رئيس جامعة دمنهور يشهد إنطلاق فعاليات مؤتمر «أختر كليتك»    «راجعين» من قلب الأرز.. أغنية وطنية لوائل كفوري تهز مشاعر اللبنانيين    محافظ قنا يناقش خطة الحماية المدنية ويشدد على تأمين المنشآت الحيوية    محافظ الجيزة يتابع إصلاح عطل طارئ بالكابل الكهربائي الأرضي بساقية مكي    رئيس هيئة البترول في جولة لحقول العلمين بشركة الحمرا    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية بتداولات 2.1 مليار جنيه    مراحل دخول المساعدات إلى غزة عبر كرم أبو سالم    وسط جرائم متكررة ضد سكان القطاع.. العالم يحمل إسرائيل مسؤولية حصار غزة    في ظل المجاعة.. ارتفاع في أعداد حالات الوفيات بسبب سوء التغذية في غزة    كل ما تريد معرفته عن قرعة الدوري 2025-2026 بمشاركة 21 ناديًا    نقل وديتي الزمالك أمام بروكسي والمحلة لملعب الدفاع الجوي    منتخب مصر يواجه أنجولا في بطولة أفريقيا لسيدات كرة السلة    4 مصابين فى حادث تصادم سيارة نقل أموال بربع نقل على صحراوى أسوان    وزير التعليم يعتمد جدول امتحانات الثانوية العامة «الدور الثاني» 2025    الحماية المدنية تسيطر علي حريق داخل مخزن خردة بأكتوبر    ريم أحمد: بعد «كارمن».. أحلم بالفوازير والأكشن |خاص    ياسر رشدى : «القاهرة الإخبارية» طموح وشرف لأى مذيع l حوار    وكيل صحة الأقصر يحيل متغيبين للتحقيق بالطوط ويشدد على الانضباط الطبي    موعد مباراة إنجلترا وإسبانيا في نهائي كاس أمم أوروبا للسيدات والقناة الناقلة    الأهلي يوافق على رحيل «كوكا» إلى الدوري التركي بشرط (خاص)    تجهيز 190 لجنة استعدادا لانتخابات مجلس الشيوخ في أسوان    وزيرة التخطيط تلتقي نظيرتها بجنوب أفريقيا خلال اجتماعات وزراء التنمية بمجموعة العشرين    إجراء تصويت.. حزب معارض في البرلمان البريطاني يطلب الاعتراف بدولة فلسطين    حالة الطقس في الكويت اليوم الأحد.. حرارة شديدة ورطوبة نسبية    5 أغسطس.. محاكمة عاطل في حيازة مواد مخدرة بمدينة نصر    تموين سوهاج: توريد 184 ألف طن قمح للصوامع والشون منذ بدء الموسم    شعبة الذهب والمعادن تستعد لصياغة استراتيجية لإحياء صناعة الفضة فى مصر    كاظم الساهر ناعيا زياد الرحباني: خسارة لا تعوض للفن العربى    بالتعاون بين وزارة التعليم العالي وسفارة اليابان.. انتهاء مقابلات المرشحين لمنحة «MEXT» الحكومية    بعد اشتداد موجة الحر.. تحذيرات من هيئة الأرصاد للمواطنين    في ذكري وفاة رشدي أباظة .. دخوله التمثيل كان بسبب صداقته لأحمد رمزي وعمر الشريف    وزير الدفاع يلتقى عددًا من قادة وضباط المنطقة المركزية العسكرية    موعد حفل تامر عاشور في العلمين الجديدة و أسعار التذاكر    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    أسماء أوائل الثانوية الأزهرية في الأقسام العلمي والأدبي والمكفوفين بالمنيا    ضبط 118709 مخالفات مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الثقافة: نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر    العودة إلى الجذور.. البابا تواضروس يفتتح ملتقى لوجوس الخامس للشباب    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    "غيبوبة لليوم الرابع".. مناشدة عاجلة بعد تطورات الحالة الصحية لحارس دجلة    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    من 10 صباحًا ل 8 مساء.. جيش الاحتلال يعلن تعليق مؤقت للعمليات العسكرية في قطاع غزة    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    حياة كريمة.. افتتاح جزئى لمستشفى دار السلام المركزى بسوهاج اليوم    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    إصابة 3 أشخاص إثر انهيار جزئى بعقار في الرمل شرق الإسكندرية    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قهوة النيل .. بأسيوط
نشر في أخبار السيارات يوم 01 - 06 - 2019


لو ما لقتنيش علي »ريش»‬.. تلقاني ع »‬النيل».
هكذا كان يضرب أحد أخوالي مواعيد مقابلته لأصحابه كلما خرج من القرية قاصدا مدينة أسيوط لحضور جلسة أو قضاء مصلحة أو زيارة بيت من بيوت الدعارة في »‬الوسعة». وقتها لم أكن قد رأيت أسيوط بعد. وعندما عدت إلي مدينة أسيوط بعد رحلة طلب العلم في القاهرة في نهاية الستينيات من القرن العشرين، لم أفكر في لقاء خالي لا علي »‬ريش» ولا علي »‬النيل»، بعد أن تبين لي أن كليهما مقهي من المقاهي المشهورة في أسيوط.
فأنا لم أكن في يوم من الأيام من هواة الجلوس علي المقاهي. كما أني لم يكن لي من الأصدقاء من أنتظرهم علي المقاهي. وكانت المقاهي في القاهرة تكلف الجالس عليها مالا أنا أحوج إليه. فقد كنت أفضل أن أشتري بثمن المشروب كتابا يسد نهمي للقراءة يوما أو بعض يوم حين كان الكتاب أرخص من كوب الشاي.
