كنت أنتهز الفرصة لألعب بحذاء المدرسة الجديد وإن عوقبت مرتين بحرماني منه في المباريات. وحين تعرضت لإصابة اعتزلت مبكرا وقررت ان اكون حكما 1 ليس هذا أوان الحديث عن مراد وهبة و»ابن رشده». ولا أوان الكلام عن جدليات جابر عصفور مع الأزهر.. وليس مناسبا تحليل مضامين لوحات فاروق حسني التي يخفيها في قلبه ولا سر عبثية خطوط صلاح طاهر وليس هذا توقيت الفرق بين امرأة احسان عبدالقدوس المرفهة في رواياته وامرأة يوسف إدريس في أرخص ليالي. ولا أظنه متاحا مناقشة ميزانية البحث العلمي في مصر ومقارنته بميزانية البحث العلمي في إسرائيل. واعتقد أنه من العبث طرح قضية التكدس السكاني في حوار مجتمعي بوصفه معرقلا للتخطيط. هذا أوان شيء آخر أكثر جاذبية ومتعة! 2 هذا أوان الساحرة المستديرة التي تلعب بالقلوب والعقول. هذا أوان ملاعب العشب المستطيلة والعيون الشاخصة المحدقة للارجل تكاد تخرج من بؤبؤ العين. هذا أوان الجنون العاقل في حياة الشعوب. أوان دراما الحياة والمضاربات. أوان متعة الانتصار وحسرة الهزيمة. هذا عالم قائم بذاته، عالم الكرة وله طقوسه وقوانينه ونجومه وشموسه. هذا عالم الحظ الذي يسخر من التنبؤات. عالم اللعب بالاعصاب حتي الموت بالسكتة القلبية. عالم الصراع بالقوة البدنية والاكتاف الشرعية والمفاجأة والإثارة ابعد من تشويق هيتشكوك. ولأني لست كرويا فلم أحرص في حياتي علي حضور مباراة في ملعب وأعتبر »مقصورتي» في البيت أمام شاشة التليفزيون، اكثر متعة وأشفق من موقعي علي كل مدرب، فهو يبدو كالأسد الجريح يلعب بأعصابه مع فريقه ويتحرك كل ثانية ويروق لعدسات التليفزيون أن تلتقط له بوزات فرحة النصر وخيبة أمل الهزيمة ولعل مباريات روسيا هي الخبر الأول في كل بيت في العالم وتختلف امزجة الشعوب في التشجيع والصياح الذي يصل إلي حد الزئير. نعم، فحين تهتز شباك الخصم، يفقد الناس الوعي والاتزان. وينصح اطباء القلب مرضاهم من الانفعال. ناهيك عن الضغط العصبي علي الفريق وحارس مرماه. انه -قبل المباراة- يموت الف مرة. وفي انتظار المباريات أصنع لنفسي مقعدا مريحا وأخفف اضاءة الغرفة وأضبط جهاز التكييف علي 24 درجة وأنتظر بشغف انتظاري لإطلالة أم كلثوم أو فيروز، فبعد قليل سوف تبدأ الصلالة والطرب. لقد وصف جورج أوريل في روايته الشهيرة »صافرة الحكم» لعبة كرة القدم بأنها »حرب من دون حرب أو إطلاق نار. لعبة حادة لا علاقة لها باللعب النظيف وهي ترتبط بالحسد والأنانية والانفلات وكلها من قواعد اللعب الصحيح». ووصفها حكيم يوناني »انها الاقرب إلي الشطرنج». 3 لا أدعي التخصص في كرة القدم ولكن بعمل »فلاش باك» بلغة السينما أجد لنفسي »تاريخا» مع الساحرة المستديرة. في مراهقتي كونت فريق »الاتحاد الفني» وكنت كابتن الفريق في حي مقبل في بني سويف لاني كنت الأكبر سنا وليس الأمهر. وكنا نلاعب فرقا مثل »ميدان حارس» وفريق »الدبابير». وكنت احمل في جلبابي الجير الابيض وأخطط الملعب في حي مقبل. وكنت أنتهز الفرصة لألعب بحذاء المدرسة الجديد وإن عوقبت مرتين بحرماني منه في المباريات. وحين تعرضت لإصابة اعتزلت مبكرا وقررت ان اكون حكما رغم إلمامي القليل بقواعد اللعبة. وكنت في بني سويف معجبا بنجم الكرة السويفي »حمدي رضوان». وكنت أحضر التدريبات في نادي بني سويف. أول كرة لعبنا بها هي الكرة الشراب واظن أن الخطيب لعب بالكرة الشراب ولم نعرف الكورة الجلد الا عندما اشتراها مكرم يواقيم ابن المحامي المعروف يواقيم غبريال لان مصروفه كان اكبر. حين صرت فيما بعد صحفيا تحت التمرين جربني »أحمد بهاء الدين» في موضوع إصابة لاعب الكرة الشهير في الخمسينيات »رأفت عطية» وقبل مقابلته جمعت عنه معلومات من المقهي الذي اعتاد ارتياده. ونشر الموضوع في صباح الخير. وحينما صدر لي كتاب »أسماء لامعة» والناشر مكتبة مدبولي احتوي علي حوار مع صالح سليم بعنوان »بداية أم نهاية» واتذكر ان عبدالحليم حافظ اصطحبنا في سيارته إلي بيته »لنشرب معه شاي ايرل حراي وكان شاي انجليزي جميل النكهة». عرفت الخطيب عائليا وأشهد بدماثته وأخلاقه منذ ان كان حديث الناس »ابوفانلة نمرة 10» حتي أصبح رئيس النادي الاهلي. ضبطت نفسي معجبا بعمر النور في الزمالك والشاذلي ومصطفي رياض في الترسانة وأبوجريشة في الاسماعيلي. في حديث المدينة قدمت برنامجا كاملا عن »فاكهة عصر الكرة» فاروق جعفر وذلك ليلة اعتزاله وكتب علي الكرة كلمات وداع وخذلته دموعه. وأنا في الخارج اتصلت بالحضري في ملعبه الجديد وطلبت منه حوارا فأرسل لفريق حديث المدينة سيارة وقضينا يوما معه بعد ان اجريت اجرأ حديث له وكان يكتم عذاباته من المدرب! يوم كنت استعد للقاء فاروق جعفر كنت قد التقيت بحكيم الكرة المصرية وناقدها الأشهر نجيب المستكاوي وكان مرجعيتي الجميلة في أي شأن كروي. في برنامج »مفاتيح» علي شاشة دريم، قدمت النجم الأشهر والمذيع الموهوب شوبير واعتدت ان اناديه بأحمد وظل يستضيفني في برنامجه الرمضاني كل عام في أول حلقة ومنذ ايام في رمضان 2018 استضافتني المتألقة »نجلاء حلمي» من إذاعة الشباب والرياضة في إحدي حلقاتها وسمعت كلمات طيبة من اغلي الناس في عمري د. عبدالمنعم عمارة والناقد حسن المستكاوي وفاروق جعفر والدمث أحمد حسن. لا أنسي حلقة علي تليفزيون دريم للنجم »بندق» وشهرته خالد الغندور كانت بالنسبة لي ساحة كبيرة أعلنت فيها آرائي في الكورة والفن. عرفت المدرب الكبير محمود الجوهري واقتربت منه ورأيت لوثة الفرح به وكتبت محذرا من المبالغات بقدراته وكنت اخشي عليه من الارتفاع به إلي الاعلي. وحدث ما توقعت. حدثت هزيمة فنزلوا بالجوهري سابع أرض. واضطر أسفا ان يقبل عرضا من الأردن ونجح وكرمه الملك حسين وكان الجوهري درسا بليغا في الاعتدال حين نتكلم! 4 جماهير مصر الكروية عاطفية لا تعرف اللون الرمادي! »إما ابيض أو أسود» ومن اكبر عيوبها الضغط علي اعصاب اللاعبين ومازلت اتذكر كلمات نجيب المستكاوي »التصعيد الإعلامي وراء حماس الجماهير الذي يخرج أحيانا عن السياق»، وقد كنت في إيطاليا يوم صلَّي! رئيس الجمهورية ليكسب الفريق الإيطالي في مباراة حاسمة يقودها اللاعب الفذ واسمه »باولي روسو» وربما »باولو روسي» وحدد لنا الملحق الاعلامي بسفارتنا في روما موعدا مع باولو وكان علينا ان نذهب إليه في ناديه وهو يبعد عن روما ثلث ساعة بالقطار وذهبنا الرسام جمال وانا إلي النادي وبهدوء سألنا عنه فقيل لنا انه الجالس في نهاية الصالة. وذهبنا اليه وقدمنا انفسنا له وفي الحوار لمس اكثر من نقطة. الاولي: حين يشتم الجمهور لاعبا، فإنه يفقد اتزانه ويسيء اللعب. النقطة الثانية: حين يركز الجمهور علي لاعب بعينه فإن هذا يحدث ضغطا عصبيا علي اللاعب وربما يخيب ظن جمهوره. النقطة الثالثة: افتقاد الروح الرياضية، المكسب والخسارة سيان، فالجماهير لاتعرف الاعتدال وليس هذا مزاجاً مصرياً ولكنه في العالم كله! وانا مدين لحب الكورة من تعليقات كابتن لطيف كروان الملاعب. 5 لقد جلست أرقب مباراة »مصر- اوروجواي» باهتمام. وكان قلبي ينتفض مع كل فانلة حمراء تحمل اسم مصر. وكالعادة لعبت المباراة بأعصابنا وعندما يقترب احد من مرمي فريقنا أهب واقفا وأشرب ماء بلا مناسبة فأنا لا اشعر بالعطش وحين نقترب من مرمي أوروجواي اذهب إلي الشاشة واقترب منها ولا أدري لماذا. وعندما دخلت الكرة مرمانا في غفلة شعرت بالعطش لكن كانت هناك رغبة ان أربت علي ظهر الشناوي حارس مرمي مصر، وأتي مخرج العرض بلقطة بليغة لمحمد صلاح بعد الجون لم يخف فيها صلاح مشاعره. وقد افتقدت المعلق المتميز مدحت شلبي كان سيردد كثيرا »يانهار أبييييض»؟! 6 حقا، ما الحياة إلا كورة وصفارة نجاح ورسوب وليل ونهار وفوز وهزيمة. الكورة لها مدلول عند كل انسان. ربما كانت سلطة أو ثروة أو منصباً والصفارة هي نهاية الشوط وكان د.زكي نجيب محمود يصف الكورة بأنها »»دراما الحياة». تبقي ملاحظة مصرية: هذه الملايين التي اجتمعت في الاستاد الروسي، جاءت للمتعة. اجتمعت علي هدف واحد إنساني و.... لاتزال مدرجات ملاعبنا في مصر بلا جمهور!