عندما وصلتني دعوة المشاركة بالكتابة احتفالاً بيوم مولد الأستاذ يعقوب الشاروني الثامن والثمانين، لم أتردد في قبول الدعوة، نظراً لعلاقة الزمالة التي تربطني به، وهي علي درجة كبيرة من المودة، والتقدير، والرهافة.. أقول وجدت نفسي أردد »ثمانون» أكثر، أو أقل لا فرق.. إذ ماذا تعني »ثمانون» لرجل مثله قهر سنوات العمر، ولم تقهره.. فهو ما زال شاباً لديه من الحماسة للحياة، وللأدب، والفن ما لا يملكه من هم في مقتبل العمر.. ولديه من الإصرار، والمثابرة، والاجتهاد ما لا يقدر عليه إلا من امتلك خصوصية تجربته الأدبية، وتجربته الحياتية الغنية. وأتذكر كيف أنني شاركت منذ أعوام في الاحتفال بعامه الخامس والسبعين، وها هو الآن شارف علي التسعين، ولكنه ظل كما هو، وكما عرفته منذ أن تعرفت إليه لأول مرة، وكأن الأرقام لم تزده إلا تألقاً، ونجاحاً.. وها هي أعماله الأدبية تتزايد عدداً، وتزداد نضجاً، وعمقاً.. يكثف فيها خبرة سنين، ويختار لما يكتب أفضل ما اختزنه من ثقافة، واطلاع. يجوب كل الأجواء ليبهج الصغار، ولا يوفر معلومة وصل إليها إلا ويعلن عنها سواء للكبار، أو حتي للصغار أنفسهم، ليُعرِّف بما وصل إلي الأدب الأطفال من كل جديد يجعل من هذا الجنس الأدبي ساحة رحبة مواكبة لعصر العلم تضم إليها كل وسائل المعرفة الحديثة، ووسائطها. أجيال ممن كانوا صغاراً قرؤوا لكاتبنا، ونسجوا فراشات أحلامهم مع تلك القصص.. ولعلي كنت واحدة منهم عندما كنت أقرأ في كتب المكتبة الخضراء، ومنها ما كتبه الشاروني، وما زلت حتي الآن أحتفظ بتلك الكتب، وما فرطت بها.. ولم أكن أعرف أنني سأصبح كاتبة، وأنني سألتقي بكاتبنا في درب الحياة، وسيجمعنا أدب الأطفال.. وكلما التقيته بعد ذلك التعارف الأول الجميل شعرت بتلك الشعلة المتقدة في ذهنه، وبتلك المودة التي يحملها تجاه كل زملائه، وكم وقفت معجبة بمبادراته الطيبة تجاه الأجيال الجديدة التي تهتم بأدب الطفل، وتتوجه نحوه. هذا الكاتب الرائد لم يكتف بما يكتبه من قصص تمتع الصغار، بل إنه كتب أيضاً أبحاثاً، ودراساتٍ كثيرة في شأن الطفولة، وكان ولا يزال له حضوره المميز في جميع الندوات، والمؤتمرات التي تعقد تحت عنوان أدب الأطفال، سواء أكان ضيفاً مستمعاً، أم مشاركاً متحدثاً. كذلك تنوعت الموضوعات التي كتب فيها، إذ تناول التاريخ القريب منه والبعيد، وعالج قصصه ببساطة وعفوية محببة، وسلط الضوء علي موضوعات بعينها يجدر لفت الانتباه إليها، كما كتب في القص الواقعي إلي جانب الخيالي فما اختلف أداؤه فيها جميعاً، وما كانت هذه الأعمال إلا إضافة الي مكتبة الطفل العربي. لقد سلك يعقوب الشاروني طريق الريادة في أدب الأطفال يوم كان قلة من الكتّاب يتوجهون إلي ما أصبح يعرف بأدب الأطفال، فلم يتراجع عنه، ولم يبدله بآخر، وظل يمد المكتبة العربية بمؤلفاته التي غدت تعد بالمئات. أما وأنه يلقي هذا التقدير، والثناء في مسيرته فلأنه يستحق ذلك نظراً لإخلاصه الكبير لعالم الطفولة، ولمثابرته، واجتهاده الدائمين دون تردد، أو ملل. طريق يسير بها الشاروني صعوداً نحو الأفضل، والأجمل، والأرقي.. فله منا التحية.. وله المودة ولو في كلمة صغيرة.. وسنظل علي الوعد بانتظار كل جديد له يكتبه من قصة، أو رواية، أو حتي من بحث، أو دراسة. ولعيده اليوم شمعة تضيء.. وباقة ورد من كل الألوان تبوح بعطرها الفواح.