يدور الحديث من وقت لآخر عن تأثير التقنية علي الأدب، وتنقسم الآراء بين وجهة نظر متشائمة تتوقع موت الأدب في ظل تخمة التقنية والميديا، ووجهة نظر متفائلة يقدم أصحابها سيناريوهات محتملة لطرق استفادة الإبداع المكتوب من التقدم التكنولوجي الحالي. غير أن هؤلاء وأولئك لم يكن ليخطر ببالهم ما نجح اللاجئ الكردي (الإيراني) بهروز بوجاني في إنجازه بالاعتماد علي ما تتيحه التكنولوجيا من آفاق وإمكانات حتي في أسوأ الظروف وأفظعها. القصة كما نشرها موقع »BB» » أن بوجاني هرب من إيران تجنباً لخطر الاعتقال، وفي طريقه إلي أستراليا علي متن قارب مهاجرين، قادت البحرية الأسترالية القارب بمن علي متنه إلي جزيرة مانوس التابعة لبابوا غينيا الجديدة، حيث يوجد ما تطلق عليه السلطات الأسترالية »مركز دراسة طلبات اللجوء»، والحقيقة أنه مركز احتجاز يشبهه البعض بمعتقل جوانتانامو، وتكثر فيه حالات الانتحار والتعذيب. من داخل هذا السجن الرهيب استغل بوجاني حساباته علي مواقع التواصل الاجتماعي لفضح ما يجري من تجاوزات بحق اللاجئين المحتجزين هناك، وتعرض لمضايقات وعقوبات جراء هذا، لكن أهم ما قام به، أنه كتب بالفارسية -علي مدار خمس سنوات- رواية بعنوان »لا صديق سوي الجبال» عبر تطبيق »واتس آب»، حيث كان يرسل رسائل نصية لصديق له بالخارج ليجمعها هذا الصديق في ملف خاص. وقد لجأ بهروز بوجاني لهذه الطريقة خوفاً من أن تمزق السلطات أوراقه. تقرير BB» دفعني للبحث عن معلومات أكثر عن هذه الرواية المكتوبة في ظروف صعبة وبطريقة غير مألوفة، فعرفت من صفحتها علي موقع »جوودريدز أن ترجمتها إلي الإنجليزية صدرت يوم 31 يوليو الماضي عن دار »بيكادور أستراليا»، وحتي كتابة هذه السطور نالت الرواية 14 تقييماً علي الموقع كلها بخمس نجوم ما عدا تقييما واحداً بأربعة نجوم. وقد وصفها قراء »جوودريدز» بأنها »عمل رائع وفريد من أدب السجون»، و »عمل بارز في الأدبين الفارسي والأسترالي»، و »هذا الكتاب في حد ذاته فعل مقاومة، هذا الكتاب منحة للإنسانية». ووصفت مجلة جي كيو الرواية بأنها »ليست لذوي القلوب الضعيفة، إنها إطلالة قوية ومروعة علي وضع يُري غالباً عبر عدسة سياسية لا عدسة شخصية». أما رأي »كوينزلاند ريفيورز كوليكتيف» في كتاب بوجاني فهو أنه »كتاب قوي وشعري ومؤثر، فالكاتب يصف تجربته في العيش في سجن لاجئين ببصيرة نافذة وذكاء». لم أقرأ »لا صديق سوي الجبال» لأحكم بنفسي هل هذا المديح مستحق أم أنه وليد التعاطف مع الضحايا والمظلومين، لكن المؤكد أن تجربة كتابة الرواية في حد ذاتها فريدة وتستحق التأمل والاهتمام.