أحمد سمير يبدأ الأديب أحمد سمير سعد كتابه الأخير »سحر البنج»، بطلب ابنته الصغيرة حين سألها أن تنام فقالت ولماذا لا تخدرني كي أنام! تبدو الحكاية كأنها طرفة لكنها ليست غريبة، حين تكون الطفلة ابنة لطبيب تخدير يعمل مدرسًا مساعدًا بقسم التخدير بقصر العيني، إلا أنه أيضًا كاتب للأطفال حاصل علي جائزة الشيخ زايد لأدب الطفل في دورتها الأخيرة، وأديب أصدر ثلاث روايات ومجموعتين قصصيتين، إضافة إلي كتاب في فلسفة العلوم بعنوان »اللعب مع الكون»، وفي هذا الكتاب الجديد الصادر إلكترونيا عن مؤسسة هنداوي، يعتمد علي الدمج بين الآداب والفنون لتقديم مادة علمية جذابة، لذا سألناه: • هل وجدت في هذا الكتاب ضالتك، حيث الدمج بين تخصصك كطبيب تخدير وبين كتابتك الأدبية؟ - في الماضي ربما عانيت من ازدواجية الطبيب الذي يجب أن تكون توجهاته علمية والأديب الذي يحاول الحرث في أراض أخري لكنني الآن أدرك تماما أنها ذات الأرض وأنه نفس الموضوع. اعتقادي الشخصي أن كل فعل هو ممارسة إنسانية في الأساس حتي العلوم البحتة كالفيزياء والكيمياء وغيرها، ففي النهاية هي علاقة تربط الإنسان بالكون، ورصد الإنسان له ومحاولته لتفسير أحداثه، هذا هو الحال مع العلوم البحتة فمن الطبيعي أن يكون ذلك أوضح وأوضح مع علم تطبيقي مثل الطب وتخصصي الأدق فيه وهو التخدير. الإنسان هو نفسه بأفكاره وخياله وهواجسه لكن التجليات شتي، ولذلك فاعتقادي أن المزج الذي أقوم به بين العلم والأدب وأحيانا مشاهد السينما هو أمر طبيعي جدا ومنطقي. • بالمناسبة.. تعتمد في كتابتك عن موضوعات علمية علي إحالة القارئ لأعمال أدبية وسينمائية أحيانا، كما في كتابك الأول »اللعب مع الكون«، بل إنك لجأت في هذا الكتاب إلي أسلوب أقرب للتحقيق الصحفي في فصل تدافع فيه عن التخدير بتحقيق الواقعة الشهيرة للفنانة الراحلة سعاد نصر.. كيف تري ذلك؟ - أعتقد أن كافة الأبواب مفتوحة علي بعضها، فالموضوع في النهاية واحد. ربما يحتاج العلم إلي لغة حدية حين نعبر عن قوانينه، لكننا عندما نحاول الحديث عن تداعيات تلك القوانين وتجلياتها وفلسفاتها نجدنا في حاجة إلي خلق ذلك الاشتباك مع كل شيء، مع المجاز الأدبي والصورة السينمائية بل أحيانا مع الحكايات الأسطورية، ففي النهاية العلماء هم أبناء نفس الثقافة، وتنتابهم ذات الهواجس. وفي الحقيقة هذا الأسلوب لم أخترعه فكثير من العلماء في كتبهم نجدهم يقتبسون من أدباء وفنانين بل إن بعض الأوراق العلمية الشهيرة تستخدم أحيانا مجازات أدبية أو إشارات ثقافية. اعتقادي كذلك أن هذا الربط يكسر حدة الحقائق المجردة ويخلق نوعا من التفاعل واستثارة الفضول وحث الخيال. • من علوم الكون والفلك والفيزياء في الكتاب الأول إلي الطب في الكتاب الثاني، ألا تجد أننا نحتاج إلي تبسيط العلوم أكثر من تقديم رؤية للعلوم في مجتمعات لا تنتج العلم أصلا؟ - يعتقد الكثيرون اليوم أن العلوم قد اختطفت الراية من الفلسفة، ذلك أن الفلسفة تجيب عما لا نعرف، بينما العلوم تجيب عما نعرف، ومع ازدياد مساحة ما نعرفه فقد تسلمت العلوم الراية حتي أنه لم يعد للفلسفة إلا اللغة كي تبحث فيها، ربما لا يكون ذلك صحيحا تماما لو تساءلنا عن ماهية ما نعرف، هل ما نعرفه هو جوهر الأشياء بالفعل أم لا، هذا سؤال مايزال فلسفيا وإجابته مختلف عليها. لكن الأكيد أن العلم أصبح مركزا مهما للتعامل مع الكون، وربما هو المركز الأكثر موثوقية فكل الفنون