كان من المفترض أن يتم إجراء هذا الحوار مع الدكتور عبدالهادي القصبي رئيس المجلس الأعلي للطرق الصوفية في رحاب سيدنا الحسين رضي الله عنه، لكن انشغال القصبي في البرلمان بوصفه رئيس لجنة التضامن الاجتماعي جعلنا نحاوره داخل مكتبه في المجلس.. ووسط زحمة العمل أفسح لنا الشيخ نصف ساعة من وقته كشف فيها عن سر انتشار »الصوفية» في مصر والتي تمثل مع الأزهر والكنيسة مثلث الدفاع الروحي ضد كل من يحاول النيل من الهوية المصرية.. وإلي نص الحوار: حدثنا عن دور المجلس الأعلي للطرق الصوفية؟ - المجلس الأعلي للطرق الصوفية هو المسئول بالكامل عن التصوف في جمهورية مصر العربية المنظم بقانون رقم 118 لسنة 76، وهو القانون الذي وضع نظاما للهيئة الدينية المستقلة والوطنية وجعل بها جمعية عمومية يمثل فيها جميع مشايخ الطرق الصوفية علي مستوي الجمهورية والبالغ عددهم 76 قائدا لطريقة صوفية مختلفة. تقوم الجمعية بانتخاب 10 أعضاء يمثلون التصوف بالمجلس، ومن بينهم ممثلون لبعض الوزارات والهيئات المعنية في مصر مثل مشيخة الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف والثقافة والداخلية والحكم المحلي، ليصبح إجمالي المجلس 15 عضوا ورئيس هذا المجلس الذي يتم انتخابه من قبل الأعضاء ليصبح إجمالي العدد 16 شخصا، وبعد اختياره تخطر جهات معنية أهمها رئاسة الجمهورية ليتفضل السيد رئيس الجمهورية بإصدار قرار جمهوري بتعيين رئيس المجلس الأعلي وشيخ مشايخ الطرق الصوفية. كم عدد المتصوفين في مصر؟ - أشارت إحصائيات سابقة إلي أن عددهم تجاوز 15 مليونا موزعين من أسوان إلي الإسكندرية، أما الآن فالعدد يفوق هذا الرقم بكثير. في رأيك ما سر انتشار التصوف في مصر؟ - المصري بطبيعته صوفي فلا يوجد حارة ولا شارع ولا قرية ولا مدينة إلا بها أهل للتصوف لأن سمات أهل التصوف من الحب والتواضع والقبول وعدم الاعتداء علي الآخرين هي سمات أغلب المصريين فهم غير متشددين ولا يحبون العنف ومسالمون، وهذا المنهج مقبول في مصر ومعظم الدول العربية والإسلامية بعيدا عن نهج التشدد. ما هي الشروط الواجب توافرها في تسجيل طريقة جديدة؟ - القانون حدد شروطا معينة أولها أن تكون الطريقة متمسكة بكتاب الله وسنة المصطفي صلي الله عليه وسلم، وأن تقدم سندا بتسلسل الطريقة، وتعرض الأوراق علي اللجنة العلمية التي يرأسها الدكتور أحمد عمر هاشم لتبحث المستندات وتقوم بكتابة تقرير مفصل عن نشاط الطريقة ومنهجها وأسلوبها وأماكنها وأبنائها وترفع الأوراق للمجلس الأعلي ليصادق علي صلاحياتها. ومن يخلف شيخ الطريقة بعد وفاته؟ - أقر القانون بأنه إذا كان للشيخ أبناء فالابن الأكبر له الأولوية والذي يليه فالذي يليه، وإن لم يكن لديه أبناء فيمكن لإخوته تولي هذا المنصب، وفي كل الأحوال لابد أن تتوافر بعض الصفات أهمها أن يكون الخليفة الجديد مشهودا له بأنه من أهل الفضل والعرفان، ويستطيع أن يجمع أبناء الطريقة ويلقنهم دروسها ولا يوجد شرط للسن إلا إذا كان صبيا فيتم اختيار شخص ينوب عنه حتي يصل للسن المناسبة. وهل يمكن أن يتولي أحد مريدي الطريقة رئاستها؟ - بالطبع .. وهناك بعض الطرق تأخذ بهذا المبدأ. ما مراحل الدخول في الصوفية؟ - استقبال المريد أولا لابد أن يكون بإرادته أي أنه لا يغصب عليها أحد، ولم نر شخصا يدخل في ساحة صوفية ويسأل علي دينه أو حتي اسمه، وفي موائد أهل التصوف يدخل كل من يريد لأن يأكل دون سؤاله عن أي شيء، كل القضية أن مشايخ الطرق الصوفية منهجهم واحد وكل شخص لديه الحرية في اختيار الشيخ الذي يرتاح معه ويستطيع أن يتقبل منه العلم ويتعلم علي يديه. هل هناك خطة لترميم الأضرحة التي في حاجة إلي ذلك؟ - مصر دولة حباها المولي بنعم عديدة وممتلئة بأضرحة لآل البيت والأولياء والصالحين، ومقامات الأولياء، ونحن نتبني حاليا مشروعا لحصر تلك الأضرحة والمقامات المنتشرة بجميع أنحاء الجمهورية التي تحتاج لصيانة وترميم لأن الأضرحة أثر لتاريخ يجب الحفاظ عليه. يزعم البعض أن الصوفية بوابة للتشيع في مصر؟ - زعم خاطئ والحقيقة عكس ذلك، فأهل التصوف في مصر علي وجه التحديد متمسكون بكتاب الله وسنة المصطفي، ومنهجهم سني ورغم حب المصريين لآل البيت إلا أننا لم نسمع يوما عن مصري تشيع، فلا أحد يقدر علي أن ينفذ للمصريين لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله. بعض الأشخاص يرتدون ملابس غريبة، ويقومون بأفعال غير عادية تحت مسمي الجذب؟ - التصوف منهج حضرة النبي صلي الله عليه وسلم، وهو أول متصوف في الإسلام، فقد تصوف قبل نزول الوحي وكان الصادق والأمين والزاهد، وكان يختلي في غار حراء قبل نزول الوحي، عرف بإخلاصه ووفائه وحسن خلقه ثم ينزل الوحي ليؤكد تلك المعاني وأهمية تلك المبادئ في المنهج والدستور السماوي، وتلك هي صفات أهل التصوف، ويتحدث النبي عن نفسه فيقول »أدبني ربي فأحسن تأديبي»، ويقول له المولي سبحانه »وإنك لعلي خلق عظيم»، فمنهج التصوف والسالك في الصوفية الأساس بالنسبة له الأدب والخلق الحسن. كيف تري المجذوب؟ - الجذب حالة خاصة وعندما نتحدث عن المجذوب نقول إنه جُذب إلي الله سبحانه وتعالي، وأصبح متعلقا بالمولي، فعندما يقترب الشخص من المولي يطلق عليه أهل التصوف أنه شخص مجذوب إلي المولي أو أنه في معية الله، أي أنه أصبح يستحضر في كل حركاته وتصرفاته وأفعاله عظمة المولي، وليست حالة الجذب حالة من الجنان أو فقدان العقل، وعندما سئل أحد الصالحين وهو صوفي ما هو سبب حب الناس لك قال: »أستحضر عظمة الله في كل لحظة وكل فعل وكل قرار أفعله». هل يجتمع مشايخ الصوفية بصفة دورية؟ - بالطبع، هناك اجتماعات شهرية للمجلس الأعلي، واجتماعات للجمعية العمومية ولقاءات شبه دائمة بين السادة المشايخ ، ويتبادلون الزيارات في احتفالات الطرق المختلفة، فهي علاقة من الود والحب والتواصل الدائم بين السادة مشايخ الطرق. هل هناك صوفية في الديانات الأخري؟ - بالطبع هناك تصوف في بعض الأديان الأخري شأنها شأن الصلاة والصيام، أليس هناك صيام وصلاة لأصحاب الديانات الأخري. هل هناك تواصل بين المتصوفين في مصر والدول الأخري؟ نعم، فكما نقول إن الأزهر الشريف هو قبلة العالم العلمية وقلعة العلم التي يحترمها العالم أجمع، فالمشيخة العامة للطرق الصوفية هي قبلة المتصوفين في جميع أنحاء العالم ولذلك في لحظات الفوضي أرادوا هدم مؤسسات الدولة المصرية فكان الأزهر الشريف والكنيسة والتصوف مستهدفين ولكن بفضل الأولياء والصالحين حفظ الله مصر. ما دور المجلس في إقامة الموالد؟ - للمجلس دور تنظيمي، فهو ينظم الاحتفالات الكبيرة مثل مولد سيدي أحمد البدوي ومولد السيدة زينب والإمام الحسين وأبي العباس وهكذا، وأيضا تخطر الطريقة المجلس الأعلي بموعد الاحتفال ليصدر الموافقات علي إقامة الموالد والاحتفالات. وماذا عن بيزنس الموالد؟ - أحيانا يقوم شخص بالسرقة داخل الحرم الشريف، هل يجب علينا منع الذهاب للحرم أم قطع يد السارق؟!، وبالمثل هناك من يستخدم التصوف استخداما خاطئا ولابد أن يعاقب، وإذا كان تابعا للمجلس الأعلي للطرق الصوفية فلدينا قانون لتوقيع العقوبات حسب الخطأ وإذا كان تابعا لطريقة معينة يستطيع شيخ الطريقة أن يقيم تحقيقا مع هذا الشخص ويقيم عليه العقوبة المناسبة بعد إنذاره ووصوله لمرحلة اليأس من عزوفه عن ارتكاب الأخطاء. يصمت ويكمل: لدينا مبدأ في التصوف نقول فيه »مرحبا بالعاصي» أي أننا نفتح الأبواب للعاصي لأن الله سبحانه وتعالي يفتح أبواب السماء للتوبة فكيف يغلقه العباد. في ظل كل هذا الزخم الصوفي، لماذا لا يوجد قناة تتحدث عنكم؟ - الموضوع مطروح علي الأجندة ولكنه يحتاج لأموال ضخمة جدا، وفريق عمل كبير، ومؤسسة الطرق الصوفية تم إهمالها تمويليا لسنوات طويلة رغم أنها تؤدي دورا أخلاقيا ووطنيا مهما، فهي المؤسسة التي لم يخرج من تحت عباءتها إرهابي واحد طوال السنوات الماضية وللأسف ليس لدينا تمويل من الدولة أو من خارجها يمكننا من أداء مهمتنا. أسأله لماذا يكره الإخوان الصوفيين ؟ - يجيب: أسأليهم؟.. ويستطرد: علي أرض الواقع لم يتعامل أحد مع صوفي إلا وأحبه، فالصوفي أهل للسلام، وكره أحدهم للآخر ليس إلا صناعة استعمارية فعندما أراد البعض تقسيم مصر لم يجدوا أمامهم سوي التفتيت والتقسيم فبدأوا في إذكاء نار الخلاف بين الشعب والجيش وبين الشعب والداخلية وبين المسلم والمسلم والمسلم والقبطي كل هذه ملفات استعمارية ونحن دائما كأهل للتصوف نفتح القلوب ونمد اليد للجميع بالصفاء والحب. حدثنا عن دورك في البرلمان؟ - أنا رئيس لجنة التضامن الاجتماعي في المجلس، وهي من أهم اللجان النوعية المستحدثة في المجلس وتمس كل مواطن في مصر فهي معنية بملفات ساخنة جدا مثل: التأمينات والمعاشات والفقر والعشوائيات وذوي الاحتياجات الخاصة والأسرة المصرية وأطفال الشوارع والجمعيات والمؤسسات الأهلية، وهي تهم بشكل خاص الفئات الأكثرا. وماذا عن استعدادات المجلس لشهر رمضان؟ - شهر رمضان له خصوصية. المجلس الأعلي يحتفل بهذا الشهر من بدايته بإقامة سرادق في ميدان سيدنا الحسين يتلي فيه القرآن والأناشيد الصوفية وينتهي قبل العيد بعدة أيام لتبدأ استعدادات عيد الفطر المبارك، وبذلك تكون مدة السرادق حوالي 20 يوما. ومن خلال آخر ساعة أطالب الشعب المصري باتباع سيرة حضرة النبي صلي الله عليه وسلم في معاملاته في رمضان فقد كان أكثر عطاء وخيرا ويتصدق ويزكي، ويضاعف عباداته.. أدعو المجتمع للصوم عن الفساد وتعطيل مصالح المواطنين.