رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    محافظ الجيزة: حصر الشوارع الجانبية من محور المنصورية الهرم لتطويرها ورصفها    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    خبير: برنامج تنمية الصعيد في مصر سيكون مثالا يحتذى به في كل دول القارة الإفريقية    جيش الاحتلال: إصابة جندى بجروح خطيرة خلال عملية تحرير الرهائن من النصيرات    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    وزارة التعاون الدولي تُعلن تفاصيل الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد في مصر    تفاصيل استئناف منتخب مصر تدريباته استعدادًا لمواجهة غينيا بيساو في تصفيات كأس العالم    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    «التعدي على قيم الأسرة».. قرار قضائي جديد بحق أسرة اليوتيوبر حمدي ووفاء    نقابة المهندسين تعلن سفر الفوج الثانى من الأعضاء لأداء فريضة الحج    السكة الحديد تعدل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    تعذر حضور المتهمة.. تأجيل أولي جلسات محاكمة المتهمين بقتل الطفلة ريتاج في مدينة نصر    كثافات مرورية إثر إنقلاب سيارة نقل بالاوتوستراد    "كفاية بقى" شيرين رضا تعلن اعتزالها عبر حسابها على إنستجرام    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    رئيس الهيئة المصرية العامة سابقا: 30 يونيو أرست العدالة الثقافية فى مصر    وزارة الصحة تعلن تطبيق منظومة ميكنة الغسيل الكلوي بمستشفيات محافظة مطروح    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    روسيا: الغرب يواصل تزويد أوكرانيا بأسلحة تستهدف المدن الروسية وتُستخدم ضد الفلسطينيين    10 توصيات.. ماذا يوصي صندوق النقد الدولي مصر لتجنب التحديات الاقتصادية؟    «ألسن عين شمس» تستقبل وفدا من جامعة ليون الفرنسية    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    نيللي كريم بصحبة أحمد عز وترقص في حفل زفاف ابنة محمد السعدي (صور)    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    بحضور ممثل عن الرئيس.. افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بجامعة القاهرة الدولية    7 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى في جنوب سيناء.. والأوقاف تعلن حالة الطوارئ القصوى    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    ضبط طن لحوم ودواجن مجمدة مجهولة المصدر في حملات رقابية بالشرقية    قبل عيد الأضحي.. موعد صرف مرتبات يونيو 2024 بعد تبكيرها (بسبب السنة المالية)    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    صحة مطروح: قافلة طبية علاجية مجانية بمنطقة جلالة بالضبعة اليوم وغدا    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    أزمة نفسية.. تفاصيل العثور على جثة سيدة مشنوقًا داخل مسكنها في الهرم    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    السير على خطى فابريجاس؟ رومانو: ليفركوزن يقترب من ضم مدافع برشلونة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    ب300 مجزر.. «الزراعة» ترفع درجة الاستعداد القصوى استعدادًا لعيد الأضحى    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    أحمد أبو مسلم: كيف شارك الشناوي مع منتخب مصر؟    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    إزاى محمد منير غنى "ياللى بتسأل عن الحياة" مجانا بفيلم أحلى الأوقات.. اعرف القصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفي إلي الوطن: تنوع الأصوات الرؤي التفسيرية للحدث التاريخي

"النفي إلي الوطن" رواية حديثة للروائي المصري المبدع محمد جبريل، صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2018؛ وتطرح الرواية إشكالية التداخل بين جماليات النص السردي، والتأريخ، والنزعة الوثائقية في السرد القصصي؛ ويستعيد النص مسيرة السيد عمر مكرم الوطنية، والإنسانية بين الحملة الفرنسية، وعصر محمد علي، وخياراته المبنية علي المقاومة، والميل للاستقلال الحضاري، والشوري، واختياره أحيانا للمنفي، وهجرته إلي الشام، أو نفيه إلي دمياط بعيدا عن القاهرة في عهد محمد علي.
وتقوم الرواية – في نزوعها الوثائقي / الجمالي – علي تعددية الأصوات، أو التبئير الداخلي المتعدد وفق تعبير جيرار جينيت؛ فالأصوات يكمل بعضها الآخر، وتتشابك، وتتداخل فيها الرؤي التي تعزز من تعددية الخطاب، ومن تعددية فعل التأويل التاريخي للحدث؛ إذ تتشابك أصوات رواد المقاومة، وأصوات بعض المتصوفين، وبسطاء المقاومة الشعبية، ثم نجد صوتا لكليبر، أو لمينو مثلا؛ ومن ثم يؤكد النص تشابك الرؤي، وتعددية الخطاب التي أكدها كل من تودوروف، وباختين في الرواية، أو تنازع التفاسير كما هو في فكر بول ريكور.
ويشير النص إلي نمو الوعي الجمعي بالآخر / الحضاري، ومدي التواصل، والانقطاع، أو الصمت في علاقة الأنا بالآخر؛ فالتراث المحلي الخاص بالاحتفاليات، والموالد ينتقل من موقع الهامشي إلي الفاعلية المعلقة، أو المؤجلة في اللحظة الحضارية للسرد؛ وطبقا لنموذج رايموند ويليامز، يظل الهامشي في حالة من الفاعلية رغم غيابه عن موقع الهيمنة؛ ومن ثم نجد احتفاء بونابرت الشكلي بالموالد ممزوجا بحالة الصمت، أو الانقطاع الجزئي، وإن ظلت فاعلية التراث محققة في المشهد الحضاري، وتداخلاته المحتملة في النص.
وتشير عتبة العنوان / النفي إلي الوطن إلي مسيرة السيد عمر مكرم وخياراته التي أعادت إنتاج مدلول المنفي بوصفه خيارا ذاتيا، وإنسانيا يعلو علي الأنساق الخطابية المهيمنة في لحظة الحكي الحضارية؛ فمدلول المكان – لديه - يرتبط بالخصوصية الثقافية، والاستقلال، والخيارات الذاتية الداخلية في آن.
ويرصد النص التحولات التاريخية الصاخبة، وأثرها في تشكيل الوعي الجمعي لأصوات البسطاء، والرواد، والمؤرخين، والممثلين للآخر في آن، وكأنه يستعيد بكارة الحدث التاريخي في جمالياتها المتعلقة بفعل الحكي التأويلي التعددي من جهة، وتشابك أشكال الخطاب عبر نسبية مواقعها، والقوي الثقافية المنتجة لها من جهة أخري.
تعددية الخطاب السردي التفسيري في النص:
تقوم رواية النفي إلي الوطن لمحمد جبريل علي تعددية مواقع الرواة، وتنوع خطاباتهم التفسيرية للحدث، فضلا عن تشابك الأصوات، وتداخلها، ونزوع كل منها إلي إكمال رؤي الآخر من موقع مغاير؛ ومن ثم يؤكد النص تنوع الرؤي، والوعي الجمعي للرواة، ومواقفهم من الوجود، ومدي تأثر كل منهم النسبي بالتعقيد في بنية اللحظة الحضارية للحكي.
يؤكد خطاب السيد عمر مكرم اختياره للهجرة إلي الشام مع المحروقي، وأغا، وآخرين، والتعارض البنائي بين المشاركة، والصمت، والتعزيز من موقف الاستقلال، والمقاومة؛ فالمشاركة بطبيعتها تؤكد التبعية للمهيمن، لا المشاركة في تأكيد الذات الحضارية، أو النهضة؛ ومن ثم فهو يعلق التبعية لخطاب الآخر باتجاه تواصل حضاري يقوم علي تجاوز مركزية الآخر.
وسنعاين الازدواجية بين التمازج الحضاري المحتمل، واستمرار التعارض البنائي القائم علي التبعية للخطاب الحضاري للمهيمن في وعي أحد الأصوات، وخطابه الذي يصف فيه حالة المولد، ومدي اهتمام بونابرت بها.
