الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    بعد تراجعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 21-5-2025 في البنوك    «لا تلبي متطلبات العصر ».. «السجيني»: القوانين الاستثنائية القديمة تعيق حل الأزمة بين المالك والمستأجر    نتنياهو: إيران لا تزال تشكل تهديدًا لنا ونأمل في توصل أمريكا إلى اتفاق معها    صراع من أجل البقاء.. بحث يائس عن الطعام ومجاعة تلوح فى الأفق.. الأمم المتحدة: غالبية السكان وصلوا إلى مرحلة «الجوع والموت والعوز" ومستويات حرجة للغاية من سوء التغذية الحاد»    سفير أوكرانيا بالقاهرة: تجميد الدعم الأمريكي أثّر سلبًا على سير المعارك مع روسيا    تذكرة ذهاب بلا عودة.. خطة إسرائيلية لإفراغ شمال غزة عبر مراكز توزيع المساعدات    أول رد من الزمالك بعد شكوى ميشالاك في الفيفا    الاستعلام عن نتائج صفوف النقل عبر بوابة التعليم الأساسي (الخطوات والرابط)    «غرفة سرية بهرم خوفو ومصادر للطاقة».. علماء الآثار يكشفون حقيقة ما جاء في فيلم «المشروع X»    عمرو الورداني: الالتجاء إلى الله سنة لمواجهة الكوارث وتحقيق التوازن النفسى    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    وزيرا خارجية الجزائر وألمانيا يبحثان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    مصرع طفل غرقًا في مياه نهر النيل بكفر الشيخ    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    وفاة شخص غرقًا داخل ترعة بقنا    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يدخل إليها من باب الذكريات: فاروق حسنى يعود إلى أرض المعركة بعد رحيل خصومه!
نشر في أخبار السيارات يوم 04 - 05 - 2019

الكتب ليست حبرًا وورقًا وغلافًا أنيقًا، الكتب ليست للمباهاة ولا للاستعراض الفارغ، عناوينها ليست مصيدة للقارىء ليشتريها، ليست فخاخًا ناعمة محبوكا داخلها تصوراتنا عن الأحداث، بعض الكتب كذلك، من حق أصحابها المكتوبة أسماؤهم بالبنط الفخم العريض أن يقولوا ما شاءوا، ثم لنا نحن القراء حق التصديق والتعليق والتأويل والحوار.
ما الداعى لمقدمة كهذه قبل عرض كتاب! يبدو هذا تزيدًا وإصدارًا لحكم قبل القراءة، أمهد لوجهة نظر عدائية ضد الكتاب وهو منطق يخالف العمل الصحفى والثقافى، لكن الكتاب الذى نحن بصدده لا يترك لك فرصة، منذ اللحظة الأولى لا بد لك أن تحدد موقفك منه، مع أو ضد، هذا هو المنهج الذى تأسس عليه، منهج لا يختلف كثيرًا عن شخصية بطله: الفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر الأسبق، الرجل الذى كانت المعارك ظله الذى يأتنس به.
كثيرون سيقرأون كتاب «فاروق حسنى يتذكر... زمن من الثقافة»‬ بوجدانهم مثلما فعلت أنا، أولئك الذين كانوا الطرف الآخر من المعركة، الوزير ورجاله فى ناحية ونحن فى الأخرى، علامَ كانت المعركة؟ سألت نفسى قبل أن أفتح الكتاب، لأنك ما إن تغادر أرض معركة إلا وهدفك نسيانها، وما جرى منذ 2011 إلى الآن كان له أكبر الأثر فى إغلاق الكثير من الملفات على ما هى عليه، على الخلافات ووجهات النظر المتعارضة، من مع ومن ضد، على ذكرى من احترقوا فى مسرح، وعلى أثر راح فى غمضة عين، ولوحة بملايين سُرقت، على سؤال: ما الذى نريده من الثقافة؟ ما أهمية البناء والافتتاحات بلا مردود ثقافى حقيقى؟
لكن فاروق حسنى لم ينس ولم يغلق الملف، حقه بالطبع، ومن يجادل، بغض النظر من على صواب ومن على خطأ فهذه كانت معركة حياته التى قضى فيها «‬23 عامًا و3 أشهر و13 يومًا» وفق حساب الكاتبة الصحفية والزميلة انتصار دردير والتى أجرت حوارًا طويلًا مع الوزير الأسبق نتج عنه الكتاب الذى فضل حسنى أن يكون على هذا الشكل لأنه لا يحب «‬المونولوج فى الحديث، فمتعتى الحقيقية هى تحفيز الإبداع من خلال عقل آخر يقوم بالبحث داخل عقلى»، هكذا جاء دور انتصار التى «‬كانت المحرض والمحفز لكل ذكرياتى وحواسى بعد أن أبعدنى عنها القلم بطرفه المدبب الذى سجن تفكيري"، ويكون ثمرة التعاون بين لمسات الريشة والقلم بطرفه المدبب هذا الكتاب «‬أسجل إعجابى بما قامت به هذه الكاتبة الموهوبة من بحث دءوب، وإيجاد معظم الوثائق التى تعطى تشويقًا كبيرًا للاسترسال فى القراءة، مع صياغة جمعت بين الأدب وفن الحوار، مع الرصد والتحليل، والتوثيق».