وحين استوطنت حي الحمراء بمدينة أسيوط، لم أفكر في اتخاذ مقهي من المقاهي للجلوس عليه ككل الشباب، فليس لدي من الوقت ما أنفقه علي المقهي، فكل ما أهتم به موجود في مبني جميل بوسط المدينة هو »‬قصر ثقافة أسيوط». هناك كنت ألتقي أصدقائي من الممثلين والشعراء وبعض الرواد من عشاق المسرح والموسيقي والسينما والفنون الأخري. كنا نتجمع في باحة قصر الثقافة تلك الحديقة الصغيرة، نتداول في جلستنا تلك القضايا التي يهتم بها المثقفون الفكرية والفنية بل والسياسية أيضا.
وكانت القضايا السياسية هي ما يزعج »‬مديرالثقافة» خاصة وأن منا من يختلف مع النظام في توجهاته، فمنا الشيوعي والناصري والإخواني والليبرالي.. بل إن أحد الضباط المثقفين الذي كان صديقا لنا تولي إدارة مباحث أمن الدولة في محافظة هامة من محافظات الصعيد. وحين توجس مدير الثقافة خيفة من عواقب ذلك التجمع الذي يسهر لمنتصف الليل، أمر عامل القصر أن يغلق المخزن علي المقاعد حتي لا نجلس، ويدعي أن المفتاح مع مدير القصر. ومما أحنق الرجل أننا لم نلتفت إلي ما دبره بل جلسنا علي السلالم الخارجية وتابعنا مناقشاتنا التي تتولد من خلالها أفكار العروض المسرحية وملامح القصائد وأنوية الروايات.
استمر مقهانا المختار قصر الثقافة حتي وقعت واقعة »‬عفريت العلبة». وعفريت العلبة كان عنوان المقال الذي كتبته لمجلة »‬اللقاء» التي كنت من مؤسسيها ورئيس تحريرها، وكنا ننشر فيها بعض ما نكتب من قصائد وقصص وغير ذلك. أغضب المقال مدير قصر الثقافة وقرر مصادرة العدد، واستدعاني وأغلظ لي القول باعتباره صاحب المكان ومالك المجلة و»‬الحجاج بن يوسف الثقافي» كما أطلق عليه أحد ظرفاء رواد القصر. ولم أتحمل أن يغلظ لي القول فرددت له الكيل بنفس المكيال، فما كان منه إلا تقدم شكوي ضدي لقسم أول أسيوط، وخاطب كل المواقع الثقافية داخل أسيوط، بل وخارجها بحظر التعامل معي كشاعر وككاتب مسرحي.
لم يرق هذا السلوك من جانب مدير الثقافة لأصحابي من الشعراء والكتاب من أعضاء نادي الأدب فقرروا تضامنا معي أن يمتنعوا عن عقد جلسات نادي الأدب، تضامن البعض مع المدير طبعا، وتضامن معنا الشاعر والصحفي الكبير محسن الخياط رحمه الله، والروائي والصحفي الكبير محمد جبريل متعه الله بالعافية وشنا حملة قوية جعلت مباحث أمن الدولة تستدعيني لأول مرة ونصحت بالتهدئة. وكان من الضروري أن نبحث عن مكان بديل نعقد فيه جلسات يوم السبت لأعضاء نادي الأدب.
اقترح بعض الأصدقاء »‬قهوة النيل» ورحبنا جميعا بالمقر البديل. ولمن لا يعرف أسيوط ، تتركز مقاهيها منذ نشأتها في نهاية القرن التاسع عشر في منطقتين : ميدان المحطة.. حول محطة السكة الحديد، ومنطقة الوسعة وعزبة الطرح حيث دور البغاء التي رخص بها حتي خمسينات القرن العشرين. ومنها المقهي التي انتظر عليها »‬متولي» أخته شفيقة ليقتلها وينتظر عليها قدوم الشرطة للقبض عليه.
ومن أشهر مقاهي المحطة »‬قهوة النيل» التي أنشأها »‬الخواجة باولو» في نهاية القرن التاسع عشر والتي شهدت تجمعات ثوار 1919 قبل خروج المظاهرات. وما تزال قائمة حتي اليوم بنفس شكلها. وإن كانت أنشطتها تغيرت بتغير أحوال البلاد. فقد أغلقت كل البارات ومحلات بيع الخمور في أسيوط بظهور الجماعات الإسلامية العنيفة في نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين. وكانت وقت افتتاحها تشتمل علي قسم علوي يقدم بعض المشروبات وبعض الأطعمة الشعبية، أما القسم الداخلي والذي تنزل إليه يدرجات ثلاث فهو »‬بار» يقدم الخمور ليلا ونهارا، وما تزال بعض مراياه حتي الآن علي الحوائط، وقد رأيت علي تلك المرايا بعض الإعلانات عن المشروبات التي كانت تقدم.
لأسبوعين أو ثلاثة نعمنا بجلساتنا الثقافية، حتي تسرب خبر إجتماعنا إلي »‬الحجاج بن يوسف الثقافي» فأبلغ مباحث أمن الدولة عن اجتماعات مشبوهة تعقد في »‬بار النيل».. تتبني الأفكار الهدامة التي تستهدف النظام...إلخ. بعدها رأينا تلك الوجوه المترصدة من مرشدي مباحث أمن الدولة تتصيد كلماتنا. وقبل أن يتطور الأمر إلي ما لا يحمد عقباه نجح الفنان التشكيلي سعد زغلول والفنان الصحفي »‬هبة عناية» في تقريب الهوة بيننا وبين مدير الثقافة.. فتم التصالح وعدنا إلي اجتماعنا مرة أخري إلي قصر ثقافة أسيوط.. ولم أعد إلي »‬قهوة النيل» إلا حين نريد أن نقدم الشيشة إلي بعض ضيوفنا الأدباء القاهريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.