لا يوجد حتي يوم القيامة من يستطيع أن يدعي أنه رفع السماء بغير عمد، أو أنه خلق الشمس والقمر وسخرهما لخدمة الانسان، ولو تدبر الناس في آيات الكون لآمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه الآيات. لم يأت القرآن الكريم بالقصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة إيمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان، ففرعون هو كل حاكم طغا في الارض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة إلي نفسه، وتكبر وعصي الله، وقصة يوسف هي قصة كل إخوة حقدوا علي أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم ، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والاخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسي عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر. ولذلك عرف الله سبحانه وتعالي أبطالها، فقال عيسي ابن مريم وقال مريم ابنة عمران. والكتاب الذي أنزل الله سبحانه وتعالي فيه لفتة إلي آيات الله في كونه، واقرأ قوله تعالي: »المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ » »الرعد 1-2» وهكذا بين لنا الله في الكتاب آياته في الكون ولفتنا إليها، فالسماء مرفوعة بغير عمد نراها والشمس والقمر مسخرات لخدمة الانسان، وهذه كلها آيات لا يستطيع أحد من خلق الله أن يدعيها لنفسه أو لغيره، فلا يوجد حتي يوم القيامة من يستطيع أن يدعي أنه رفع السماء بغير عمد، أو أنه خلق الشمس والقمر وسخرهما لخدمة الانسان ولو تدبر الناس في آيات الكون لآمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه الآيات ثم يحدد الحق سبحانه وتعالي مهمة هذا الكتاب وكيف أنه رحمة للناس جميعا فيقول جل جلاله »الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَي صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » »إبراهيم٬ 1-2» أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك إلي نورالإيمان ، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يري الآيات فلا يبصرها ويعرف أن هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يري إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع إلي نور الإيمان لرأي الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولعلمل من أجهلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يري، والطريق لان يري هو هذا الكتاب، القرآن الكريم لانه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر إلي نور الحقيقة واليقين، وبين الحق سبحانه وتعالي أن الذين يلتفتون إلي الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل إن الانعام أفضل منهم، لأن الانعام تقوم بمهمتها في الحياة بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة، فيقول الحق تبارك وتعالي »الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» »الحجر: 1-3» هكذا يخبرنا الحق أن آيات كتابه الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدينا لا يرتفعون فوق مرتبة الانعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون.