منذ طفولتي والله سبحانه وتعالي انعم علي بنعمة الذاكرة الحاضرة، وسمعت احدهم يقول لوالدي ابنتك تتمتع بذاكرة فوتوجرافية، هذه النعمة والموهبة الإلهية ساعدتني في التفوق بالدراسة بالرغم من أنني كنت قليلة المذاكرة والحفظ إللي مالوش معني، مجرد قراءة الموضوع لمرة واحدة اصبح قادرة علي اعادة سرده بدون اخطاء… حتي اصبحت المرجع الأول والأخير لافراد أسرتي بل ان معظمهم اطلقوا علي لقب »ذاكرة الأمة»، كنت اتذكر كل كبيرة وصغيرة سواء حادثا وقع امامي اومجرد تاريخ سمعت عنه اوحتي رواية سردت بالصدفة قد تمر مرور الكرام مع اي شخص اخر، هذه الموهبة استمرت معي طويلا وافادتني كثيرا اثناء الدراسة والحياة العملية والمهنية… ولكن بعد ان بلغت من العمر أرذله تراجعت هذه الموهبة بل انقلب السحر علي الساحر وبدأت رحلة النسيان!! منذ عدة أعوام شعرت بها ولَم اهتم كثيرا ولكن هذا الأرنب الذي سكن دماغي كان من النوع الشقي والمتهور!! بدأت في نسيان مواعيد الدواء الروتينية التي اعتدت عليها حتي أنني في بعض الأحيان أنسي تماما تناولها وفي احيان اخري أتناول الجرعة مرتين دون ان ادري! وبدأت ابحث عن نظارة النظر التي تاهت عني ثم اكتشفها امام المرايا وهي علي وجهي!! أعياد الميلاد للمقربين من الأهل والأصدقاء اتمسحت تماما من الذاكرة التي كانت فولاذية! والطريف ان ايّام الأسبوع كلها عندي يوم (الأحد)! من غير ليه، في الأسبوع الماضي واثناء تجولي في السوبر ماركت سيدة راقية أخذتني في حضنها وهات يا ترحيب وقبلات وحكايات من زمن فات ثم طلبت رقم الموبايل للتواصل بعد ذلك اللقاء الجميل، الغريبة انه حتي كتابة هذه السطور لم أتذكر اسمها ولا حتي ملامح الوجه فقط عرفت انها كانت زميلة في الجامعة! أشخاص وارقام وتواريخ اختفت تماما بدون سابق إنذار، بدأت البحث عن أمراض الشيخوخة وعرفته! انه مرض الزهايمر الذي يصنف اليوم بكونه السبب الرئيسي السادس للوفاة عالميا وليس له علاج نهائي لانه يدمر خلايا المخ!! وجاءت نصيحة طبيب عالمي للحد من تطوره في لعبة حل الكلمات المتقاطعة يوميا، بسيطة وجدتها، وبدأت رحلة ممارسة حل الكلمات المتقاطعة والحمد لله أنني مازلت اردد حتي نهاية العمر (ولكن دايما وأبدا تحيا مصر)…