لم يقتصر اعتداء الجنود البريطانيين علي المتظاهرين بل أخذوا يعتدون علي القهاوي التي يديرها مصريون أو يجلس فيها المصريون عادة، كقهوة الجندي، وقهوة السلام بميدان الأوبرا، وقهوة الشيشة، ومحل جروبي القديم. وفي 31 مارس أحاط الجنود البريطانيون ومعهم مفتشون من الإنجليز بجميع القهاوي والمحال العمومية في وقت واحد وأجروا تفتيش جميع المصريين الجالسين بما بحجة ضبط المنشورات الثورية التي يحملونها وكرروا هذا الهجوم والتفتيش غير مرة. منع السلاح كان السلاح ممنوعا حملة إلا بترخيص من وزارة الداخلية طبقا للوائح المتبعة، ولكن السلطة العسكرية أصدرت بلاغا، يوم 30 مارس أعلنت فيه حمل الرعايا المصريين للأسلحة النارية أو لأي نوع من الأسلحة داخل حدود محافظة القاهرة يعد مخالفا للأحكام العرفية مالم يكن حاملها حاصلا علي رخصة من السلطة العسكرية، وأنذرت من يخالف هذا الأمر بالسجن لمدة أقصاها سنة أو بغرامة أقصاها 200 جنيه أو بالعقوبتين معا. جنازات الشهداء ظهرت روح الثورة في تقدير الأمة لضحايا المظاهرات ممن قتلوا بنيران البنادق أوالمدافع الرشاشة، فكان الشعب يمجد فيهم التضحية والبطولة، وقد تجلت هذه الروح في جنازات أولئك الشهداء، فكان الشعب يشترك في مواكبها ويشيع الشهداء إلي مقرهم الأخير، وكانت هذه الجنازات تنتظم صفوف الشعب من جميع الطبقات، وتضم الألوف المؤلفة من المشيعين، وكانت من أعظم المواكب التي شهدتها مصر روعة وجلالا ويخيل لمن شاهد هذه الجنازات ورأي ضخامتها أن الأمة بأكملها كانت تخرج لتوديع شهدائها، وكان بعض الجنازات يضم عدة شهداء يشيعون معا، وعلي كل نعش أسم صاحبه شهيد يحف به العلم المصري. وفي يوم 9 أبريل احتفل بتشييع جنازة أربعة شهداء قتلوا في مظاهرة يوم 8 منه التي سيرد الكلام عنها وذلك في موكب مهيب لا يدرك الطرف آخره، وقد سار المشيعون في نظام وصمت وسكون، يعروه حزن عميق وكان يتخلل هذا الصمت بين حين وآخر نداء واحد يعبر عن شعور المشيعين. »لتحي ضحايا الحرية« وفي11 أبريل شيعت جنازة أربعة عشر قتيلا من الشهداء الذين قتلوا في مظاهرات، فكان موكب الجنازة رهيبا يبعث الأسي والحزن في النفوس، بدأ سيره من مستشفي قصرالعيني حيث نقلت نعوش الشهداء بعضها تلو بعض. ومشي في الجنازة عشرات الألوف من طبقات الشعب وشيعوا الشهداء إلي مثواهم الأخير. وفي 12 أبريل احتفل بتشييع جنازة أربعة قتلي آخرين من شهداء المظاهرات في مشهد جليل اشترك فيه المشيعون من الرجال والسيدات وقد تجددت جنازات الشهداء في نوفمبر سنة 1919 كما سيجيء بيانه.