يطِلُّ عليْنا أشرف الخمايسي مِنْ خلالِ مَعزوفتهِ السّرديةِ الجديدةِ »جو العظيم»، ليُؤكَّدَ مهارته في تطويعِ اللغةِ، والوقوفِ تحت لواء البلاغةِ، مَزْهوًا بقدرتهِ علي تفجير طاقات الكلمات، ناظِمًا إيَّاها في عِقدٍ يُرَصَّع به المَشْهدَ الثقافي العربي كافةً. وإنَّ القراءةَ النقديةَ المسئولةَ تسْتدعي منَ القارئ الفطنِ أنْ يَصيْخَ سمعه وشيْشَ الرياحِ، و دَنْدَنَات السحائب التي تموء بها أعمالُ الخمايسي، وهو يُعيد تفكيكَ و بناءَ المعجم الدلالي المغاير للروايةِ كمنتجٍ سردي، اغتالته عيالُ الكتابةِ وفقراؤها في عالمٍ سمواتُه مفتوحة، واللغةُ ليسَتْ تركيبًا عشوائيًا، فقد لا تكون مطواعة لكاتبٍ ما؛ فلا يناله منها سوي ركاكة المعني وضعف المبني ، وعندَ كاتبٍ آخر يكون اختيار الألفاظِ وتراكيبها مرهونًا بمدي حِذقهِ في مغازلتها، فتكون اللغةُ معه متلألئةً، مُشعَّةً، ومشحونةً بالدّلالاتِ، شريطة أنْ تصادفَ بناءً دقيقا، وموقعًا نحْويًا سليمًا، وكمَا قيلَ فإنَّ »هذا بابٌ واسِعٌ» (1) ولا تتجلَّي موهبةُ الخمايسي في القدرةِ علي السَّردِ الانسيابي فقط، وإنَّما تجاوز ذلكَ إلي الاستطاعة في إعادة تدويرِ اللغةِ الوظيْفيَّةِ، مِنْ مَكامِنها المِعيَارية إلي دلالاتٍ مبتكرةٍ، تنْشعب بينَ أسْطارِ رواياتهِ منذ المنشأ، وحتي استخراج »جو العظيم» مِنْ باطنِ المرحلةِ الآنيةِ، ومنَ الوهلةِ الأولي، يُدرك القارئ أنَّ العملَ الجديدَ، بعيدٌ عنْ المشروعِ الأدبي لأشرف الخمايسي، ألا وهو السّجال بين الإنسان والموتِ ، والذي طالَ أغلبَ أعمالهِ، وخاصةً رواية »منافي الرب»، ومحاولاتهِ في استئنافِ الفكرةِ ذاتِها في »ضارب الطبل» بلهجتها الأنيقة، ومِنْ قبلهما »الصَّنم». وهذا التعميم لا ينفي أنَّ »جو العظيم» قد أشَارتْ في عُجالةٍ إلي مفهومي الموت والخلود . والخمايسي أديبٌ أريبٌ يُجيد اختيارَ معجمهِ، ماهرٌ في استنطاقِ شُخوصه وما يلائم المشْهديَّةَ، لكل زمانٍ ومكانٍ داخل النصِ، وأعمالُه علي كثرتها النسبية، لا زالتْ تعوزها كثير منَ الدراساتِ الأسلوبيةِ التي تُجلَّي مقدرته اللغوية وذكائه البلاغي الملحوظ، لا سيَّمَا ما يتعلق باختيارهِ لعناوينَ أعمالهِ، فلمْ يتعرضَ أحدٌ لتراكيب عناوين الرواياتِ عند الخمايسي، خلا إشارة الدكتور أحمد الصغير إلي ذلك في دراسته الأسلوبية ل »منافي الرب» (2). والعظيم جو، عملٌ غارقٌ في الّرمزية، يؤسَّسُ لدوالٍ مركَّبةٍ ومتراكمةٍ في آنٍ معًا، فهذه الشخوص التي يحملُها علي متْنهِ كقاربٍ ليْسَ كغيرهِ؛ وكما يمخر عبَابَ البحرِ، فهو يمنح للمأفونيْنَ طالبي الرحيْلَ، حيّزًا مكانيًا، ليؤطَّر كلٌّ منهم بدورهِ أسْطورته، ومفاهيمه النسبية ، أعلي هذا الحيز المتداعي والمُتهدَّم، وتحتَ رُكامٍ منَ اللغةِ، ثمَّ الهَوشَةُ والهياجُ حول