يصف الصوت دخول الطريقة الهاشمية، يتقدمها ربيع عبد الراضي، وتعددية مظاهر الاحتفالية التي تجلت في الأدعية، والموشحات، وحمل البيارق، والخرق الملونة، وقرع الطبول، وتحرك الأجساد علي إيقاع الذكر، وابتلاع الثعابين، والنيران، والتمدد علي فراش المسامير، والسير علي النار، ورقص الجمال، والجياد، والحمير، والكلاب، ثم يشير الصوت إلي أن الحاج حيدر العلاف قد أمر مريديه أن يقصروا مشاركاتهم علي مشاهدة الاحتفالات، وأن يمتنعوا عن اصطحاب الجنود الفرنسيين في عودتهم إلي معسكراتهم بالعباسية.
تبدو بهجة المولد معلقة في حالة الصمت، وانفصال الأنا عن خطاب المهيمن، بينما تومئ إلي مستوي التداخل الثقافي المحتمل – في المشهد – أيضا؛ فحالة البهجة التي تمزج الألم بالنشوة الروحية، تنتقل من المحلي إلي الإنساني / العالمي، فضلا عن دلالات الاندماج الكوني / الجمالي في المشهد؛ وقد ارتكز خطاب الصوت / الراوي علي ذكر تفاصيل البهجة الممزوجة بالألم، وتلك الرقصة الكونية؛ ليوحي بقوة مدلول الذات الحضارية، وقدرتها علي التواصل مع الآخر، وفاعليتها المتجددة في المشهد الحضاري بعيدا عن خطاب المهيمن، والهامشي؛ ومن ثم فقد تولد الصمت – في المشهد – من داخل نموذج التواصل الحضاري القائم علي دمج الهامشي في البنية المركزية للمهيمن.
تتشكل الهوية الثقافية – إذا – من داخل تطورها في السياق الحضاري العالمي، ولقائها بالآخر، ومدي فاعلية تراثها الروحي من داخل خطاب المهيمن نفسه.
وقد يتداخل خطاب الشخصية التأريخي – في النص – بالبني الحكائية التأويلية للحدث التاريخي، فضلا عن تمثيل ذلك الخطاب للذاكرة الجمعية، وللبني الثقافية التي تشكل منظور الشخصية التفسيري للعالم، ولتعقيد لحظة الحكي الحضارية في آن.
يقوم خطاب الجبرتي – في حديثه عن معركة بولاق – علي وصف الحدث انطلاقا من تدافع القوي المهيمنة، ووفرة القتلي، والمنظور الأخلاقي الإنساني في بنية الحكي التفسيري للتاريخ؛ إذ يقول إنهم ملكوا بولاق، وفعلوا بأهلها ما تشيب من هوله النواصي، وجثث القتلي صارت مطروحة في الطرقات، واحترقت الأبنية، والدور، والقصور، وهرب كثير من الناس حين أيقنوا بالغلبة، فنجوا بأنفسهم إلي الجهة القبلية.
يبدأ الخطاب بوصف الهيمنة من موقع الراصد الذي يعزز المقاومة، والاستقلال الذاتي، والقيم الإنسانية؛ ومن ثم يؤكد وحشية المشهد، وبني الزيادة، أو الوفرة في القتلي، وتراكمهم، فضلا عن بنية الزيادة المتعلقة بالنار، والتهام المباني، والقصور، وإن ظل فعل المقاومة، والتحقق الذاتي كامنا في الهروب، وفي منظور الرائي نفسه الذي يؤكد غرابة المشهد عن القيمة الإنسانية، ومفهوم التواصل الحضاري.
أما خطاب السيد عمر مكرم فقد ارتكز علي مدلول الخواء، أو الفراغ الذي استبدل بهجة الأصوات، وفاعلية الثقافة المحلية، وحوارها الممكن مع العالمي، أو الآخر المحتمل؛ فالفراغ – في خطابه – يومئ ببلاغة الحضور المحتمل فيما وراء الصمت؛ فيقول إن الأسي قد غلبه حين سيطر الدمار علي القاهرة، وصارت الشوارع خالية إلا من القطط، والكلاب.
