اعتناق الدين الإسلامي يبدأ بالشهادة »أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله»، وهذا الجهر بالعقيدة والشهادة بالتوحيد والاعتراف بالنبي صلي الله عليه وسلم أول ركن من أركان الإسلام الخمسة وتتجلي أهميته في أنه يسبق ممارسة شعائر أركان الإسلام بعدالشهادة وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج، ولكن ما أكثر شهادة وشهداء الزور اليوم ممن يكتمون الحق مع علمهم به ويظهرون الباطل ويدعون الناس إليه، وهذه رؤية دينية حول الشهادة في الشريعة الإسلامية ومردود من يشهد الحق أو الباطل علي صلاح المجتمع أو فساده وزعزعة استقراره عندما يضيع الحق بقول الباطل. وحول وجوب أداء الشهادة بقول الحق يقول د. صبري عبدالرؤوف استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إنها فرض عين ومسئولية وواجب وإخفاؤها إثم كبير قال تعالي: »ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله»، وقد تكون الشهادة من أجل مصلحة أفراد لقطع النزاع بينهم أو من أجل مصلحة الوطن مما يدل علي الوعي الديني والمجتمعي وتحقيق الصالح العام، والأصل في الشهادة أن تكون سندا لجانب الحق ومعينة للقضاء علي إقامة العدل والحكم علي الجناة الذين تنجرف بهم أهواؤهم وشهواتهم فيظلمون أو يبغون فإذا تحولت الشهادة عن وظيفتها كانت سنداً للباطل ومضللة للقضاء، ودور الشاهد في القرآن الكريم ليس اختياريا أو طوعياً بل تكليف بصفة الشاهد أو خصوصية موقفه، ولأهمية وخطورة الشهادة تستنطق عليها في اليوم الآخر أعضاء الإنسان وجوارحه، قال تعالي: »وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد»، ولذا علي كل إنسان أن يؤديها بإخلاص مراقباً لله مع إصلاح النية فينال القرب والقبول عند الله، ويحرم عليه شرعاً أن يمتنع عن أدائها امتثالا لأمر الحق تبارك وتعالي: »ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه» وهذا أمر من الله بعدم إنكار الإنسان ما رأي أو أن يميل عن كلمة الحق قال تعالي: »وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: »قل الحق ولو كان مراً، قل الحق ولو علي نفسك»، والشهادة أمانة وعدم أدائها خيانة جاءت مقترنة بخيانة الله ورسوله في قوله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون»، والشهادة بمثابة حكم يصدره الشاهد وكأنه قاض فعليه أن يتحري الدقة ويلتمس طريق العدل لقوله تعالي: »وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». تضييع الأمانة ويضيف: أما الذي يشهد زوراً أي يقول كذباً فإن الله عز وجل سيعاقبه في الدنيا قبل الآخرة ليكون عبرة لغيره ولن يشفع له الرسول صلي الله عليه وسلم يوم القيامة لكونه مضيعاً لأمانته ظالماً في حكمه مرتكباً لثلاثة آثام المعصية وإعانة ظالم وخذلان مظلوم، وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يعظ أصحابه يوماً وهو متكئ فاعتدل وقال: »ألا وشهادة الزور» وكررها عدة مرات مما جعل الصحابة يقولون: »ليته سكت» من باب الشفقة عليه صلي الله عليه وسلم. ويؤكد د. صبري عبدالرؤوف أن الله سبحانه حرم شهادة الزور لما يترتب عليها من مفاسد كثيرة منها تقويض أركان الأمن إذ يجرؤ الناس علي ارتكاب الجرائم اتكالا علي وجود أولئك العصاة قال تعالي: »فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور»، وشهادة الزور وقبولها كلاهما من الكبائر سواء في أمر يسير أو كبير قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »من اقتطع حق إمرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل: وإن شيئاً يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن قضيباً من آراك»، كما أنها تحبط الأعمال قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وأن يحكم الحاكم بالباطل لأن الحكم يبني علي أمور منها البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر»، والظلم لمن شهد له لأنه ساق إليه ما ليس بحق فوجبت له النار لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: »إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها»، والظلم لمن شهد عليه حيث أخذ حقه بالشهادة الكاذبة فاستحق دعوة المشهود عليه ظلما ودعوة المظلوم مستجابة لا ترد. شروط الشاهد ويقول د. خالد سالم مشرف البحوث والنشر بمركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية: إن الشهادة من الوسائل التي تحفظ للناس حقوقهم عند نكران الحقوق وبها تصان الأعراض وتحفظ الأنساب وتحقن الدماء فينتشر العدل وعرفت بلفظ مرادف وهو »البينة» لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق فيما اختلف فيه ومن أحكام الشهادة أنها في الأصل الندب والاستحباب فيستحب أداؤها وإن لم يطلب من الشخص أن يدلي بها وقد تصبح فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين، وقد تكون واجبة إذا تعين لها شخص وإن امتنع بشهادته فتضيع الحقوق وقد تكون مكروهة وذلك كشهادة الحدود فالستر فيها أولي. وقد تكون محرمة كشهادة الزور.