يسري الجندى ويظل عموم الناس تائهين في ظلام وعزلة .. عزلة فرضناها علي انفسنا كما أريد لنا.. - (الدكتور جمال شقرة) استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس والذي راجع أو استكمل مراجعة مسلسل (ناصر) حسب توصية المؤرخ الكبير الراحل (يونان لبيب رزق).. سعدت مؤخراً بقراءة بحثه الهام (التهديد الإسلامي للغرب المعاصر).. والذي صدر عام 2002م. وهو إذ يتناول فترة معاصرة تبدأ كما يقول (منذ الثورة الإيرانية وحتي أحداث تدمير البرجين عام 2001م) إلا أنه بالتأكيد يعرف أن عداء الغرب يمتد منذ بداية الفتوحات الإسلامية خفياً ثم معلناً: لكنه بحكم تخصصه اختار تناول ظاهرة العداء في تلك الفترة وأيضاً لصدور كتاب هنتنجتون الشهير في عدائه لنا وأحدث ضجة كبيرة ومازال نبراساً لسياسة الحكومة الأمريكية تجاه المسلمين والعرب دون أن يجد منا إلا ردوداً عامة غير متعمقة مع ان لدينا باحثين مدققين يملكون قدرة علي طرح علمي يحدد ما لنا وما علينا بموضوعية وليس الكتابة بمنطق (انا وابن عمي ع الغريب). وهو ما يحكم معظم ما يكتب رداً علي هذا الباحث الأمريكي الشهير (صامويل هنتنجتون).. رغم أن كتابه هذا (صراع الحضارات) كان بحثا منشوراً في صحيفة وتحول إلي كتاب كفكر يتطابق مع سياسة اليمين الأمريكي في الحكومة كما يلبي توجهات لتجمعات كثيرة مثل التجمعات الصهيونية - اقول أن هذا الكتاب أو الكتيب.. يشير إلي بعض الحقائق التي علينا الاعتراف بها وبحث اسبابها بموضوعية. مثلما يشير الكتيب إلي افتراضات وهمية ابتدعوها وتمثل افتئاتا غير علمي لا يقبله المنطق السليم. - والامثلة كثيرة عددها د. جمال وجميعها تؤكد أنها في النهاية تمثل فكراً انتقائياً غير علمي. - ونعود إلي بداية تراكم هذا العداء في رأيي منذ الفتوحات الإسلامية وتصاعدها بقوة مع قيام الدولة الأموية.. ثم فتوحات الدولة الاسلامية في الأندلس.. ثم التوسع الذي طال الكثير من دول الغرب في عهد الدولة العثمانية حين كانت في أوج قوتها وخاصة فترة (سليم القانوني) في أواخر العصور الوسطي حيث كانت الكنيسة ما تزال تسيطر علي المشهد الأوروبي.. ثم فترة المواجهات في الحروب الصليبية.. وخاصة مع (صلاح الدين).. وكل هذه الفترات تحتاج منا إلي إعادة قراءة في القيام بدراسة موضوعية منصفة لها ولنا وللحقيقة وربما لا يمكنني الزعم بأننا نملك الآن مفكرين كباراً بالمعني الدقيق.. أي يملكون رؤي جديدة تضيف للفكر الإنساني شأن ابن رشد والفارابي والغزالي.. إلي آخر هذا الرعيل الذي كان في الماضي! لكنني علي يقين من وجود باحثين كبار - لو تحررت ارادتهم من أزمة البحث العلمي لديناً - لانكبوا علي هذه المسألة وكل مزاعم الغرب عنها - وفعلوا هذا بتمحيص وإخلاص وموضوعية وحينها يختلف الأمر.. وتتحرر عقولنا من الانتقائية المضللة في ثوب المنهج العلمي مثل كتابات هنتنجتون هذا وكل ما يرددونه عنا بالحق وبالباطل.. حيث يشيعون عنا ما يتفق ومصالحهم - لاحظ تطابق كتابات الرجل مع السياسة الأمريكية - وكان أوضح مثال علي ذلك حديثه العبثي عن (احتمال التقارب الكونفوشيو - إسلامي) والحديث عن (الحدود الدموية للإسلام)! - وللأسف يتلقف بعض المدعين أقوالهم ويرددونها بشكل ببغائي وإن كان يضلل بعض العامة ويتساوي تأثير هؤلاء المدعين مع الآخذين بمبدأ (أنا وابن عمي).. ويظل عموم الناس تائهين في ظلام وعزلة .. عزلة