يؤول السيد عمر مكرم المشهد انطلاقا من بنية الفراغ، والحضور الحضاري البهيج الأسبق؛ ولهذا تتوالي الوظائف السردية المؤكدة للصمت، والفراغ؛ فالفوضي تسود، وتخلو الشوارع من البشر.
أما خطاب كليبر فينطوي علي كشف تناقضات مراد بك إزاء الصدر الأعظم، وإزاء قوي الحملة الفرنسية؛ إذ يقدم الولاء للجهتين، ويوحي ذلك الخطاب بالعودة إلي المنظور الأخلاقي الإنساني، رغم غيابه عن مشهد نموذج التواصل الحضاري القائم علي المسيطر، والهامشي، والتبعية للمركز؛ إنه خطاب يثير نوعا من الأرق الذاتي الداخلي، أو تأجيل بنية المركزية الحضارية نفسها.
أما خطاب مينو فيقوم علي نزوع التفوق مع إثارة الأرق، والأسئلة في الذات الحضارية التي بدأت تواصل التشكل بعيدا عن نموذج الهيمنة؛ إذ يسترجع الذكريات المؤلمة في الصحراء، بينما يصر علي انتساب المجد لجنود الحملة، وإثارة الأرق في الآخر؛ وربما يكون الأرق الذي
أشار إليه خطاب مينو نوعا من التكرار للأسئلة الحضارية التي تفكك نموذج المركزية نفسه، والذي كان قد أشار إليه في خطابه المتعالي.
وتتنوع أشكال الخطاب طبقا لمواقعها الذاتية، والثقافية / النسبية في فترة محمد علي؛ فثمة صوت يؤكد حضور محمد علي، ومشاهدته لما يقوم به الدراويش من ابتلاع النار، وأكل الزجاج، والثعابين، والتمدد علي المسامير؛ ويعكس الخطاب القوي الثقافية المشكلة للوعي الشعبي للراوي / الصوت، والإعلاء من النشوة الروحية، ومدي مقاومتها لفعل التهميش، أو قوة صعودها في اللحظة الحضارية المعقدة المتشابكة التي صاحبت هيمنة محمد علي؛ فتجارب الألم والصعود، والتعالي الروحي، تظل مؤثرة في بنية المهيمن من منظور الراوي، ومعتقده الشعبي البسيط.
أما الجبرتي فقد قدم خطابا يختص بالبني التفسيرية لموقف عمر مكرم الذي أصر ألا يجتمع بمحمد علي حتي يبطل الأحدوثات التي يتضرر منها الناس؛ إن الجبرتي يشير – في خطابه – إلي فاعلية عمر مكرم الصامتة، وموقفه الذي يعبر عن التوحد بثقافة المكان، وغائية النهضة، والتحقق الذاتي؛ فهو موقف يومئ لفاعلية المكان، وروحه، وثقافته، ونزوعه التحرري.
ويفكك خطاب عمر مكرم تبدل موقف محمد علي حين يقول إن الأخير عزم إبعاده عن المحروسة إلي دمياط بعد أن عاونه مكرم علي تولي الحكم، أو حين يري إن التقدم كان رغبة لدي المقاومة نفسها؛ ويدل الخطاب علي أصالة تشكل الوعي الجمعي، وتجاوز مركزية خطاب محمد علي، وقراراته في لحظة التأريخ، والحكي التفسيري للحدث.
ويري بول ريكور – بصدد فعل الحكي التأويلي / التأريخي أن التأريخ ينطوي علي سلسلة من العلاقات السببية، والغائية، في مقابل الحاضر المختلط، ومتعدد الأشكال وغير قابل للفهم، ويومئ إلي آراء مارو، وآرون، ويري أن الفهم هو نوع من إعادة البناء. (راجع، ريكور، الزمان، والسرد، الحبكة والسرد التاريخي، ج1، ت: سعيد الغانمي، وفلاح رحيم، راجعه: د. جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة ببيروت، 2006، ص 157، 159).