لكن هذه وجهة نظر الوزير الأسبق فى العمل، فماذا عنا نحن؟ الحقيقة أنى بدأت قراءة الكتاب بلا حسابات، والكلمة التى دونها الوزير على غلافه الداخلى حول البحر، والنداء الغامض بينهما، أوهمتنى أن الكتاب سيكون معتدلًا، إنسانيًا، سينسى فاروق حسنى المنصب السابق له ويتحدث كفنان، لكنى فوجئت أنه ما زال جالسًا على الكرسى لم يغادره، ما زال واقفًا على أرض المعركة بكامل عدته وعتاده ومعه من يقرع طبول الحرب ويسمعنا قصائد الفخر والحماس «‬إن سجل فاروق حسنى الذى يرصده هذا الكتاب يوضح كيف خاض المعارك على جميع الجبهات، وكيف تصدى لهجمات الأعداء كما واجه نيران الأصدقاء».
المقتطف السابق جزء من مقدمة ثانية للكتاب بقلم محمد سلماوى تحت عنوان «‬فاروق حسنى.. الفرس المتمرد» ومنذ سطورها الأولى تفهم روح هذا الكتاب ومنهجه، السطر الأول كافٍ تمامًا لتنسى هذا البحر الذى تحدث عنه حسنى، لا بحر ولا هدوء فى الكتاب «‬سوف يظل فاروق حسنى رمزًا باقيًا عبر السنين للفن والثقافة، سواء كان جالسًا على مقعد الوزير بمكتبه فى الزمالك، أو واقفًا يخلط ألوانه..» هكذا يقول سلماوى فى بداية مقدمته، أمر عليك أن تضعه فى ذهنك كقارئ، وأنت تعرف أن الرموز دومًا هناك من يسعى لهدمها، هناك من يشن عليها المعارك، أعداء من اتجاهات مختلفة: الإخوان المسلمون، بعض المثقفين، قيادات الحزب الوطنى الحاكم، والتى يكشف عنها النقاب لأول مرة من خلال الكتاب كما يقول سلماوى، الحزب الحاكم الذى لم ينضم حسنى لعضويته وظلت قياداته تعمل بدأب للقضاء عليه!.
مقدمة سلماوى تقول ببساطة إن فاروق حسنى كان يعمل وحده فى عصر مبارك الذى ساده الجمود فى كل المجالات»، ولو أن ما حدث فى الثقافة حدث فى المجالات الأخرى لتغيرت الحياة فى مصر بشكل كامل، لكن ذلك لم يحدث، وظل فاروق حسنى الاستثناء الذى يثبت القاعدة». ليس هذا فقط، إنجاز فاروق حسنى من وجهة نظر سلماوى لم يتوقف فقط على أنه الأبرز والأهم والوحيد فى عصر مبارك بل يتعداه إلى «‬وإذا كانت البلاد تخطو اليوم خطوات عملاقة على طريق الإصلاح وعلى طريق البناء والتشييد، فإن الصرح الذى بناه فاروق حسنى فى السنوات التى سبقت الثورة لم يستطع أن يطاوله أحد فى السنوات التى تلتها، وهذا الكتاب بلغة الفن هو (سكيتش) مبسط لهذا الإنجاز».
هل يتحدث سلماوى عن بشر مثلنا يسير على الأرض؟ لا، هو يتحدث عن فاروق حسني! ورغم هذا قد يكون مقبولًا أن تكون هذه وجهة نظر شخص فى الكتاب، على أن توازنها وجهات نظر أخرى، كتب السيرة سواء كتبها الشخص أو كانت على شكل حوار أو أى طريقة أخرى، لا بد لها من مقومات للاعتراف بها، خاصة إن كان كتاب سيرة لمسئول رفيع فى الدولة، لا بد من قدر كبير من الحساسية، ومن الضرورى أن ترى وجهات نظر الآخرين وتتحاور معها، لكن على الضد من هذا فإن ما كتبه سلماوى، يشكل الرؤية الأساسية، بل والوحيدة، التى انبنى عليها العمل من أوله لآخره، للتكريس لصورة وحيدة «‬أحد أهم وأنجح وزراء الثقافة فى مصر، محققًا من الإنجازات ما لم يحققه وزير آخر فى التاريخ المصرى الحديث». كما تختتم محاورته انتصار دردير مقدمتها.