قوالب غير حياديةٍ بالمرَّة، تؤجَّج أُوارَ البلاغة وما تنتجه منْ أحكامٍ غيرَ إنسانية! فالريَّس »زبيبة ربيع الحلو» ولِعٌ بهرَّاواتِ السَّلطة، وما تكيده عصا القيادةِ للخارجينَ عنْ طوْعِ بَنَانِهِ، حتي اللغة ذاتها كانَ يَهْصر عودها المستقيمَ؛ مُضيَّعًا نزاهتها الفينومينولوجية؛ يختار منها ما تطيب لها نفسُه، كما سَوَّغَ لشخصه حكم هؤلاء المهاجرينَ غير الشّرعيينَ، فوق مركبٍ متداعٍ، وطنٍ تنَاوشتُه يعاسيب السياسية وثعالبُها. وقد اختار المبدعُ البحرَ مؤشَّرًا إعلاميًا كورقةِ ضغطٍ علي المُتلقّي، وإنْ شئتُ قلتُ: شخصيات الروايةِ أيضًا، للحيْلولةِ دونَ رفض التهويمات النفسيةِ والتقاطعات الاجتماعية التي سوف تفرزها الأحداث، جرَّاء تماهي النفس البشرية ومَورِها مَورًا مع فورةِ البحرِ وتقلَّبَاتهِ؛ ومِنْ ثمَّ تقبل تمامَ الحكايةِ ونهاياتها والبحرُ كمكوَّن وجودي، لا يزال في إرهصاته الأولي داخل الرواية العربية، فنجده عندَ السوري حنَّا مينا جاعلاً منَ البحرِ حيْزًا لصراعِ الطبقَاتِ، ويُعدُّ مينا، والخمايسي استثناءان في رصيْدٍ زاخرٍ بالروايةِ العربيةِ، حيثُ قليلها هو ما تناولَ البحرَ سِيمْيائيًا، وإلي جانبِ البحرِ ب لا محدوديَّته، امتنعَ السَّردُ منْ صُنع إشارة للزمنِ، سوي الزمن الداخلي النّسبي الذي تستخدمه الشخصياتُ داخل الرواية لبناءِ الأحداث أو تفكيكها، وربَّما هناكَ إشارة مُضْمَرةٌ للزّمنِ الخارجي، حيثُ كلام الراوي العليم عن الرّياحِ الشمالية الغربية، والتي تكون مصحوبةً بانهِمَارِ المطرِ، ويكون ذلك خلال فصل الشتاء (ص 62)، كمُحدَّدٍ لزمنٍ فلكي داخلي للحدثِ، أو تهكم التشْكيلي »ياسين جرباية» علي السَّلفي، قائلا: »أهذه عقول مسلمين يعيشون في القرن الواحد والعشرين ص331» كمحدد تاريخي، حتي المكان كان معدومًا أو مُبْهمًا، فالمرفأ الذي سيشرع منه المسافرونَ غير الشَّرعيينَ في الإبحار، مرفأ بعيد عن عيونِ السَّلطةِ، تخفيه الطبيعةُ بعنايةٍ، حيْثُ استخدم الكاتبُ ألفاظَ التنكيرِ (ص 8). والنصُّ يَظهر كما لو كانَ معكوسًا متجاوزا البنيوية التقليدية منَ الفعلِ حتي الفاعلِ، ومنَ المُقدَّم للمؤخَّرِ، ومن الأسبابِ وعواملها حتي نتائجها، فهو نصٌّ مرتكزٌ علي اشتباكٍ عاطفي أو تذمَّر، تُحدثه قضيةٌ شعثاء، قد يظهر أنَّها قضيَّةٌ فرعيَّةٌ، أو أنَّها نتيجةٌ مُقدَّمَة لفعلٍ وسببٍ مؤخَّريَّنِ، وهي قضية الهجرة غير الشرعية، وفي ظل تبرَّم وامتعاضِ الشخصيات المتباينة أشدَّ التباين، يبدأ السردُ في تدويلِ القضية، منَ الجزئي إلي الكلّي، ومنَ المحسوسِ إلي المجرَّدِ، ومنَ اللفظي إلي البلاغي. والعلائم التي يمكن أن نلتقطها أثناءَ العملية القرائية لا تبدأ من الصفحةِ الأولي، وإنَّمَا منَ الغلافِ، فالغلافُ وما يحمله منْ عنوانٍ يُعدُّ عتبةً