«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشنقة العزل.. أقرب لترامب من حبل الوريد
نشر في أخبار السيارات يوم 28 - 08 - 2018

مقابلة ترامب مع وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف والسفير الروسى السابق لدى واشنطن
بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حواره مع قناة فوكس نيوز، يوم الخميس الماضي، كمن يتحسس رقبته خوفاً من شيء ما.. كان رئيس الدولة الأقوي في العالم مرتبكاً متوتراً أحياناً، وفي أحيان أخري كان يرتدي قناعا من التعالي والنرجسية كي يداري من خلاله ما تجيش به نفسه من انفعالات، فحينما يقول الرجل مهدداً: " في حال بدء إجراءات عزلي ستنهار أسواق المال، وسيصبح كل فرد في الولايات المتحدة فقيراً"، ثم يردف متعجباً:" كيف تعزلون رجلاً أدي عملاً عظيماً؟!"، فأغلب الظن أنه يرد علي همسات وتلميحات وربما تصريحات يلقيها أحدهم في وجهه بالغرف المغلقة، ومفادها أن أيامه في البيت الأبيض قد تكون معدودة، وأن حبل العزل قد بات أقرب إليه من حبل الوريد.
ضربتان قاصمتان أصابتا الرئيس ترامب في مقتل، منتصف الأسبوع الماضي حيث كشف عنهما روبرت مولر، المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في نوفمبر من عام 2016:
الضربة الأولي: إقرار مايكل كوهين، المحامي الخاص بترامب، بِذنبِه في ارتكاب انتهاكات تتعلّق بتمويل الحملة الانتخابيٍة الرئاسية، ودفع مبلغ 280 ألف دولار لإسكات امرأتين أقامَتا علاقةً جنسيةً مع مُوكله ترامب.. الأولي هي ستورمي دانيالز، الممثِّلة الإباحية، والثانية كارين ماكدوجان، عارِضة مجلة "بلاي بوي" المعروفة بصورِها العارِية، واعترف كوهين بأنه دفع الأموال بأمر من ترامب، من التبرعات التي جمعها أعضاء حملته الانتخابية، وليس من المال الخاص بترامب.
أما الضربة الثانية: فتمثلت في إدانة المحكمة لبول مانفورت، رئيس الحملة الانتخابية السّابِق، بالاحتيال الضريبي والمَصرفي، والتورط في 12 قضية علي الأقَل.
ومن المتوقع أن يفوز الحزب الديموقراطي بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، مما سيمنح الحزب الديموقراطي الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وبالتالي القدرة علي بدء إجراءات العزل، بعد تشكيل لجنة استماع يتم دعوة الرئيس الأمريكي إليها لمساءلته ومحاسبته علي كل ما يُوجه له من اتهامات.
هجوم علي سيشنز
عقب اعترافات كوهين، مارس ترامب هوايته في تقريع وزرائه، وخصوصاً وزير العدل جيف سيشنز، حيث يتهمه ترامب بأنه "رجل لا يعرف ما الذي يجري في وزارته"، ويضغط عليه طوال الوقت لإقالة رود روزنشتاين، نائب سيشنز بوزارة العدل، والذي عين روبرت مولر علي رأس اللجنة الخاصة التي تحقق في التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، ويدافع سيشنز عن نفسه في مواجهة النقد الحاد من الرئيس لأنه أعلن تنحيه عن سير التحقيقات التي يجريها مولر لاستشعاره الحرج. وفي رد نادر علي ترامب قال سيشنز: "توليت زمام الأمر في وزارة العدل في اليوم الذي أديت فيه اليمين لتولي المنصب.. لن تتأثر أفعال الوزارة بالاعتبارات السياسية ما دمت موجودا في منصب وزير العدل".
ورد ترامب في تغريدة يوم السبت الماضي، قال فيها إن سيشنز لا يفهم ما يحدث". وتابع ترامب قائلا :إن المحقق الخاص روبرت مولر الذي يقود التحقيق شخص "مضطرب بشدة"، مضيفا أن "الفساد الحقيقي يمر دون محاسبة". وكان سيشنز، وهو عضو سابق في مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، من أوائل الجمهوريين بالكونجرس الذين دعموا ترامب في الانتخابات الرئاسية كما نفذ سياساته المتشددة حيال الهجرة بعد توليه منصب وزير العدل.
فلاش باك
قبل الذهاب إلي لحظة العزل التي يتوقعها كثيرون داخل وخارج الولايات المتحدة، يمكن فهم أبعاد ذلك الموقف المعقد من خلال سلسلة من الأحداث، جرت علي مدار العامين الماضيين، نسردها علي النحو التالي:
- في مارس 2017، قال ترامب إن الرئيس السابق باراك أوباما كان يتنصت علي مكالماته في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض.
- جيمس كومي، المدير السابق للمباحث الفيدرالية الأمريكية FBI، تحدي الرئيس ترامب بشكل علني رافضا ادعاءه بأن أوباما كان يتنصت عليه.
- قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بأسبوع، أي في أواخر أكتوبر 2016، فتح كومي تحقيقاً عن استخدام هيلاري كلينتون بريدها الإلكتروني الشخصي في مراسلات رسمية تخص وزارة الخارجية حينما كانت هيلاري وزيرة في الفترة من 2009 إلي 2013، وهو ما أثر علي شعبية هيلاري.
- مطلع مايو 2017، قال كومي لنواب في الكونجرس إنه شعر ب"الغثيان" من فكرة أنه تسبب في التأثير علي نتائج الانتخابات.
- بقيادة كومي، توصلت FBI إلي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطي الضوء الأخضر لحملة واسعة تهدف إلي قلب نتيجة الانتخابات العام الماضي لتصب في صالح ترامب علي حساب منافسته هيلاري كلينتون.
- صباح العاشر من مايو 2017، أرسل ترامب رسالة لكومي من بين ما جاء فيها "تم إنهاء خدماتك وإقالتك، وسيطبق القرار فورا".
- من المتعارف عليه داخل الولايات المتحدة إن رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي يبقي في منصبه لمدة 10 سنوات علي أقل تقدير، وكان من المفترض رحيل كومي في سبتمبر 2023. ومن الجدير بالذكر هنا أن رئيسا سابقا لFBI اسمه إدجار هوفر استمر في منصبه طيلة 37 عاماً، وتحديدا في الفترة من 1935 إلي 1972، ولم يرحل إلا بوفاته إثر سكتة قلبية.
- إقالة كومي بهذا الشكل، مع سلسلة إقالات واستقالات كان أبرز من طالتهم وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، وكبير المخططين الاستراتيجيين بالبيت الأبيض ستيف بانون ومستشارا الأمن القومي الأسبق والسابق وهما علي الترتيب: مايكل فلين، وإتش آر ماكماستر، مشابهة لسلسلة إقالات قام بها الرئيس الجمهوري الأسبق ريتشارد نيكسون الذي تم إجباره علي الاستقالة عام 1974 بعد فضيحة تنصته علي الحزب الديموقراطي فيما عُرف بفضيحة ووترجيت. وكانت الإقالات التي قام بها نيكسون بمثابة المحاولات الفاشلة للتغطية علي فضيحة التنصت. وقدم نيكسون استقالته بعد تشكيل لجنة استماع له في الكونجرس، فآثر مغادرة منصبه طوعاً، لأن الخضوع للجنة في حد ذاته يعني سقوط هيبته، ولأن من المؤكد أن اللجنة كانت تملك أدلة تفند كل ما هو متوقع أن يقوله.
- في مايو 2017 أيضاً، قررت وزارة العدل تعيين روبرت مولر، علي رأس لجنة خاصة تحقق في مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
نفس اللعبة
من الواضح أن هناك من يتولي منصبا ما في جهاز أمني رفيع المستوي، ويلعب مع ترامب لعبة تسريب معلومات حساسة للصحف ووسائل الإعلام.. نفس اللعبة التي أطاحت بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وأجبرته علي الاستقالة علي أصداء فضيحة تجسسه علي الحزب الديموقراطي التي عٌرفت بووتر جيت.