من المهم التأكيد على أن انتصار دردير بذلت جهدًا كبيرًا فى إنجاز العمل، تحقق من خلال لغة الكتاب وأسلوبه، ولو لم يكن لما أقرأه مردود واقعى داخل نفسى لقلت إنى استمتعت للغاية بقراءته، هناك بناء تصاعدى يشبه بناء الرواية، لدينا بطل هو فاروق حسنى، وكلمة البطل هنا أقصدها بمعناها الملحمى، من البداية يرسم العمل ملامح هذا البطل، نشأته التى حملت إرهاصات الاختلاف والتفرد والتى كانت الأم أول من لمحتها وشجعتها. ترسم انتصار لوحات تذكرك بالأعمال التراجيدية، هناك خيال ووعى سينمائى يقود الكتاب من البداية إلى النهاية، يمكنك حتى أن تسمع الموسيقى من بين صفحات الكتاب، موسيقى كلاسيكية لا أقل، أنشودة البهجة لبيتهوفن، عمل يبدأ خافتًا هادئًا ويتصاعد تدريجيًا وصولًا إلى الكريشندو.
لكن، يكمن الضعف الأساسى فى البناء الذى تعمدته إنتصار فى المغالاة، فى النهاية لسنا بصدد رواية حتى لو استعارت شكلها، من المفترض أننا أمام عمل توثيقى، والأعمال التوثيقية لا تخلط الفن بالواقع، ولا تستخدم الفن لتمرير وتثبيت رؤية واحدة لا غير، فى هذه الحالة نحن أمام عمل دعائى لا أكثر ولا أقل.
لا اعتراض لدى على السعى الدءوب لتأكيد فرادة فاروق حسنى وتميزه منذ الصغر، غير أن ما لفت انتباهى هو التأكيد على مسألة الأعداء تلك باعتبارها الملمح الأساسى لأى شخصية بطولية، تسرد المحاورة أولى المواجهات عندما كان فى السادسة والعشرين حيث قام سعد كامل بتعيينه مديرًا لقصر ثقافة الأنفوشى، وعندما ذهب فى اليوم التالى إلى القصر وجد مكتبه محطمًا، بعض الموظفين الحاقدين فعلوا ذلك وكان فى استطاعة المدير الشاب أن يدخلهم السجن لكنه تصرف بحكمة ستلازمه فيما بعد فى مواجهة «‬الكراهية والحقد» على حد وصف سلماوى فى مقدمته، أو «‬أحقادًا وأمراضًا» كما كتب أحمد بهاء الدين ونقلت عنه انتصار، وفاروق حسنى فى مواجهة ذلك يلجأ للفن والشعر وهدفه الإنجاز للوطن لا مصلحته الخاصة.

هل كان من الخطأ اعتراض المثقفين على شخص فاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق المنهج الذى أوضحناه، كل ما حدث يعاد حكيه من خلل عينى البطل المنتصر فاروق حسنى، بما فى ذلك العلاقة مع نظام مبارك الذى هوى، الصورة القديمة لفاروق حسنى كما نعرفها يضاف إليها موضعته من العصر والنظام الذى أتى به وعمل من خلاله، رؤية فى القلب منها عزوفه عن المنصب الذى جاءه سعيًا بطلب عاطف صدقى «‬ظللنا على مدى ثلاث ساعات نتجادل، حتى أبديت موافقتى، ولم يحسمها إلا أنى سأؤدى مهمة للوطن، وسأحقق رؤيتى لمصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق».
تلك الرؤية تحديدًا هى المشكلة الرئيسية التى يقع فيها فاروق حسنى، ومحاورته، ومحمد سلماوى والكتاب، هناك معركة، كلنا يتفق على هذا، لكن فاروق حسنى فى كتابه يصور الأمر على أن فريقه هو من كان فى صف الوطن، يدافع عنه، يبنى من أجله، يضحى بنفسه وبفنه ليبنى مجده، أما الفريق الثانى الضد فأفراده ليسوا أكثر من «‬مشتاقين وموعودين ومغرضين، ومن يستكثرونها عليه ويرون فى أنفسهم ما لا يراه الآخرون»، بهذه العين سترى انتصار كل المعارك التالية على اختياره كوزير، حتى لو حاولت أن تبدو محايدة، باحثة عن الحقيقة من خلال صياغات بعض الأسئلة، لكنها منذ البداية فرضت على العمل قناعة جامدة ونتيجة لا بد أن تصل إليها، وإذا كانت تؤكد أنها «‬محاكمة من نوع خاص يرفع فيها الستار عن كواليس وأسرار» فإنها تحولت إلى حفل تكريم ومنح جوائز ونياشين داخل قاعة محكمة، وفى الوقت نفسه توزيع الاتهامات على كل معارضيه ودفن كل اعتراضاتهم وأسئلتهم.
من الضرورى التأكيد هنا على أن هذا العرض لن يقوم بتفنيد ما قاله وزير الثقافة الأسبق من آراء فى معارك مختلفة، كنا فى «‬أخبار الأدب» لفترة طويلة فى الواجهة منها، تفنيد هذه الآراء يتطلب ملفات كاملة، والأهم من تفنيدها كما أرى توضيح الكيفية التى أدار بها فاروق حسنى معاركه، وهى أيضًا الطريقة التى يرد بها فى الكتاب على وجهات نظر الخصوم، دعنا على سبيل المثال نتأمل معركة سقوط كتف أبى الهول، والخلاف الأول الحقيقى له فى منصبه كوزير، كان أول الفرسان ضده الراحل د. أحمد قدرى، قبل أن يتحدث حسنى عن ترميم كتف التمثال يتحدث عن د. قدرى، يصفه بأنه كان صديقًا له، وعلى هذا الاعتبار طلب منه أن يتوسط له لدى الوزير منصور حسن ليرأس هيئة الآثار «‬وكانت أقصى أمنياته أن يتولاها»، ثم يضيف كان «‬يتطلع ليكون وزيرًا للثقافة، وصرح لى بأنه «‬موعود بذلك"، بعدها يحكى الوزير الأسبق مواقف نستنتج منها أن د. قدرى كان شخصية انفعالية، غير منضبطة، وبعد هذا التمهيد المدروس، بعد تشويه خصمه بتلك الطريقة، يسرد رؤيته لترميم التمثال ليصبح ما يراه الحقيقة الكاملة التى لا تقاطعها المحاورة ولو بسؤال واحد عن الاعتراضات التى أثيرت وقتها.
التكنيك السابق يشكل منهجية للكتاب، إضعاف مواقف الخصوم عبر التشكيك فى دوافع ما يقومون به، وعبر التركيز على ما يتمتع به الوزير الأسبق من أخلاق رفيعة، تسأل انتصار عن الخلاف مع د.نعمات أحمد فؤاد «‬هاجمت د. نعمات كثيرًا قراراتك، وعارضت بشدة سفر الآثار للخارج خوفًا من تعرضها للخطر، وقالت من يريد أن يشاهدها فليأت إلى مصر»، كيف كان تعاملك مع اختلافها؟
صيغة السؤال هذه تبتعد عن نطاق القضية الأساسية له لتحيله إلى اتجاه آخر مضمر، يلتقط حسنى الإيحاء ليأتى رده مسبوقًا بوصف المحاورة لحالته «‬بأدب جم واحترام شديد يقول»: «‬د.نعمات سيدة قديرة، إلا أنها كانت عنيفة جدًا فى خصومتها، وكانت مرشحة حتى قبل أن نلتقى لنيل جائزة الدولة، ولم تحصل عليها إلا فى عهدى، ولأننى أدرك قيمتها فقد منحتها صوتى، وأدركت هى بحسها الوطنى أنى تحملت الكثير فى سبيل القيام بمهمتى تجاه الوطن».
حتى لو تكن من القراء المحترفين فإن السؤال: كيف كان تعاملك مع اختلافها؟ حالة الوزير وهو يتحدث عنها بأدب جم واحترام شديد، حالة نعمات التى كانت عنيفة جدًا فى خصومتها، رغبتها فى الحصول على جائزة الدولة، ثم لم تحصل عليها إلا فى عهد فاروق حسنى. هذا كله يشكل وعيك كقارئ فى اتجاه الاقتناع بإجابة الوزير عن سفر الآثار للخارج «‬المشكلة أن البعض يخاف، ويقف مكانه فلا يحقق شيئًا، ونحن نفكر ونعمل ونتخذ كل الاحتياطات فنحقق ترويجًا وعائدًا بالملايين».
