زميلي إسلام الشيخ هو مدير التحرير الخاص بشئون السكرتارية الفنية، لكنه في الحقيقة لا يلعب فقط هذا الدور، فكثيرا ما يقترح علًي موضوعات، فهو واحد ممن يمتلكون رؤية واضحة في العمل الثقافي، والرسم لديه لا ينفصل عن المادة المكتوبة، التي يجيد قراءتها وإخراجها علي صفحات الجريدة بمشاركة زملائه. ومنذ أكثر من شهر، اقترح عليَّ ملفين، الأول خاص بفنان الكاريكاتير الكبير والفذ محمد عفت، والثاني خاص بواحد من أهم الأدباء، سواء علي مستوي إبداعاته الخاصة التي تجعله في مكانة متميزة بين أبناء جيله، أو دوره المؤثر في الحياة الثقافية من خلال تبنيه للعديد من المواهب، فالأديب والمثقف الكبير محمد جبريل هو واحد ممن لم يقتصر عطاؤهم علي إبداعاته فقط، بل ساهم بشكل مؤثر في تقديم العديد من المبدعين. واقترح إسلام أن يتولي هو إعداد الملف الخاص بالفنان عفت، واقترحت زميلتي عائشة المراغي أن تتولي إعداد ملف جبريل، وفي هذا العدد ننشر ملف عفت، الذي جاء بالنسبة لي مفاجأة سارة، إذ يلقي الضوء علي مسيرة فنان استثنائي، انحاز للثقافة وللمعرفة طيلة حياته، لم ييأس حينما رفضوه في المعهد العالي للفنون المسرحية في المرة الأولي، وأصر علي الالتحاق به، حتي تحقق له ما أراد، وعندما حصل علي تقدير امتياز في السنة النهائية لم يستسلم، وحاول أن ينال درجة علمية من فرنسا، فسافر إلي هناك علي نفقته الخاصة، لكن ظروفه المالية أجبرته علي العودة، لكن حلمه في أن يتعلم في الخارج لم يغب عنه، فحاول في المرة الثانية أن يذهب إلي المانيا، وقضي هناك فترة، لم ينل فيها – أيضا - درجة علمية، لكن كلا السفرتين » فرنسا وألمانيا » قرباه من العالم الخارجي، الذي أصبح بعد مضي سنوات يعرف الفنان عفت، أكثر مما نعرفه نحن، فهو يعد واحدا من أهم فناني الكاريكاتير علي مستوي العالم، بل لا أكون مبالغا إذا قلت أنه صاحب مدرسة، يكشف عنها البستان الذي ينشر في هذا العدد، هذه المدرسة التي ترسم الكاريكاتير دونما كلام، وقد تحدي عفت كل الأراء التي وقفت ضده، وحاولت تعطيل مسيرته، إلي أن تحقق له ما أراد، وفرض أسلوبه الخاص والمميز. لقد استطاع عفت بتكوينه الثقافي الرفيع، أن يعبر عن بيئته » شبرا » هذا الحي العريق، الذي قدم للحياة المصرية الكثير من الرموز في كافة المجالات، وبريشته خلد أسلوب الحياة في هذه البقعة الساحرة من أرض مصر، هو صديق لأبناء هذا الحي، يجلس بجانب بائعة الجبنة القريش يتحدث معها ويرسمها، ويجلس في المقهي صباحا يراقب الوجوه، ويعيد اكتشافها بخطوطه العميقة، فهو علي حد تعبير الفنان محمد عمر » حافظا وشاهدا علي ما كانت عليه مصر في عصر من العصور... فقد أدرك عفت مبكراً معني فن الكاريكاتير وأن دوره ليس مجرد الإضحاك، لكنه فن إنساني معني بالمرح والتأمل والفلسفة في آن واحد ». في البستان المنشور في هذا العدد نكتشف من خلال محبيه وتلاميذه وأصدقائه، ملامح ومحطات هذه السيرة لفنان، استطاع – حسب تعبير الناقد صلاح بيصار – أن يكون أول رسام يجعل الأجانب يعرفون مصر بالكاريكاتير، عن طريق المسابقات الدولية التي فاز بها. إننا أمام تجربة استثنائية في تاريخ الفن التشكيلي، تستحق أن نرويها للأجيال، لاسيما أن الفنان محمد عفت، هو واحد من فناني مؤسسة أخبار اليوم، كما أنه شاركنا عبر أكثر من ربع قرن أحلامنا في » أخبار الأدب » ، التي تنتظر منه رسوماته في أعدادنا القادمة، فبدونه نفتقد الكثير.