لا تربطنى بأتيليه القاهرة ذكريات كثيرة، رغم أنى كنتُ زائرا مستمرا له قبل سنوات. ورغم انقطاعى عنه كنتُ أتابع معارك تنطلق منه.. أو بسببه، ومن بينها تلك التى تشتعل بين مجالس الإدارة المتعاقبة. لكن الأزمة الأخيرة خرجت عن السياقات المعتادة، بظهور هامشى لوريث يهودى، سرعان ما أصبح محوريا. ألقى رئيس مجلس إدارة الأتيليه المعلومة، ولم يُركز عليها كثيرا فى تصريحاته، وترك هذا الأمر لإعلام المواقع الإلكترونية، الذى لعب عليها بعناوين مُشتعلة، مما ساهم فى تركيز المثقفين عليها فى منشوراتهم على «فيس بوك». وهو الأمر الذى أصابنى بالدهشة، وعدم الفهم فى الوقت نفسه. كانت التصريحات تشير إلى دعوى لحل مجلس الإدارة، فما علاقة الوريث بذلك؟ إن مطالبته باسترداد المبنى محور دعوى قضائية أخرى، والربط بين القضيتين يحمل تلميحا واضحا إلى أن هناك مخططا يتم الترتيب له برعاية رسمية، خاصة إذا استعدنا تصريحات قديمة عن مجلس إدارة سابق تواطأ مع الوريث، فلم يُسدد إيجار المكان ليتيح له فرصة كسب قضيته! شخصيا لا أتخيل وسط البلد بدون الأتيليه، الذى سيظل واحدا من أهم ملامح هويتنا الثقافية، لكنى أعترف أيضا أن الزج بديانة الوريث أزعجنى، خاصة فى وسط ثقافى يطالب دائما بعدم خلط الدين بالسياسة والثقافة. تساءلتُ: هل كان الأمر سيشتعل بالدرجة نفسها لو كان الوريث مسلما مثلا؟ أم أن المسئولين الحاليين عن المكان العريق رأوا فى ديانته فرصة لحشد تأييد أوسع للقضية؟ وهل يحتاج الدفاع عن الأتيليه إلى عناصر جذب مساعدة؟ لم أنجح فى انتزاع هذه التساؤلات من ذهنى، حتى بعد أن سمعت عن انتهاء الأزمة، بتراجع وزارة التضامن عن دعواها لعزل المجلس، وحل الجمعية العمومية، وهو ما ينفى فكرة المخطط التآمرى، فضلا عن نتيجة قد يراها البعض مهمة، وهى نقل تبعية الجمعية العمومية إلى الوزارة نفسها، بدلا من مديرية التضامن بالقاهرة. أعتقد أن مجلس الإدارة سيعتبر ما حدث نجاحا مهما، غير أننى سأظل أرى أن التبعية قنبلة موقوتة، لكن فى حالة كونها شرا لابد منه، فينبغى أن تكون لوزارة الثقافة، التى يُفترض أنها الأكثر دراية بالفرق بين جمعيات رعاية الأطفال بلا مأوى، وبين كيان يُعتبر مأوى أساسيا للثقافة! عند كتابة هذه السطور تكون الوزارة بصدد صياغة بيان يعلن انتهاء الأزمة، حسبما سمعتُ من مصادر موثوقة. وإذا اكتمل الأمر على خير، سأظل أرى أن ما حدث أفرز مشكلة حقيقية، هى استخدام بعض المثقفين للدين كسلاح يخدم قضيتهم، وهو أمر يكشف عن تناقض حقيقى يحتاج إلى وقفة جادة مع النفس، تماما مثلما يحتاج مجلس الإدارة إلى مراجعة أدائه فى العموم. أعتقد أن الأمر يتطلب رؤية مغايرة للتعامل مع خطر لم ينته، فحسب علمى تظل دعوى الوريث قائمة، وإذا حصل على حكم قضائى باسترداد المبنى سنكون قد فقدنا أتيليه القاهرة إلى الأبد، لهذا يجب على المثقفين البحث عن حلول عملية.. لا تقتصر على منشورات «فيس بوك»، التى ستصبح مجرد بكائيات على الأطلال إذا لم ننتبه.