يشهد العالم من حولنا تأثيرات هائلة نتيجة تقنيَّات التحول الرقمي أو ما يُعرف باسم Digitalization؛ فإن تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء، امتَّد تأثيرها ليشمل كافة قطاعات الاقتصاد؛ ليفتح مجالات وفرص أعمال جديدة ويُحدث تحولات جوهرية في نماذج الأعمال القائمة وهو ما يخلق تحديات كبيرة أمام المجتمعات والأفراد والشركات. ببساطة فإن التحول الرقمي أحد أهم وأكبر التحولات التي يشهدها العالم! يُعتبر القطاع الصناعي أحد أكثر القطاعات تأثراً بالثورة الصناعية الرابعة، وهو القطاع المسئول عن 70% من حجم السلع التي يتم تبادلها حول العالم وبالتالي يمكنك أن تتخيّل حجم التأثير الذي سنشهده، حيث أصبح في إمكان المُصنعين ابتكار نماذج رقمية تُحاكي جميع المراحل التصنيعية افتراضياً قبل البدء في عملية التصنيع وهو ما يعرف باسم Digital twin أو التوءم الرقمي. هذا المفهوم يسمح للمُصنِع ابتكار المنتج واختباره ودراسة جميع الظروف التي سيمر بها بما في ذلك عمليات التوزيع وحتي وصوله للمستخدم النهائي وذلك قبل البدء في الإنتاج. وبمجرد التأكد من كل شيء في العالم الافتراضي يتم نقل هذه التجربة للعالم الواقعي. هذه العملية ستُمكِّن المُصنعين من تصنيع منتج يناسب احتياجات كل مستهلك تطوير المنتجات وتوصيلها للأسواق بشكل أسرع بكثير وهو ما سيؤثر علي القدرة علي المنافسة وتلبية احتياجات السوق بشكل أسرع إلي جانب ضمان مستويات جودة تصل حتي99٫9% لأن كل المراحل تمت محاكتها افتراضياً اعتماداً علي كميات هائلة من البيانات. ومن خلال الاعتماد علي تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي وحلول الميكنة الآلية تزايدت الفرص أمام المصنعين بشكل كبير وبالتالي ستُصبح التكنولوجيا معياراً رئيسياً في قدرة المُصنعين علي المنافسة وليس فقط العامل السعري فقط. إذا انتقلنا لقطاع البنية التحتية مثالاً علي ذلك، سنُلاحظ تزايد اعتماد المدن في الفترة الأخيرة علي الحلول الرقمية وتحليلات البيانات لتصميم مبانٍ أكثر ذكاء وتوفير مستويات حياة أفضل للمواطنين، أيضا تزايد اعتماد المدن علي الحلول الرقمية في أنظمة ووسائل النقل لتحليل حركة سير المرور ومنع الاختناقات والحد من الحوادث وفي المستقبل سيكون في إمكان القائمين علي المدن استغلال التكنولوجيا الرقمية في إبلاغ المواطنين بأفضل الطريق للوصول إلي مقاصدهم، بغض النظر عن وسيلة الانتقال سواء عبر المركبات أو وسائل النقل العامة.. ومصر ليست ببعيدة عن هذه التحولات، اليوم يعيش بالقاهرة أكثر من 19 مليون مواطن؛ وهو ما دفع الحكومة للتوسع في بناء المدن الجديدة لاستيعاب هذه الطفرة السكانية وهي المشروعات التي كنا بحاجة إليها منذ فترة طويلة وخاصة أن البنية التحتية أصبحت غير قادرة علي مواكبة التسارع المضطرد في عدد السكان. وبالفعل بدأت الدولة في تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بالاعتماد علي الوسائل والنظم التكنولوجية الحديثة بحيث تكون العاصمة الجديدة مُماثلة للمدن الذكية حول العالم وتكون مدينة ذكية مُستدامة. واليوم نحن بحاجة للتوسع في نموذج »البني التحتية الذكية« لضمان تحقيق أقصي استفادة من مشروعات البنية التحتية في شكل عائد اقتصادي يساعد في جذب استثمارات وتوفير حياة أفضل للمواطنين. وفي قطاع الطاقة، نري نتائج أفضل لمُنتجي الطاقة والمستهلكين وللاقتصاد وحتي للبيئة نتيجة استغلال تقنيّات التحول الرقمي. علي سبيل المثال، يمكن للهيئات والمرافق العامة تحسين مستويات الكفاءة لعمليات توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها وفي نفس الوقت تزويد المستهلك النهائي بإمكانيات واختيارات أكثر فيما يتعلق باستهلاك الطاقة؛ فمن خلال الحلول الرقمية يمكن لكل مستهلك أن يتحول لمنتج للكهرباء ويربط الطاقة التي يقوم بإنتاجها بالشبكة الوطنية للكهرباء وهو ما سيقلل نفقات إنتاج الطاقة وأيضا سيحد من التأثيرات علي البيئة بسبب الحد من استهلاك الوقود اللازم لإنتاج الطاقة. كما تُساهم الحلول الرقمية في تعزيز مستويات موثوقية وأمان منظومة الطاقة وتقلل النفقات المرتبطة بإنتاج ونقل وتوصيل الطاقة من خلال تحقيق الميكنة الآلية للأنظمة. لقد بدأت مصر في تنفيذ برنامج إصلاح طموح يهدف لتنويع الأنشطة الصناعية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني وأيضا رفع تنافسية الصناعات المصرية وكان لابد من البدء في تطوير منظومة الطاقة بوصفها الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها جميع الأنشطة الاقتصادية وبعد أن نجحت الدولة في رفع إنتاج الطاقة الكهربائية للدولة بأكثر من 40% في أقل من ثلاث سنوات تتجه الأنظار الآن لقطاع التصنيع ونعمل بالفعل مع العديد من المصنعين لتوفير حلول التحول الرقمي وبناء الكوادر للتأكد من قدراتنا علي التعاطي مع التحديات الحالية والمستقبلية. إنّ التحديات التي تنتظرنا في المستقبل كبيرة، ولكن الفرص المتاحة أكبر بكثير، ولكننا لنتمكن من تطوير الحلول التكنولوجية الجديدة بشكل ناجح يعود بالنفع علي اقتصادنا المحلي فإننا نحتاج للعمل سوياً وخلق بيئة عمل مشتركة تجمع الشركات من مؤسسات القطاع العام مع القطاع الخاص والهيئات التعليمية والبحثية للعمل سوياً للبحث عن إيجابيات للتحديات التي تواجه مجتمعنا. الثورة الصناعية الرابعة تُمثِّل مخاطر للذين سيقفون وينتظرون النتائج أو الذين سيضيعون الوقت في المناقشات اللانهائية. ولكنها ستحمل أيضا فرصا غير محدودة للمجتمعات المستعدة للتعاطي مع الحلول الجديدة واستغلال الفرص الراهنة! • الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس مصر