حالة من التناغم الكامل فى الكتاب بين الوزير الأسبق ومحاورته، كلاهما لديه القناعة نفسها، سؤال «‬هل تعتقد أنه كانت هناك حالة تربص لكل ما تقوم به؟»، إجابة «‬بل تربص شديد، وكان من بينهم من اعتبرهم أصدقاء ثم اختلفنا فوقفوا ضدى ثم عدنا أصدقاء أكثر مما كنا، ومنهم الكاتب جمال الغيطانى ود. على رضوان ود. نعمات أحمد فؤاد، وكانت معارضتهم اعتقادًا أنى لا أفهم فى الآثار، ثم اكتشفوا مع الوقت خطأ ذلك، لأننى مهتم بها منذ..»

بالفعل كنت لأغلق الكتاب وأعلن انتهائى منه قبل أن أصل إلى منتصفه، لأنه ببساطة وصل إلى مبتغاه وهدفه قبل ذلك، أدركت كقارئ أن الوزير كان دومًا على حق، وكل معارضيه على خطأ، لماذا على خطأ؟ لأسباب عدة: الحقد مثًلا ثم تطهروا منه، كان مغررا بهم، رأوا المنجزات على أرض الواقع، وهكذا، ما لم يحسب له الوزير الأسبق حسابه ولم يهتم بالرد عليه أن هؤلاء فقط لم يشكلوا النواة الصلبة لمعارضته، وإذا كان ومعارضوه قد عادوا أصدقاء كما يقول فإن هناك من لا يزال يعتقد أنه كان على خطأ.
اللافت، وتلك نقطة تستحق الدراسة، أن الوزير الأسبق يجد دومًا من يحمله تبعات الأخطاء، ربما لأن القاعدة الأساسية أن كل من حوله على خطأ، المثقفون الذين اعترضوا على اختياره فى البداية، المسئولون الذين وقعت مشكلات فى إداراتهم، أما الجديد فهو الدولة ذاتها، فبعد أن خرج من الوزارة، وبعد أن سقط نظام الرئيس الأسبق مبارك الذى حماه لفترة طويلة، يدينه فاروق حسنى فى كتابه مرات عدة، انضم نظام مبارك بأكمله إلى قائمة من عرقلوا خطط وزير التنوير والثقافة والفن، عندما تسأله انتصار عن مسؤولية الثقافة فى مواجهة التطرف، يرد بأن وزارته أنشأت قصور الثقافة والمكتبات فى كافة المحافظات والقرى والنجوع، وأطلقت الأنشطة الفنية بأنواعها كافة فى كل الأقاليم، فمن سيجده الوزير هنا سبب التقصير: التلفزيون «‬كنا نستجدى التليفزيون لكى يعرضها لتصل إلى الناس، وكنت أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم به فيعطى توجيهاته لهم فيعرضونها فى الثالثة صباحًا». إضافة إلى هذا «‬كانت الزوايا مليئة بالمتطرفين وهم من يعتلون المنابر، والدولة كانت غائبة عنهم، حتى فى التليفزيون كانوا يعطون الفرصة للدعاة الجدد المنتمين للإخوان فكريًا ويصنعون منهم نجومًا، ووزارة الثقافة لم تكن تستطيع أن تصفق وحدها، كان لا بد..»

هذه هى المسألة ببساطة، وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى كانت تصفق وحدها، الدولة فى جانب وهى فى آخر، دولة متخلفة عقيمة لا تؤمن بالثقافة ولا الفن ولا التعليم، تعطى دورًا للمتشددين وتصنع منهم نجومًا، لكننا إذا ما دخلنا إلى وزارة الثقافة هذه التى تحاول التصفيق وحدها سنجد أيضًا من يعمل على إعاقة العمل، خلف كل قضية ستجد مقصرًا لنصل فى النهاية إلى أن فاروق حسنى كان وحيدًا تمامًا، أعزل إلا من ريشته فى مواجهة الأعداء، هل يذكرك هذا بشئ: نعم، بالضبط، البطل التراجيدى كما فى الملاحم الكبرى، هذا على الأغلب كل ما ستخرج به من الكتاب.
ولا ينتهى العمل إلا كما بدأ، المفتتح شهادة لمحمد سلماوى، والمنتهى شهادات من: آدم حنين، حسين فهمى، خالد جلال، د. خالد منتصر، زاهى حواس، سليمان جودة، سهير عبد القادر، عزت العلايلى، على أبو شادى، ليلى علوى، مفيد فوزى، نجيب ساويرس، وحيد حامد، وأخيرًا محاورته نفسها انتصار دردير. والشهادات كلها لا تحيد عن هدف الكتاب كله: رصد كم لفاروق حسنى من أيادٍ بيضاء على الثقافة المصرية!
اقرأ أيضا ص 34، 35
الكتاب: فاروق حسنى يتذكر.. زمن من الثقافة
حاورته: انتصار دردير
الناشر: نهضة مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.