والآداب بالإضافة إلي السحر تعدنا بصناعة بساط الريح، لكن العلم وحده هو الذي في مقدوره أن يصنعه بالفعل، تلك هي النظرة الحالية للعلم وهي التي جعلت طرقه ومنهجيته وتصوراته ونظرياته تتسلل لتشكل رؤانا عن كثير مما نعرف اليوم، وبالتالي فهو الذي يشكل الآن وعينا وتعاطينا مع القضايا، علي سبيل المثال إنسان اليوم الذي يدرك أن العيوب الخلقية هي نتيجة خلل جيني لا يمكن أن يعير بها معتبرا أنها جاءت نتيجة لارتكاب الخطايا وليست نتيجة توزيع طبيعي لاحتمالات موجودة في جينات البشر. • فلسفة العلوم هو المجال الذي اخترت أن تكتب فيه عددا من المقالات في المواقع الإلكترونية، والكتابات علي صفحتك الشخصية بالفيس بوك، إلي جانب كتابيك، هل عدم وجود محتوي كاف بالعربية هو سر اختيارك له؟ - في كتابي الأخير حاولت انطلاقا من ممارستي للتخدير الإجابة عن أسئلة من نوع ما هو الوعي؟ وهو سؤال فلسفي كما هو سؤال علمي، أيضا حاولت أن أطرق أبواب التاريخ في سرد إنساني لخبرة الإنسان بالألم ومحاولته للتخلص منه وكذلك حاولت التركيز علي البعد المجتمعي للممارسة نفسها، والإجابة عن بعض الأسئلة الأخلاقية المتعلقة بالمهنة، وكذلك محاولة إعمال الخيال في تصور مستقبلي لعالم التخدير في الغد وحاولت أن يكون ذلك بأسلوب أقرب للسرد القصصي، وهو أمر غير موجود كثيرا بالعربية، بالتأكيد المحتوي العربي قليل لكن ذلك ليس السبب الوحيد، فالعلم الحديث وضعنا في أزمة، في كثير من الأحيان يأتي مخالفا للخبرة، علي سبيل المثال يخبرنا أن الحائط الذي أمامنا مكون من ذرات، هذه الذرات هي عبارة عن فراغ تتناثر فيه أنوية وإلكترونات كجزر منعزلة، الخبرة لا تري ذلك مطلقا، كذلك الأمر بالنسبة إلي الزمن، يخبرنا العلم الحديث أن مروره يختلف باختلاف السرعة التي نتحرك بها في الكون، وهو الأمر المخالف كذلك للحدس، كل هذا أثار أسئلة عن مصداقية العلم وحقيقة الواقع، وكيف نفرق بين العلم واللاعلم، هذه وغيرها مجالات بحث فلسفة العلم وهي فلسفة بالغة الحيوية والثراء وممتعة لأبعد حد. • كيف وجدت التفاعل مع هذه الكتابات، وهل تحظي باهتمام القارئ العربي؟ بالتأكيد يحتاج إليها القارئ العربي، إن العلم هو ثقافة هذا العصر، هذا هو ما التفت إليه الجميع. في الغرب قد نجد علماء باحثين لهم نظرياتهم وعطاءاتهم العلمية ينكبون علي تأليف كتب للعامة حتي ينموا من ثقافاتهم. إن العلم يغير وعي الإنسان وطريقة تعاطيه مع العالم بالكامل. وللأسف مازال ما يقدم عربيا في هذا المجال هو أقل القليل، أغلبه ترجمات لكتب حديثة لكننا نحتاج إلي كتب بلغتنا نحن لأنها ستعكس تفاعل ثقافتنا مع العلوم، وليس مجرد نقل لتفاعل ثقافات الآخر، كما نحتاج إلي كتب أمهات كتبت قديما لكن لم يلتفت لأهميتها المترجمون في حينها. • لماذا لجأت إلي النشر الإلكتروني في كتابك الأخير بعد تجربة النشر الورقي في كتابك العلمي الأول؟ - النشر الإلكتروني كان محاولة للوصول إلي عدد أكبر من القراء وتجربة وسيط جديد ومختلف، خصوصا أن الكتاب صدر عن مؤسسة هنداوي وهي مؤسسة ذات باع في مثل هذه النوعية من الكتب، ومتحققة بالفعل عند كثير من القراء ولها جمهورها وموثوقيتها. ما الكتب العلمية المبسطة الأكثر تأثيرا في اتجاهك؟ هناك محاولات عربية مهمة جدا علي سبيل المثال لا الحصر كتابات د. أحمد مستجير ود. عبد الله الشيخ ود. أحمد السماحي ود. رءوف وصفي ود. أحمد شوقي وأحمد فؤاد باشا وغيرهم.