مثلما اكتشف ليونارد باست، الشخصية الرئيسية في رواية إي إم فورستر"هاوارد إند" عندما انهار رف ثقيل فوق رأسه أن الكتب يمكنها أن تصبح قاتلة، نستطيع القول بالإضافة إلي ذلك أن في إمكانها أيضا إلهام القتلة والسفاحين وتحريضهم علي القتل، وهناك دلائل كثيرة علي ذلك هناك مارك ديفيد تشابمان قاتل نجم البيتلز الشهير جون لينون الذي كان يحمل نسخة من كتاب " الحارس في حقل الشوفان" عند القبض عليه للكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالينجر الصادرة سنة 1951، التي ظلت حتي ذلك الوقت ذات شعبية كبيرة بين القراء المراهقين لاحتوائها علي مشاعر اليأس والعزلة التي تسود في تلك المرحلة العمرية. كذلك الكاتب تيد كازينسكي - المعروف بمفجر الجامعات والطائرات وهو قاتل متسلسل أمريكي من أصول بولندية وأحد أسوأ المجرمين في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية - كان مصدر إلهام رواية جوزيف كونراد "العميل السري" طبقا لتقارير المباحث الفيدرالية الأمريكية، علاوة علي اعتبار أدباء مثل: أنتوني بيرجس وجون فاولز وستيفن كينج وإيزاك آسيموفو آن رايز وبريت إيستون إيليز، جميعهم وجهت إليهم إتهامات لكتابتهم روايات تحض علي إرتكاب جرائم مماثلة لما كتبوا في رواياتهم، وبالرغم من أن الدافع لارتكابها مسألة معقدة، إلا أن هذا النوع من الروايات يتزايد باستمرار – في هذا السياق، وعلي نحو صارخ صدر مؤخرا حكم بالإعدام ضد كاتب الجريمة الصيني ليو لونجيبياو- بتهمة ارتكاب جرائم قتل مستلهمة من روايات كتبها في وقت لاحق وتبين أنها ليست جديدة. في مايو سنة 1840 عثر علي اللورد ويليام راسل مقتولا بمنزله في مايفير، في لندن، مذبوحا حتي إن رأسه كاد ينفصل عن جسده، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم، وكتبت عنه الملكة فيكتوريا في مذكراتها: "إنه شيء غاية في الفظاعة"، فقد أحدث حالة من الذعر بين الأثرياء "يصبح معها قتل أرملة مسالمة في فراشها مؤشرا لروح مؤسفة للتمرد" في لندن التي زعزع استقرارها المهاجرون والعصابات الإجرامية، من الطبقة العاملة التي تتزايد أصواتها، وبينما تبحث الشرطة عن الجاني، تعرض المؤلفون المعاصرون حينها لهجوم كاسح ضد كتاباتهم سلسلة روايات "نيوجيت" الصادرة منذ فترة العشرينيات حتي الأربعينيات من القرن التاسع عشر وكانت تروج للجريمة والعنف. هناك رواية لويليام هاريسون إينزوورث الذي كان محاميا وسيما انتقل من مانشستر إلي لندن كي يواصل مسيرته الأدبية، وحصد شهرته مع روايته الصادرة سنة 1834 بعنوان "روكوود" قدم من خلالها لصا يدعي ديك توربين يسطو علي أموال المسافرين علي الطرق الطويلة، أثارت الرواية إعجاب ديكنز حين كان شابا يافعا وكاتب سيرته الذاتية فيما بعد جون فورستر الذي أصبح أيضا صديقا مقربا لإينزوورث، وفي سنة 1839 تحقق له نجاح أكبر مع روايته "جاك شيبارد" التي اعتمد في كتابتها علي قصة حقيقية، لاقت إقبالا منقطع النظير، كذلك المسرحيات المأخوذة عنها والتي بلغت ست مسرحيات منها واحدة "بانتوميم" عرضت في لندن، وبالرغم من ذلك لاقي إينزوورث نقدا لاذعا من منتقدين انقلبوا ضده حتي أن أحدهم كتب: "جميع المحللين والمخططين للجرائم علي وجه البسيطة يمكن اعتبارهم أقل خطورة من ذلك الكتاب الكابوس"، بينما الروائي ويليام ثاكري "1811-1863" المعروف بكتاباته الساخرة شجب إينزوورث: لتآمره علي فتح الشهية العامة علي السرقة والقتل والبغاء. إلا أن "جاك شيبرد" رواية يجب قراءتها برغم تقديم عدد من المجرمين للمحاكمة بأسباب واهية حول أن قراءتهم للرواية أو مشاهدتهم المسرحية هي التي أفسدتهم. بعد أسبوع من محاولة الاغتيال تمت إدانة قاتل راسل المزعوم حتي قبل صدور الحكم، باعتبار أن الشخص المعني: "يمكن اكتشافه بسهولة، إلا أنه لم يكن هناك وجود لشخص مفسد" وفشل المحامي في الكشف عن ذلك للقاضي مما أثار سخط العديد من المشاهدين ومن بينهم ديكنز. حدثت كثير من الاختلافات حول الاعتراف الأصلي بما فيها أن اطلاعه علي رواية جاك شيبرد زرع الفكرة في رأسه، وإن كانت هناك محاولات للحصول علي الرأفة فإنها لم تنجح، وتم إعلان موعد تنفيذ الإعدام في نيوجيت في يوليو، حضره ما يقرب من40 ألف مشاهد، دفع بعضهم مالا لمشاهدة الحدث من قريب عبر النوافذ وأسطح المنازل، حيث كتب ديكنز وثاكري معبرين عن اشمئزازهما مطالبين بحمله لتغيير القانون رغم أنهما كانا ضمن المشاهدين.