قال لي الفنان فاروق حسني وزير الثقافة »الأسبق«، في حوار بينه وبين الموسيقار، مع محمد عبد الوهاب، قال له: «صوت أم كلثوم مجاش زيه.. ولا تنتظر يجيي زيه”. قلت له.. قبل هذا الحوار.. تخيلت إن الرجل الذي يجلس 24 ساعة يستمع إلي الموسيقي الكلاسيك عبر سماعات في بيته ومرسمه وفي السيارة سوف يكون متمردًا علي صوت «أم كلثوم».. ضحك قائلًا: «لا أنكر إني من عشاق الموسيقي الكلاسيك.. بكل أشكالها، ولا أستطيع الجلوس، أو ممارسة طقوسي اليومية، إلا.. وأنا استمع إلي الموسيقي.. ولكن أم كلثوم قصة مختلفة.. • قاطعته: ممكن تحكي لي تفاصيلها؟ • حكايتي مع «الست» بدأت من الطفولة.. من عمر 5 سنوات تقريبًا، من هذا العمر المبكر بدأ إحساسي بصوتها، مع أغنيات «يا صباح الخير ياللي معانا، رق الحبيب».. الأسرة أيضًا الوالد والوالدة وأخوتي.. كانوا من عشاق صوت هذه العبقرية الصوتية. • هل تفضل مرحلة معينة في مشوار «الست» الغنائي؟ • أم كلثوم.. ليست أم كلثوم واحدة.. هي «أم كلثومات» كل فترة تاريخية، سوف تجد أم كلثوم.. مختلفة.. مثلًا في الثلاثينات.. تختلف عن حقبة العشرينات.. والأربعينات تختلف عن الثلاثينات.. هذه التحولات إستمرت حتي رحيلها عن الحياة، كل مرحلة لها قوام مختلف في القوام في الطعم الغنائي، الصوت يحدث له تبطين معين.. يلقي بظلاله علي هذه الحنجرة أو الجوهرة الصوتية..لهذا تستهويني في كل مراحلها الغنائية.. منذ قدمت «إن كنت أسامح» عام 1927 . • في ظل التأثر بالموسيقي الكلاسيك.. متي تسحبك أم كلثوم إلي عالمها الخاص؟ • بشكل عام احتفظ بمكتبة كاملة لكل أغنيات «كوكب الشرق».. أذهب إليها بحثًا عن الراحة.. من «الخبط والرزع» الصادر عبر الموسيقي الكلاسيك، وأرتكن إلي صوتها في حالاتي النفسية والعاطفية. • الفنان فاروق حسني (السميع) هل ينحاز إلي ملحن معين.. من صانعي مجد أم كلثوم؟ • محمد عبد الوهاب منحها تكنيك جديد في الغناء.. وأيضًا بليغ حمدي.. يختلف عن كل ما قدمته مع القصبجي والسنباطي والشيخ زكريا أحمد، لكني بشكل شخصي.. أعتبر إن محمد القصبجي، كان دارس بشكل جيد وأكاديمي صوت «أم كلثوم» ومساحة الصعود والهبوط، ساعده في هذا إنه كان دارس للموسيقي، ويمكن أن يصنف عالم موسيقي.. وهذا جعله متفردًا في إدارة صوتها، بشكل مبهر وعبقري.. منذ قدم معها.. «يامجد ياما اشتهيتك، مادام تحب بتنكر ليه، ليه تلاوعيني، إن كنت أسامح، رق الحبيب»، وعشرات الأغنيات الأخري.. ولكن بكل تأكيد إن السنباطي.. والشيخ زكريا أحمد.. صنعًا مجدًا فنيًا مع «الست» وقدما أعمال عظيمة. • الموسيقار الكبير.. فريد الأطرش.. صنع معركة فنية مع «الست» وهاجمها في إذاعة «دمشق».. بعد أن رفضت أن يقوم بالتلحين لها.. ووصف صوتها بعد «الأطلال» بالتراجع.. وإن كان أفضل لها الإعتزال.. وهي علي قمة الغناء.. • تدخل.. في الحوار.. قائلًا: أعتقد أن بعد غناء «الأطلال» حدث تعاون فني.. بين «كوكب الشرق»، أم كلثوم، وعبد الوهاب وبليغ وتجدد اللقاء من جديد مع السنباطي.. أم كلثوم بقت أم كلثوم.. في جميع المراحل والحقبات التاريخية، وحتى بعد رحيلها لم تنزل من على قمة الغناء.. هناك نوعًا من المعارك الخاسرة قبل أن تبدأ.. ويفضل عدم خوضها.. لأن النتائج محسومة مسبقًا.. الهجوم مثلًا على «الست» يرتد إلى المهاجم. • هل توافقني.. إنها في تاريخ مصر.. حفرت اسم ومكانة تجاوزت حتى فكرة المطربة.. • بدون أدنى شك.. هذه السيدة من طراز خاص، بعيدًا عن الغناء، تحمل شخصية، مختلفة ومتميزة وفريدة.. مستنيرة إلى أقصى مدى.. سريعة البديهة، في نفس الوقت الذي تتسم فيه بالجدية الشديدة، تجيد الفكاهة والسخرية، وتعتبر من ظرفاء العصر، أحاطت نفسها بصداقات من الطبقة الراقية في السياسة والأدب والصحافة.. ولم تبتعد عن صداقة بسطاء الناس، وهذا يكشف إن الوطنية لابد أن تشغل مساحة كبيرة في شخصيتها.. وأكبر دليل.. ما قدمته.. من أغنيات وطنية.. أصبحت مخلدة في تراث مصر الغنائي «مصر تتحدث عن نفسها» وفي المرحلة التي خاضت فيها مصر معاركها كانت في الطليعة تغني «مصر التي في خاطري، أصبح الآن عندي بندقية، أنا فدائيون» والقائمة طويلة.. من الأغنيات الوطنية حتى قبل قيام ثورة 23 يوليو عام 1952. • هل حصلت أم كلثوم على التكريم اللائق من الدولة المصرية؟ • الدولة دأبت على تكريم أم كلثوم منذ عهد الملكية نيشان الكمال، ثم منحها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في 1960، وقلادة الجمهورية في 1965، وجائزة الدولة التقديرية العام 1968، كما منحها الرئيس الراحل أنور السادات لقب «فنانة الشعب» مع محمد عبدالوهاب ويوسف وهبي عام 1972، كما حصلت على أوسمة ونياشين من جميع البلاد العربية، لكن لا يوجد أقوى من تكريم الشعب، فعلى رغم مرور غيابها، فأن الأجيال الجديدة أعادت اكتشاف أم كلثوم، وهذا مؤشر على أن الجيل الذي لم يولد بعد سيعرف أم كلثوم بسبب قناعات الجيل الجديد بها، وليس بسبب معاصريها. • سمعتك في برنامج تليفزيوني.. تتحسر على هدم فيلا.. «أم كلثوم».. • رد: فعلًا.. أثناء عملي في الأكاديمية المصرية في روما، وفي زيارة لي للقاهرة شاهدت لافتة فوق فيلا أم كلثوم مكتوباً عليها «مقاول الهدم السريع» مما أصابني بالحزن، لكن لم يكن بيدي شيء، وأعتقد إن متحف أم كلثوم، الذي تم تصميمه على أحدث تكنولوجيا، ويضم تراث أم كلثوم الخالد بطريقة علمية حديثة، في موقعه الفريد في منيل الروضة عوض هدم الفيلا.