في يوليو 2017، نشرت صحيفة الواشنطن بوست معلومات عن اجتماع في يونيو 2016 بين دونالد ترامب جي آر، الابن الأكبر للرئيس ترامب، ومحامية روسية تُدعي ناتاليا فيسلنيتسكايا مقربة من الكرملين، كانت أخبرته أنها تملك معلومات تدين هيلاري كلينتون. وعلي طريقة يكاد المريب يقول خذوني، نشر ترامب الابن المراسلات بينه وبين المحامية الروسية مدعياً أنه لا شيء مشين في لقاء مع شخص من معسكر يعادي منافسة والده في الانتخابات، لا سيما أن مقابلته معها لم تتطرق لمعلومات تمس الأمن القومي الأمريكي. وأكد الابن أن والده لا يعلم شيئاً عن هذا اللقاء، علماً بأنه جري في "ترامب تاور" بواشنطن.
وبعدما بدت حجته مقبولة في أعين البعض، تسرب لوسائل الإعلام اسم شخص أمريكي يُدعي رينات أخمشتين حضر الاجتماع ولم يرد اسمه في المراسلات التي نشرها نجل الرئيس. ثم يتضح لاحقاً أن أخمشتين من مواليد موسكو وكان ضابطاً في المخابرات الحربية الروسية في حقبة الثمانينيات وعمل تحديداً في دول البلطيق!
المفارقة تكمن في أن أخمشتين أقر بحضور شخصين مهمين لاجتماع يونيو 2016، بينما لم يتحدث عنهما ترامب الابن، وهما: جاريد كوشنر زوج إيفانكا ترامب وبول مانافورت مدير حملته الانتخابية. وإذا كان ترامب الابن لم يخبر والده باللقاء، فهل كوشنر ومانافورت فعلا الشيء ذاته؟ منطقياً من المؤكد أن الإجابة لا.
صهر الرئيس
الطامة الكبري كانت في تقارير مخابراتية نشرتها صحيفة الواشنطن بوست، في يونيو 2017، لتسجيلات بين جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض وزوج إيفانكا ترامب، والسفير الروسي في واشنطن سيرجي كسيلياك، وسيرجي جوركوف رئيس البنك الروسي العام "فنيشيكونومبنك" ، حيث عرض صهر ترامب علي كيسلياك إقامة قنوات اتصال سرية بين البيت الأبيض والكرملين من خلال لقاءات في مبان دبلوماسية روسية في الولايات المتحدة كيلا تتمكن المخابرات الأمريكية من تسجيلها وهو أمر لم ينفه البيت الأبيض ، وتقول الواشنطن بوست إن المخابرات الأمريكية علمت بالأمر من خلال التجسس علي مكالمات السفير الروسي بينما كان يعرض الأمر علي القيادة في موسكو، وأن السفير الروسي نفسه أصيب بالذهول من عرض كوشنر.
علي نحو كارثي
بالعودة إلي يوم العاشر من مايو 2017 مرة أخري، نكتشف أن ترامب استقبل في البيت الأبيض، وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ومعه سيرجي كيسيلياك، السفير الروسي السابق في واشنطن.و لا أحد يعلم ما الذي أصاب الرئيس الأمريكي حينذاك، ودفعه للتحدث علي نحو كارثي منتهكاً كل قواعد السرية والبروتوكول، إذ إن ترامب، ووفقاً لمحضر الجلسة الذي حصلت صحيفة نيويورك تايمز علي نسخة منه، أخبرهم منتشياً، وقبل الإعلان الرسمي عن إقالة جيمس كومي بساعة علي الأقل: "لقد أقلت للتو جيمس كومي.. إنه شخص مجنون ولا يعرف كيف يقوم بواجبه"، ثم ذهب ترامب ليبرر لضيفيه قراره بشكل غريب قائلاً: "لقد واجهت ضغوطاً كبيرة بسبب روسيا.. والآن لقد انتهي كل هذا". ولكن هذا الحديث، المنتهك للسيادة الأمريكية بشكل فاضح، لم يكن سوي مقدمة لحديث آخر أكثر خطورة.