انْشَعبَتْ وتشظَّتْ أجزاؤها داخلَ السَّردِ، فعبارة »جو العظيم» تَقع منَ الناحية النحْوية في بابِ التوابعِ، كصفةٍ وموصوفٍ، فالعناوين عند الخمايسي كما أسْلفتُ الذّكرَ؛ لها خصائصها الدلالية الحادة، ولكنْ في روايتنا هذه تحديدًا، فإنَّه يريدُ منَ القارئ أنْ يدلفَ إلي النص مع الساردِ؛ ذراعا بذراعٍ ليُسْهمَ الأولُ منهما في بُنية النصِ الافتراضي حالَ الفعل القرائي؛ وتجدر الإشارة إلي أنَّ النعتَ والمنعوتَ يفيدان التخصيص، والكشف والتوضيح (3) كما في هذه الحال، والمسلك البلاغي هذا يُحفَّز الحواسَّ لتلقي قادم جديد، وهي العظمة والتي تجعلها (أل) التي للتعريف قاصرةً علي المُسمَّي وإبعاد أية مشتركات أخري من الاتصاف بهكذا صفة، ولذا جاءتْ عناوين الفصولِ في شكل أرقامٍ بالعربية (أولًا/ثانيًا/ثالثًا...) وكأنَّه يعدّدَ نواحي العظمةَ تِعدادًا رقمياً، وهو ما رمزَتْ إليه الصّفةُ المعرفة ب (أل) علي الغلافِ، كعنصرٍ نحْوي له دلالته الظاهرة في تمَوضع النصِ، وهذا المؤشَّر يُحاصرُ المتلقّي، ولا يمنحه الحيادَ المنشود، فيسْتقطبه العنوانُ، ويهبَه المعني المبثوث بين صفحاتِ الروايةِ. العظمةُ التي يختص بها »جو» في الفصلِ الأولِ، هي قدرتُه علي استيعابِ كل هؤلاء؛ منَ الدّهماءِ والمثقّفينَ والأمَّيينَ والميتافيزيقيَّين، والرومانسيَّينَ والمصلوبينَ، والغوغائيَّينَ والعقلانيَّينَ، والذاتيَّين، أو عظمته في (ثانيًا) لما شحذه وأجَّجه في نفوسهم منْ حريةِ التعبير، وإنْ علتْ أصواتهم - إلي أنْ قاطعهم »زبيبه» ونهاهم، وسلب منهم قدرتهم النقدية، ولكنَّ »جو» كانَ عظيما حيثُ تحمَّل كل هذه القلاقل، وظلَّ شامخا كالطَّودِ العظيم، وهكذا. ويبدو أنَّ جميعَ الشخوصِ واقعة تحت مشترك نفسي، الأ وهو القهر السَّلطوي بممارستهِ أصالةً كحالِ الريَّس زبيبة، ونيابةً كما عند حمَّود (بحارة) المركب، ويكون القهر السَّلطوي أيضًا عبر الحرمان منه، أو يرزحونَ تحتَ الضَّرورة الطبيعية ومشتقاتها، فإلي جانب الريَّس »زبيبة» رأس السلطة الأمَّي، فهناك بيضون السَّلفي ، وهو إلي جانب كونه شخصيةً محورية، فهو يري الحياة والوجودَ عامةً، منْ فوق إلي أسفل، منَ السماءِ إلي الأرضِ، يقف عند حدود اللغة الظاهرةِ، دونَ الكشف عن غورها، يُموضع الأشياءَ عندَ سُطوحها، لا تُسعفه ردودُ أفعالهِ المتعجَّلة، ولا تقييماته المُسطَّحةِ، علي تأليفِ قلوب رُكَّاب »جو العظيم» ، ذلك الوطن العائم فوق اختلاجات البحر، وإنْ كان هذا لمْ يمنعه مِنْ تزعَّم حركاتٍ يقود فيها إخوانه المؤمنينَ، بمشاعرَ غير موضوعيةٍ. والسّلفيَّةُ كمصطلحٍ، والذي ينتَمي إليها »بيضون» هي إحدي الحقول الدلالية المركزية داخل النصِ، وهو حقلُ منذ بداية النص أخذَ في الاتسَاعِ، مُمتدًّا عبر مراحلَ ارتقائيةٍ، فالّسلفي هذا، كان يخلعُ علي »الريَّس» لقبَ إمام المسلمينَ، يسمع له ويطيع ، ويحث باقي الشخصيات علي ذلك ، ولكنْ في مرحلةٍ تاليةٍ ، نفضَ يده منَ البيعةِ إذ بدا له »زبيبة» كإمامٍ لا يُصلَّي ولا يعرف كيف يتوضأ، وفي مرحلة ثالثةٍ، ألَّبَ عليه شعبَ »جو العظيم»، والحقيقة أنَّ هذا ليس تردَّدا ولا تناقضًا بقدرِ ما هو ترسيم حدودي، لمذاهبَ سلفية شتَّي، تتباين نظرياتُها في الإمامة! وكذلك المثقَّف كحقلٍ دلالي ثانٍ، فالمثقفُ فوق متنِ »جو العظيم» يقف عندَ حدود اللغةِ الصوتية، والخطبِ الرَّنَانة، وهو في سبيل ذلكَ قد يضع الأمورَ في غير نصابها، مفتقدا الحكمَةَ التي تمنحه رؤيةً مستقبليَّةً لما يجبْ ولما يمكن ولما يستحيل، فالمثقف عند الخمايسي، يمكن أن تغريه نفسه لإلقاء خطبةً وقتَ هبوب الموت وحينَ جريان البحر فوق أعناقِ الركاب التعساء. ويُعدُّ »ياسين جرباية» المثقف الذي طوَّحته السَّلطةُ الغشوم، فجعلتْ منه حائرًا، وربما دافع الخوفِ والذي يمكن أنْ يعشَّش فوقَ جثامين المثقفينَ والفنانينَ هو علة تحيَّره وتخبَّطه، ولكنَّ الكاتبَ هنا، يستجلب هذه النوعية منَ الواقع، فإنَ الشخصيات أغلبها؛ وإنْ كانتْ في فضاءٍ رمزي، إلا أنَّ الكاتبَ يختار شخصياته منَ الواقعِ وتجلياتهِ، ويَطيب لي هنا أنْ أذكر كيفَ أنَّ أنموذج المثقف عند الخمايسي، يختلف عن »باسيل» عند »نيكوس كازانتزاكيس» فهو ينْهل منَ الرجل العادي »ألكسيس زوربا» معارفه، ولا ينتبه ولا يركز علي الحلي اللفظية عندَ بناء الإنسان، حاولَ أن يُدرَّبَ نفسه علي البعدِ عن المجرَّداتِ، والغوص في الشعب وبالشعب. نعم يؤمن التشكيلي المثقفُ »جربايه» بأنَّ المثقفَ ليس طاووسًا يقرقر نافشًا ريشه الملون، وأنَّ تنظيراته كمثقفٍ أفادتِ الركابَ، إلا أنه يفتقد للآليةِ التي تُمحور الوجودَ في ذهنه ترتيبًا وتبويبًا، كي لا يخلط بينَ عالم المجردات وبينَ عالمِ المحسوسات المنظور. إنَّه نصٌّ يحكي عن الخيْبَاتِ، عن انتصارات ضائعةٍ، حيْنَ تاهتْ عقولُ رجالٍ، وهامتْ أفئدتهم بالَّسلطة الممجوجة حد الاختبال، ومزَّقوا خشب »جو العظيم» ولكنْ! ولكنْ كانتْ نهاية قدرية لأسبابٍ قدريَّةٍ وبأسبابٍ قدرية أيضًا! لقد ارتَاع كلٌّ منَ: المسيحي، والسّلفي، والمثقف، والصعيدي بسِحنتهِ المَهيبة، وزغلول العاشق لمظاهر جسدِ المرأة، والمرأةُ بثدييها الكاعبينِ، مادتْ رؤيتهم للوجودِ عنْ عرشها، ووجدوا أنَّ الحقيقةَ كانتْ نسبية، وأنَّهم وبعد ضياع »جو العظيم» كانَ يمكن أنْ يقدَّموا بصفتهم ووصفهم الشعب الأبيَّ، حلولا ناجعةً تحفظ لثورتهمُ البحرية كرامتها، وكمْ كانَ يمكن تداركَ تحطم »جو العظيم» لولا الأنفاس اللَّاهثة والضمائر الخربة، وصلب الوطن فوق مذبح السَّلطة، فكانتْ هذه الأزمة الوجودية ، كمَا يقول الكاتبُ ، سببها التّعنت! ولنَا أنْ نسأل؛ هلْ كانَ النصُّ يؤكد علي أنَّ السَّلطةَ سببٌ فيما آل إليه الموقف، حيثُ إنَّ الفصلَ الأخيرَ من الروايةِ كانَ خاليًا منْ »زبيبه» ومساعده »حمود»، ولذا اتَّخذ السرد سبيْله هادئًا؛ بعدَ أفعالٍ منَ اللطم والشجب، والتكفير والتلويح بالقتل كأداة تطهيريَّةٍ بينَ طوائف المتقاتلين! وهل كانَ الكاتبُ يشرح ويؤسس مفاهيم الدولةِ الحديثةِ كما ينبغي أنْ تكونَ؟ ولعلَّ السَّارِدَ يكشف عن إجابةٍ لهذه الأسئلة، وقد لا يفعل، لكنَّ المؤكدَ أنَّ الكاتبَ، أجادَ نوعًا ما في استخدام حيلِ السّردِ الكاشفة لجوهر الروايةِ وما تحمله من أيديولوجية، لقد كانَ لفنونِ الحكي عند أشرف الخمايسي، قدرةً علي التوجيه السّيميائي للرواية، فاختياره للراوي العليم، كان مناسبًا لنص رمزي، يمتح حقيقتهَ من نَبْعةِ الخيالِ وصنوفهِ، وانْمَازَ النصُّ كذلكَ باستعمال أوزان، مثل فعول كمؤكَّدٍ لفظي (ص 11)، واستعماله بابَ التورية بشكلٍ مَكثورٍ، خاصةً في معجم »الخمايسي» المتفجَّر بالممنوعِ والمَحجورِ، وكذلك (كرنفاليته) في استخدام ألفاظٍ لا يمكن لأحدٍ أنْ يمر بها دونَ أن يضحكَ ضحِكاتٍ عاليةٍ، ولكنْ، وكمْ كان إعجاب الراوي ب لكن هذه، أقولُ: لكن كانَ السَّارِدُ سُلطويًا اصطبَغَ بأشخاصه السَّلطويينَ، داخلَ النص، فيكيْلَ الاتهامات، أو حتي يسْتأثر بالتفسيْرِ والتأويل نيابةً عن الشخوصِ، بل يقاطعهم أحيانًا، وربَّما أخفي السَّاردُ صوته داخلَ صوت أحد الشخصياتِ، مستخدمًا أداةَ ربطٍ معنوي، كحرف (إنَّ) الذي بدأ به جملةً بعد كلامٍ للسلفي »بيضون» وبعد سطورٍ عِدَّة، يعود مرةً أخري للشخصيةِ المتحدثة (ص312) ولو لم ينتبه القارئ لنقطةِ أواخر الجمل التامةِ، أو لضمائر التكلم، لتوحّدَ في ذِهنهِ المتكلمونَ دونَمَا تمييز بينَ الرّاوية السَّارد وبينَ الشخوصِ، بلْ تجرَّد في مرَّاتٍ من حياديتهِ. عدا ما أوقعه أحيانا في خروجه منْ صفة راوٍ عليم إلي راوٍ متردد أو غير مُحيطٍ ، أو غيرَ مُتيقَّن. وكذلك هناك مساحة سرديَّةٌ أصابتها التخمَة بسبب الإثقال منَ السارد في الشرح والتفسير، كما فعل في (ص 181) والصفحتين التاليتن. ورغم ما يعتري النصَّ منْ هناتٍ لغويةٍ، ربما نصفها سبق قلمٍ، والنصفُ الآخرُ تصحيف طباعي، كتقديم المُؤكِدِ علي المُؤكَدِ، وهذا تكرَّر بشكلٍ ملحوظٍ في كلمةِ »نفس» الدالة علي التأكيد، أو التبديل بين همزة القطع وألف الوصل، فقد كُتبتْ »ايم الله» بهمزة قطع طول الرواية، وكذا جمع فعيل علي مفاعيل، فهو يجمع علي فعلاء (ص121) ومرَّات لا تذكر في مخالفة قواعد العدد والمعدود، وفي الجملةِ فالروايةُ نصٌّ متميَّزٌ، والخمايسي يعرف منْ حطَّم »العظيم» جو . ---------------------------- (1) دلائل الإعجاز - الجرجاني ص48 (2) هديرالسّردِ - مصطفي عبدالله ص268 (3) أسرار اللغة - ابن الأنباري ص115