فرضناها علي انفسنا كما أريد لنا.. نطالب بتطوير الخطاب الديني تارة.. وتارة بإشاعة روح العلم والبحث العلمي.. ولا شيء يحدث سوي ما يفعلون وما يريدون.. وقد كان لنا يوماً عدد من المفكرين الكبار كما أشرنا أصحاب المدارس الفكرية.. وأصحاب الفضل علي الغرب حين كان غافياً.. ثم دار الزمان دورته وصرنا إلي ما نحن عليه! - وإذا كان الدكتور (صلاح قنصوة).. ومن خلال ترجمته لكتاب هنتنجتون إلي العربية، أكد نوعا من الرد علي ما جاء بالكتاب حين قال (إنه خريطة جديدة لإدارة الازمات التي تنتج عن عوامل الصراع) وأنه أراد الكتاب أن يكون مفسراً لتطور السياسة الكونية بعد الحرب الباردة ودليلاً يكون ذا قيمة بالنسبة للدارسين ولصانعي السياسة!.. وكذا عدد من الرموز البحثية الاخري اشارت جميعاً إلي الأمر في عمومية دون تفصيل.. شأن من يؤيدون الفكر المعادي للإسلام والمسلمين من لجوء إلي تعميمات فضفاضة. - من الغريب أن من يتناول المسألة وقبل صدور كتابات هنتنجتون.. مفكر أمريكي آخر شديد الأهمية اسس مركزاً لمواجهة موجة العداء للإسلام والمسلمين والعرب بجامعة جورج تاون التي كان يعمل بها استاذاً للأديان والعلاقات الدولية وهو (جون اسبوسيتو) الذي سعي من خلال دراساته العديدة إلي ابراء ساحة الإسلام من الطبيعة العدوانية وأفاض في تفصيل ذلك طوال عقدين. لقد حدد (جون اسبوسيتو) - كما يقول د. جمال - حدد موقفه بوضوح من البداية حيث سدد سهامه للذين يقولون بالتهديد الإسلامي الوشيك للغرب وحتميته مشيراً إلي ان هناك ترويجاً متعمداً منذ ظهور آية الله (الخميني) علي مسرح الأحداث - ولا أدري ماقوله ايضا لو عاش وواكب ظهور (داعش) وكل أشكال التطرف التي جعلوا منها صورة للإسلام والمسلمين!! - ومع جرائم هؤلاء المتشددين تتعالي صيحاتهم: (المسلمون قادمون).. (الخطر الأخضر).. وغيرها من الشعارات التي هاجمت الإسلام بضراوة وتضليل. - وإذا كان اسبوسيتو يفند كل الدعاوي المغرضة بطريقة علمية موضوعية هادئة لا يلجأ فيها للانتقاء كما يفعلون فإنه طرح في رأيي السؤال الأهم وهو حول الأسباب التي دفعت - ولا تزال - بالحكومات الغربية ووسائل إعلامها وعلمائه لتناول موضوع العلاقة بين الإسلام والغرب بهذا المنظور الذي وصفه بأنه منظور سياسي وأيديولوجي حيث أكد أن هذه الهجمة تستهدف. 1 - خدمة أهداف سياسية. 2 - أو خدمة أهداف عسكرية واستراتيجية. 3 - أو لإرضاء الصهيونية ودعم الأهداف الإسرائيلية. اسبوسيتو والدور الصهيوني - ولم ينس الرجل في كتاباته الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام اليهودي في تشويه صورة كل ما هو عربي أو مسلم كما لفت الانظار إلي أن اسرائيل حرصت علي إقناع الغرب بقدرتها علي مواجهة ودفع الخطر الإسلامي - حتي بعد لطمة حرب 6 أكتوبر 73 وسقوط الاتحاد السوفيتي وكان تكأة أخري! - ولم تقتصر أبحاث اسبوسيتو علي تفنيد هذه الأفكار واستناده في مواجهتها علي أرض الواقع السياسي الدولي بل انصرف أيضاً إلي مواجهة زعماء هذه الموجة من الكراهية وبالذات (برنارد فوكس) الذي يحتل مكاناً بارزاً علي الساحة الدولية وبوجه خاص مقاله (جذور الغضب الإسلامي) المليء بالتحريض علي كراهية العرب والمسلمين. اسبوسيتو ومقولة الحاجة إلي عدو! - يرفض اسبوسيتو ترشيح الإسلام باعتباره عدواً تاريخياً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية أو يقول أن السبب في هذا الاحساس الاسطوري راجع إلي الشعور المتضخم بالخوف وهي نفس الرؤية التي فرضت الغشاوة علي العيون بالنسبة للعرب والمسلمين وانطلاقاً من فهم الحرب الباردة كأسطورة صنعها الغرب بنفسه فهو يحذر من تكرار الخطأ وصناعة (إمبراطورية شر جديدة) ربما لا يكون لها وجود إلا في أذهان الذين ينادون بصراع الحضارات كما كان حال الوهم في فترة الاتحاد السوفيتي ولو أدركه العمر ورأي مولد داعش علي يد الدعم الأمريكي والغربي.. لدعم رأيه أكثر بهذه الحقيقة التي صارت مؤكدة لتشويه الإسلام وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية كما ذكر الدكتور صلاح قنصوة في عرضه العام. - إنني لا أشير إلي كتيب دكتور (جمال شقرة) لكي أشيد بجهده بشكل مبكر (2002م).. بقدر ما أرجوه من استنفار لباحثينا ليجتهدوا في تقديم قراءة علمية دقيقة لما يواجهنا فيحيطنا ويفسد علينا صورتنا قبل أن يفسدها لدي الآخرين، واطمع في أن يجد كبار الباحثين إرادة حقيقية لاستخلاص رؤية موضوعية. ليست انتقائية كما يفعلون في الغرب ليقطع الطريق علي انفرادهم بتناول الأمر علي هواهم! حديث رجل أعمال وطني - الصدق قيمة من القيم العليا في حياة وسلوك الأفراد والدول.. وعلامة صحة وضمان أكيد لاستواء كل الأمور.. والإحساس بالصدق فيما يقول الإنسان ويسلك يبعث في النفس الأمل والقدرة علي التحمل والعمل. - لقد توافر لي مشاهدة حوار هام في برنامج 90 دقيقة للدكتور محمد الباز. في حواره مع رجل الأعمال (مجدي طلبة) ودهشت في البداية من كلام الرجل وقلت لنفسي ربما له مشاكل مع بعض المسئولين أو ما شابه. - ثم احسست بالصدق فيما يقول.. بل احسست معه بأن الصدق والمصارحة جزء هام من الإخلاص للجماعة وللوطن! - تحدث في دقة وبالوقائع والأرقام منبهاً أننا نواجه مشكلة في الصناعة إذا تجاهلنا مشاكل (الإنتاج) وأهميته للتصدير بالذات.. وأن زيادة الانتاج الصناعي بوجه خاص أمر لنا أن نحقق فيه تقدماً كبيراً وسريعاً وتراخينا في ذلك له عواقب وخيمة عكس ما يصرح به بعض الإعلاميين وغيرهم.. وأخذ الرجل يضرب أمثلة عدة.. مثل عدد المصانع المغلقة.. وتعثرات الصناعات. الصغيرة والمتوسطة رغم محاولات الدولة وحديث متصل عنها - وإهدار عمالة ذات خبرة نادرة وثمينة لا تعوض. بعد تسريحها - وركز في حديثه علي صناعة يرتبط بها وهي النسج.. وكان لنا فيها سبق عظيم فيما مضي بين الدول! وتذكرت المثل القائل (صديقك من صدقك) والصديق هنا وطن بأكمله وأجيال متتابعة. - لقد سبق واستمعت إلي لقاءات مع بعض رجال الأعمال ورؤساء أو أعضاء الغرف آثروا عدم الإفصاح عن ملاحظات نحتاجها.. حتي يتحاشوا إزعاج بعض المسئولين فافتقدنا معهم الشفافية والصدق وأي مؤشر للإهتمام بهذا الوطن ومصالحه وأهله.. أما هذا الرجل - مجدي طلبة - فهو بحكم تواجده في غرفة الصناعة. - يتحدث عن مشاكل الصناعة بضمير وطني.. لا يبتغي إلا وجه الله ثم الوطن. - إن كثيراً من القضايا مرهون مستقبلها بالصدق والشفافية. هامش 1: - البعض يساعدون الغرب في هجمته علينا بما يفعلون.. رحم الله الصحفي العربي (خاشقجي). هامش 2: مؤشر جيد ومبشر أن يصدر الدكتور شوقي وزير التربية والتعليم حركة تنقلات تستهدف معظم الحرس القديم انصار النهج العقيم.. بقي أن نوازن بين المنهج الجديد وحالة التعليم علي الأرض في المدارس الحكومية.. في القري بالذات!