بشكل مفاجئ قال ترامب لضيفيه: "لقد تلقيت معلومات جيدة"، ثم أضاف بنبرة فخر:" لدي موظفون يمدونني يومياً بمعلومات عظيمة". ثم انخرط ترامب في سرد تفاصيل عملية مخابراتية للموساد الإسرائيلي مصنفة في أعلي درجات السرية، حيث شرح ترامب لضيفيه كيف تمكن الموساد من زرع عميل مهم في الجيش السوري، وعميل آخر لا يقل أهمية في قلب تنظيم داعش في سوريا، وكان العميل الثاني قد تمكن من وضع جهاز تنصت بالغ الحساسية في غرفة اجتماعات قادة داعش، وكان ينقل كل حرف لنقطة استماع في الجولان السوري المحتل.. باختصار لقد منح ترامب الروس معلومات لم يطلع عليها الكونجرس أو حتي دول صديقة في حلف شمال الأطلنطي، ومن المعروف أن الموساد الإسرائيلي ينقل تلك المعلومات ل»‬IA في إطار تعاون بينهما. وأشارت تقارير في الصحف الأمريكية إلي أن أمر العميلين قد اكتشف وبالتالي تم إعدامهما وفقدت إسرائيل مصادر استراتيجية للمعلومات. وبالنسبة للرجلين الروسيين، فقد كانا صمتهما التام مبرراً، فلا داعي لمقاطعة رجل ينقل إليهما كنزا هائلا من المعلومات ، ولا شك أن عقليهما كانا يعملان علي تخزين أدق التفاصيل، ولا شك أيضاً أنهما نقلا كل ما سمعاه إلي موسكو عبر الهاتف فور خروجهما من البيت الأبيض. ويبقي السؤال: لماذا منح ترامب هذا الكنز من المعلومات للروس؟ وهنا اختلفت الإجابة عند المختصين والمحللين بأوساط المخابرات، والإجابة الأولي تفسيرها نفسي بشكل بحت، حيث إن ترامب رجل ثري والأثرياء في أغلب الأحيان يعتقدون أن الناس من حولهم يجب أن يقتنعوا بثرائهم ويرونه رأي العين، لذا فهم حريصون دوماً علي إبراز مظاهر ثرائهم. ثم إن الرئيس الأمريكي ليس سوي مجرد رجل غني، وجد نفسه وجهاً لوجه مع رجلين مخضرمين في عالم السياسة والدبلوماسية، وكان يريد إبهارهما بأي شكل، فكشف لهما عما لديه من معلومات، لعلهما يقتنعان أنهما أمام رقم هام في معادلة صعبة ولاعب هام علي المسرح الدولي.
غير أن هناك طريقة تربط الأمور بعضها البعض بشكل كارثي، حيث يصر البعض في الدوائر الرسمية الأمريكية، علي أن الرئيس أقدم علي الخيانة عمداً، وأن ما فعله جزء من تعاون أكثر عمقاً مع الروس، وسيتم وضعه ضمن لائحة أخري من الاتهامات ستجعل روبرت مولر يقف في نهاية المطاف علي باب البيت الأبيض ليسأل عن ترامب باعتباره متهماً. وما يعزز من تلك الفرضية هو أن مقابلة ترامب وضيفيه الروسيين شهدت إبعاد الصحفيين الأمريكيين، فيما تم السماح لشخص واحد فقط بتوثيق اللقاء، وهو مصور وكالة تاس الروسية، الذي التقط صوراً ستلجأ لها الأجيال القادمة باعتبارها وثيقة لقاء الرجلين، أو ربما دليل إدانة أمام هيئة محلفين.
في نهاية المطاف سيكون الحكم علي ترامب من خلال نتائج أفعاله وليس من خلال دوافعه النفسية، وإذا كان الرئيس الأمريكي قد بدأ عهده بشن حرب كلامية علي أجهزة المخابرات عموماً، مما أوحي بضعف الثقة بينهما، فلا شك أن الثقة الآن منعدمة تماما، بحسب ما علق به ضابط سابق بالمخابرات الأمريكية لمجلة فانيتي فير، حيث تابع دون أن يفصح عن اسمه" كيف ستنقل له المخابرات أي معلومات مستقبلية دون أن تتساءل عن المصير الذي ستنتهي إليه تلك المعلومات". وأضاف نفس المصدر" صدقني.. الروس لديهم كثير من فضائح ترامب، وهم يذلونه بذلك.. تلك المعلومات التي تسربها الأجهزة الأمنية لصحيفتي نيويورك تايمز والواشنطن بوست ليست من قبيل المصادفة.. لا أحد يريد أن يقف في وسط مباراة للتبول بين حفنة من الأشباح.. إنها حرب حقيقية".
شروط العزل
مؤخراً أصدر آلان ليختمان مؤلف كتاب "13 مفتاحا للبيت الأبيض" ، كتابا جديدا بعنوان "شروط العزل"" ، ويشير فيه إلي عدد من الأسباب، التي يمكن أن تستدعي عزل ترامب. والأسباب الرئيسة هي: تضارب المصالح بين الأعمال التجارية والسياسية، وعلاقته المحتملة بروسيا قبل الانتخابات، وإدلائه بشهادة زور. ويبقي السبب الأقوي لعزل ترامب، بحسب ليختمان، هو العلاقة المحتملة مع موسكو. وأصبح ليختمان موضع اهتمام المجتمع الأمريكي بعد تنبؤه بفوز ترامب بنتيجة الانتخابات الرئاسية. ويقول: "كان دونالد ترامب من بين الذين أثارت نتائج أبحاثي اهتمامهم، وقد كتب لي: أهنئك يا أستاذ.. اختيار جيد!".
وتجدر الإشارة إلي أن العزل عملية معقدة، وهي تعني أن رئيس الدولة ونائبه والمسؤولين المدنيين قد يعزلون من مناصبهم بسبب الخيانة العظمي، والفساد أو بسبب جرائم جدية وانتهاكات قانونية. وقد جرت في تاريخ الولايات المتحدة محاولتان لعزل رئيس البلاد، كانت الأولي ضد الرئيس أندرو جونسون عام 1868، والثانية ضد بيل كلينتون عام 1998، لكنهما باءتا بالفشل وبقي الرئيسان في منصبيهما. وفي عام 1974 كان ريتشارد نيكسون قاب قوسين من عملية العزل، غير أنه قدم استقالته قبل إطلاقها، وبذلك أصبح أول رئيس أمريكي يستقيل من منصبه.
غير أن ليختمان يؤكد في كتابه الجديد أنه "يمكن اتهام ترامب بالخيانة العظمي، إذا ما ثبتت المزاعم بشأن طلبه شخصيا أو أحد أعضاء فريقه الانتخابي من روسيا التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة". وكذلك وجود تضارب للمصالح أو استغلال للنفوذ من أجل التربح وهذه مشكلة أخري لترامب. فبحسب المؤلف، مثل هذه الأمور قد تؤدي ليس فقط إلي فقدان ثقة المواطنين، بل وإلي اتهامه بشهادة الزور.
وهنا نقطة هامة جديرة بالملاحظة، وتكمن في أن تحقيقات روبرت مولر، وكذلك الفضائح التي يتم تسريبها لوسائل الإعلام، لم تطل من قريب أو بعيد، مايك بنس نائب الرئيس، وهو ما قد يؤشر علي اتفاق في الغرف المغلقة علي الحفاظ علي الرجل نظيفاً أمام الرأي العام، لكي يكون توليه منصب الرئيس مقبولاً حال عزل ترامب، علي غرار ما حدث مع ريتشارد نيكسون، حيث خلفه نائبه جيرالد فورد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.