كأنها لص يستخفي ليفر مسرعًا بغنيمته قبل أن يتعثر في شيء يفضح جريمته، مرت في صمت وسكون مريب ذكري رحيل أديب مصر العالمي نجيب محفوظ عن عالمنا، وعبرت مستخفية وادينا الذي انتشر فيه داء النسيان، لا احتفال هناك يليق بقامته، ولا لقاء مع مفكرين ونقاد عبر الفضائيات الثرثارة، والشاشات »المهزارة»، يلقون الضوء علي عالمه العجيب، وصرح إبداعه الفريد، فالرجل يستحق منا الكثير جدًا تقديرًا لوطننا ولأمتنا، قبل أن يكون تكريمًا لعطائه، ووفاء لجهده الذي رفع اسم مصر عاليًا في المحافل الدولية، وردد صداها في جنبات الدنيا باعتبارها البلاد التي تنجب الأفذاذ، وعباقرة الأدب، ونجوم الفنون، والنابهين في مختلف الميادين، للأسف مرت ذكري محفوظ، وكأنها »عار» نريد أن نداريه، ومن قبلها بأسابيع مضت ذكري وفاة عبقري القصة المصرية يوسف إدريس، علي نفس الصورة المريبة، وبذات الطريقة المهينة، وكأن أفذاذ أمتنا، لا يستحقون منا التفاتة لائقة، حتي في ذكري رحيلهم أو ميلادهم، والمؤسف أن ذلك يتزامن مع المحاولات الحثيثة الدءوب لطمس ملامح وطننا، ومحو سمات هويته، وقسمات وجهه، حتي يبدو مسخًا ممسوحًا، لا تتشرف الأجيال بالانتماء إليه، فإذا كان الخصوم المغرضون، لا يتركون ثغرة إلا ودخلوا منها، للإضرار بنا، وذلك معلوم ومعروف، فما تفسير أن يشارك بعض المحسوبين علينا في تحقيق نفس الغاية، وإصابة ذات الغرض الدنيء، بالتعتيم علي وجوه الوطن المشرقة، وفرض النسيان كمبدأ عام، يطوي ذكري جل المخلصين المعطاءين، ويصطنع حالة من التبلد والجمود، تسمم الأفق بدخان الشك والريبة في حصاد الجهود المخلصة، ومردود التفاني الصادق، والكفاح المضني في خدمة الأوطان، إن هذه الحالة النكراء من مقابلة ذكري المخلصين بمثل ذلك التبلد واللامبالاة وعدم الاهتمام، لا شك مخيب للآمال، ومحبط للمسير، ويصب في مصلحة طمس الملامح، ومحو القسمات، ذلك المخطط الواضح الذي تبناه »أهل الشر» المجرمون علي مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر الفضائيات المريبة، والنوافذ الهدامة الكئيبة، فأين المؤسسات الثقافية القومية، وأين المخلصون في إعلامنا الوطني؟، وذكري محفوظ وإدريس مجرد مثال علي حالة التبلد التي تتواطأ للأسف مع الهدامين المتربصين!.