لا لا، أذني الصغيرة لن تتحمل كل تلك الأفواه التي تتكلم في وقت واحد، بينما يتسابق الجميع علي تقبيلي دون استئذان وكأني أصبحت ملكهم، والعيون كبيرة جدا ومفتوحة، يخرج منها شعاع يخترق كل نطفة مني، فهواء هذا العالم لا يريحني ولم أنسجم معه. أخبرني هاتف في عالمي الجميل السابق، أنه ليس مصيري الأبدي، وأن هناك وقتا سأخرج فيه دون إرادتي لأترك كل متعي وأتخبط بين أياد تتقاذفني بين الحين والآخر، وتعتصرني بقوة تكاد تلتهمني. كنت هناك وحدي أعيش بحرية.. أتمدد بين الحين والآخر وأجلس.. وتارة أضع ساقا علي الأخري، وأتحرك في كل الجهات، طوال الوقت يأتيني الطعام اللذيذ، بينما كان المكان هادئا، وكنت أنا سيد نفسي وسيد دنياي. هؤلاء الناس لا يتركون لي المجال لأتنفس، الملابس التفت حولي منذ اللحظة الأولي، وغطت حجمي الضئيل، وأنا الذي عشت لشهور دون غطاء يلهيني عن الحركة واللعب بين جدران ربانية معقمة. ومن المؤكد أن عائلتي ليست صغيرة، فكل شخص يدخل الغرفة يصمم علي حملي بين يديه المجربتين، ويعرفني بنفسه، وكأنني أهتم، جدي لا يقوي علي حملي، بينما خالي أخبرني أني أشبهه، وجاءت تلك المرأة الثرثارة التي لم تكف دقيقة واحدة عن الكلام لتطالبني أن أكون هادئا، فاضطررت أن أستخدم وسيلتي الحديثة في الاعتراض وملأت الدنيا بكاء وصراخا لينقذوني منها. رائحة كريهة تجعلني أدير وجهي الصغير بعيدا، هذا الرجل الذي يقول إنه عم والدي، قبلني حتي الآن أكثر من 10 مرات، بينما لم يخبره أحد أنه كان من المحتم عليه أن يغسل أسنانه وينظف فمه قبل أن يقترب مني، فكان يستحق أن أخرج كل ما في جعبتي علي ملابسه حتي لا يكررها. جدتي تقول إني غير مهذب وشقي لأني »عملتها» علي ملابس عم والدي، ولكنني لا أفهم كلماتها، من ملامحها يبدو أنها سعيدة، فما فعلته كان يعجبها، ولكن للأسف، لم يعد لدي ما أضعه علي ملابس جدتي الآن، ربما فيما بعد. من أكثر الاشياء التي تضايقني منذ قدومي إلي هؤلاء المجانين هو هذا النور الذي يسطع فوق عيني ويجعلني غير قادر علي فتحهما، الظلام مريح، يجعلك هادئا، تنعم براحتك علي طريقتك، ودون أي تدخل من الغير. سمعت جدي يقول إن الطبيب اضطر أن يستخدم طرقه السحرية ليخرجني إلي »الدنيا»، هذا المغفل، لو سألني لرجوته ان يمهلني بعض الوقت حتي اودع عالمي الساحر لأجلس هنا محاصرا بين أزواج من العيون، ومحاطا بأطفال صغار يظنون اني سأكون سعيدا عندما يخرجون ألسنتهم لي. منذ وقت قليل ذهبت في جولتي الأولي في الشارع، ولا أنكر أني كنت سعيدا بين أحضان أمي، ولكنني لم أحب المحيط حولنا، هل تركت نعيمي السابق لأشم هذه الروائح بين الشوارع، هل تخليت عن مكاني النظيف لأنظر إلي تلك الأكوصام من القمامة التي جاهدت والدتي لإبعادي عنها دون فائدة. الآن قلقي يزداد، وأشعر أن هؤلاء البشر يخططون لشيء جديد لي، لاااااا لاااا أذني، ما هذا الذي تمسكه جدتي: »اسمع كلام أمك، اسمع كلام ستك أم أمك»، طقوس جديدة في هذه الدنيا مضطر أن أتعامل معها، أعدكم أني لن أسمع كلام أحد، وأني سأرد لكم كل ما تفعلونه معي، ضحكة أمي كانت أجمل ما في الدنيا، كانت تقول لي »أهلا بك في عالم البشر، سأساندك».