أعتقد أننا لا يمكن أن نكتب قصة الملكة العظيمة حتشبسوت إلا بعد أن نعرض حياة زوجها وأخيها غير الشقيق الملك تحتمس الثاني. وحمل هذا الملك اسم العرش »عا خبر إن رع»، أي »عظيمة هيئة رع».وجاءت مشكلة وراثة العرش بعد وفاة الملك تحتمس الأول حين توفي أبناء الملك من زوجته الرئيسية أحمس، ولم يتبق له سوي ابنته حتشبسوت، والتي كانت تبلغ من العمر 11 عامًا في حين صعد إلي العرش تحتمس الثاني،وهو أحد أبناء الملك تحتمس الأول من زوجته الثانوية،»موت نفرت». ومن أجل إثبات شرعيته، قام بالزواج من أخته حتشبسوت. وصُور تحتمس الثاني علي لوحة مع الملكة أحمس، أرملة الملك تحتمس الأول، وابنتها العظيمة حتشبسوت. ويعتبر هذا من أهم أدلة زواج تحتمس الثاني من الأميرة الشابة حتشبسوت. وقد حكم تحتمس الثاني حوالي 20 عامًا. وهنا أود أن أشير إلي أن زواج الأخ من أخته في مصر الفرعونية كان خاصًا بالعائلة المالكة فقط، أي أنه لم يكن يحدث بين عامة الشعب؛ وذلك كي لا يدخل الأسرة المالكة غريب ليس من الدم الملكي. وفي نفس الوقت كان الملك هو ممثل الإله علي الأرض، وهو إله بعد موته. وكان أوزيريس قد تزوج من أخته إيزيس؛ لذاكان ما يقومون به هو تقليد ورغبة إلهية. وفي نفس الوقت كان اتباعًا للنظام الإلهي للحكم، وهو أن يكون الابن الذي سوف يتولي العرش ذكرًا، ومن زوجة رئيسية وليس من زوجة ثانوية. ولاتوجد أدلة تشير إلي تحمس الملك تحتمس الأول لتولي ابنته حتشبسوت العرش.وربما خاف أن يكون ذلك ضد رغبة الآلهة؛ لأن العرف في مصر الفرعونية كان أن يتولي العرش ذكر لا أنثي، وفي نفس الوقت أن المرأة تكمل العرش، أي أن الملك بدون زوجة أو ملكة لا يمكن أن يصبح ملكًا؛ لأنها هي التي تلد له ولي العرش، وكانت هي إيزيس الوفية التي حاربت الشر، واستطاعت أن تعيد وتجمع أشلاء أخيها وزوجها أوزيريس، وتحمل منه الوريث حورس الذي سوف يحكم مصر. وسوف نري أن إيزيس لم تحاول أن تغتصب الحكم لنفسها، فقد حاولت بشتي الطرق أن تعيد الشرعية للحكم، أي أن تعيد أوزيريس للحياة، وفي نفس الوقت لولا أنها حملت بحورس، لما كانت هناك مصر. وكان لهذه الأسطورة تأثير كبير في حياة المصريين. وهذا ما جعلهم يقدرون المرأة ويضعون لها دورًاواضحًا ومرسومًا ولا يقلل منها؛ لأن المرأة أيضًا كانت هي التي ترعي المنزل والأولاد حتي يصبح منهم عباقرة من المهندسين والفنانين والفلكيين، وإذا كان لديها الوقت كان من الممكن أن تحصل علي وظيفة ما مثل الرجل عدا حكم البلاد. وجاءت كل الملكات اللواتي حكمن مصر في أوقات اضمحلال وفي عدم وجود وريث شرعي من الذكور. وحدث ذلك في نهاية عصر الدولة القديمة وعصر الوسطي وعصر الحديثة. ولم تتول ملكة حكم مصر خلال فترة استقرار في هذه الدول إلا الملكة حتشبسوت. وسوف نعرف سبب ذلك، وكيفية توليها العرش في مقالاتنا القادمة عن الملكة حتشبسوت. والحقيقة إن هناك ضرورة ملحة لدراسة الديانة المصرية القديمة؛ لأنه من خلال الديانة يمكن أن نعرف أسرار هذه الحضارة الغامضة، وتكون لدينا إجابة لكل سؤال وتفسير لكل تساؤل وشرح لكل مبني أو شكل معماري؛ فلقد كان المصري القديم يقوم ببناء هذه المباني وغيرهاوفقًا لدلالات رمزية دينية. والحضارة المصرية مبنية وفقًا لرؤي معروفة وفلسفة واضحة سلفًا.