لا يمكن فصل السرد التأريخي – إذا – عن موقع الشخصية / الراوي، والأنساق الثقافية المشكلة لوعيها بالوجود، وبالحدث المتداخل؛ ومن ثم يسهب سارد رواية محمد جبريل في عرض الأصوات البسيطة، بجوار مذكرات عمر مكرم، وتأريخ الجبرتي؛ ليؤكد تنوع الأنساق الحكائية التفسيرية للحدث، فضلا عن رؤي الآخر؛ مثل مينو، وكليبر، والتي تكشف عن المركزية، وإمكانية تفكيكها، أو تداخلها المحتمل مع الآخر في نموذج مختلف من الاتصال الحضاري.
السرد القصصي بين التأريخ، والوظيفة الجمالية:
ينطوي الحكي التأريخي – في بعض المواضع من الرواية – علي التداخل بين البني الفنية الحكائية، وأخيلتها، والواقع؛ وهو ملمح ما بعد حداثي تبدو فيه استعادة التراث جمالية، ويمتزج فيها النص المتخيل بواقع الشخصية؛ يبدو هذا في حكي أحد الرواة / الأصوات أن حجاج الخضري يحب الاستماع إلي شخصية الزناتي في رواية حمود عيسي، وخاصة في تقدم الزناتي لرجال قبيلته في الكر، والفر، والقتال، وكان الخضري يحاكيه، ويتقدم صفوف المقاومة ضد الفرنسيين؛ إننا أمام محاكاة تمثيلية للتراث، أو استعادته – في واقع الحكاية – بصورة تؤكد الوظيفة الجمالية في السياق التاريخي نفسه؛ أما راوي الحكايات / حمود عيسي فكان يرتكز – في روايته لسيرة عنترة – علي نفض العبودية، ورفض التآمر؛ وهو ما يؤكد تأثير اللحظة الحضارية للحكي في الانتخاب الجمالي لبني الحكايات القديمة؛ ومن ثم محاكاته في الواقع، وتحويل القوي الثقافية التراثية إلي قوي جمالية فاعلة؛ كما يشير العلاف إلي أن الخضري قد يلجأ إلي قدرات أصدقائه من الجان في المقاومة؛ ومن ثم يعكس خطاب العلاف فاعلية مكونات اللاوعي الجمعي بصورة جمالية، ويعيد قراءة الخضري انطلاقا من جماليات النماذج القديمة، وفاعليتها في الأنساق التفسيرية لشخصية الخضري.
الرعب، وسؤال الكينونة، والجسد:
تشير جوليا كريستيفا في كتابها قوي الرعب، عن التدني الذاتي، والتفكك إلي أن التفكك، أو تدني الذات يقع علي الحافة بين تلاشي الوجود، وحالة الهذيان؛ إنه نوع من ثقل الفراغ .. .
کead, Kristeva, Powers Of Horror, Translated by Leon کoudiez, »‬olumbia University Press, New York 1982, p. 3).
ونعاين مثل هذه الحالات من التفكك الممزوجة برؤي تشبه الحلم الكابوسي الصاخب في رواية محمد جبريل؛ إذ يروي أحد الرواة البسطاء اعتياد الناس رؤية مشاهد الأجسام، والرؤوس المتدلية علي أسوار القاهرة، فضلا عن صمتهم أمام جثة الخضري، وإشفاقهم من انتفاخ الجسد، وتشوه الملامح؛ ويذكرنا هذا التشوه المحتمل بأعمال الفنان فرانسيس بيكون التي تؤكد صخب التفكك، وحضور الجسد، وجمالياته، وأصواته في آن؛ وهي تؤكد منظور كريستيفا الجمالي لقراءة مثل هذه الأعمال؛ وإن رواية الأصوات البسيطة لتلك الحالات التي تشبه أحلام الفن، وكوابيسه، توحي بمحاولة استعادة الصوت السابق لبنية الصمت؛ وهو ما يؤكد منظور عمر مكرم في التواصل الحضاري، والتحديث، ونمو الوعي بالذات، وتطورها الثقافي إزاء الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.