لك، واحجبها عمن يبخلون بها عليك أو يستخدمونها ستارًا للحصول علي أي مصلحة منك، لا تعطيها إلا للجدير بها، أكررها أخري لكي لا تُصاب بداء الصدمات، أو تندم علي البذل والعطاء والتضحيات، لا تقدمها إلا لمن بالفعل يستحقونها، وإلا فلا تندم إن قدمتها لمن لم يقدروها، ولا تنصدم إن لم يُثمنوا قيمتها، وتقبل بنفس هادئة ردود أفعال مغايرة تماما لما قدمته. ولا يغرنك تكرار الصدمات وتراكمها في نفسك في ألا تُقدم لغة العطاء مرة أخري لأي أحد مهما كان، لأن مازال هناك بالفعل من يستحقون.