د. فيصل الحفيان في حواره مع »الأخبار« «تصوير: محمد عبدالمنعم» لم يختلف مصيرُ المخطوط العربي كثيرًا عن مصير الإنسان العربي، فكلاهما سواء بسواء، قُتل المخطوط غرقًا وحرقا كما الإنسان، ونُهب كما نُهب وتهجَّر كما تهجَّر، ولا يزال يُشاركه المصير نفسه، يرنو إلي بارقة أمل ولحظة انعتاق.. فكما يتغرب الإنسان تتغرب المخطوطات وتسيح في أرض الأغراب هويتها المكانية العربية بعدما تغيرت الخريطة المعرفية لتراثنا.. د. فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة (ألكسو) يُبحر بنا في رحلة »المخطوط» العربي، آلامه الممتدة عبر الزمن وآماله المشروعة المُحملة علي عاتق المعهد الأعرق في ترميم ورقمنة ذاكرتنا العربية: مقترح جديد لتغيير قانون المعهد ليأخذ صفة الإلزام ما أهم الذكريات الرمضانية التي ترتبط بلحظات صيامك الأولي؟ - الملاحظة الأساسية المرتبطة بالصيام هي علاقة الإنسان بالزمن، فالإيقاع السريع للحياة يجعلنا لا نشعر بالزمن، وإنما ونحن أطفال كان يوم الصيام سنة كاملة لأن كل همك هو فقط انتظار الطعام، ولذلك لا أشعر الآن بالصيام لأنني فجأة أجد الوقت قد انتهي، بعكس الحياة القديمة التي كانت سهلة وميسورة ولا تضج بهذا الزحام الذي نعيش فيه. تحدي الصيام وماذا عن صيام اليوم الأول وأحب الأطعمة إليك خاصة أن شهرة المطبخ السوري ذائعة؟ - ربما بدأت من الخامسة، فالصيام بالنسبة لي كان تحديًا ولذلك لا أذكر السنوات التي لم أصمها.. أما عن الأطعمة السورية فلا شك لها طقوسها وأطعمتها المعروفة، وحتي هذه الأطعمة القديمة اختفي معظمها الآن، وكنت أشتهي »التمرية»، وكانت تُباع في كل مكان كالعرقسوس في مصر، وكانت تُصنع من القشدة وتأخذ شكل الكعك المدور وما عادت موجودة الآن، وكانت تعجبني أيضًا من الحلويات »حلاوة الجبن» وهي موجودة الآن في مصر ببعض المحلات السورية وهي أنواع كثيرة والموجود منها اسمه »محشية» وتُصنع من اللبن. لنعد من الذكريات إلي الواقع.. ما المهمة الأساسية لمعهد المخطوطات العربية؟ - المعهد الآن شيء آخر عما كان عليه عند الإنشاء، حيث كانت مهامه قاصرة علي ثلاثة أعمال: جمع صور المخطوطات العربية حيث لم تكن هناك مراكز معنية بهذا الأمر، فكان المعهد من أوائل المراكز التي أدخلت التكنولوجيا في عالم التراث، والمهمة الثانية فهرسة هذه المخطوطات، ولذلك تعد الفهارس التي أصدرها المعهد في النصف الثاني من القرن الماضي شيئًا متقدمًا جدا، والأمر الثالث كان نشر بعض كتب التراث. هل لا تزال هذه المهام ثابتة أم هناك منافسون في هذا المجال من المكتبات الوطنية؟ - بالطبع هناك الآن منافسون كثيرون، بل إن المعهد لم يعد يجاري المعاهد الوطنية بإمكانياتها المادية، حتي إن بعض المراكز لديها صور للمخطوطات أكثر حتي من معهد المخطوطات.. لذلك شعرنا بضرورة التحول في مهمة المعهد، ليكون ضابط إيقاع العمل التراثي العربي علي مستويات متعددة.. أولًا: التنسيق بين المراكز الكثيرة، وضبط حركة النشر من خلال الدورية المهمة التي يصدرها المعهد باسم: المخطوطات الإخبارية، من خلال تشكيل هيئة كان اسمها (الهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي) ولم تعد تجتمع لنقص الأموال، وكانت تجمع أهم المكتبات ومراكز المخطوطات الموجودة في البلاد العربية وأثارت الكثير من القضايا مبكرًا: الفهرسة، وشبكة عربية لموضوعات التراث؛ إضافة إلي أن التراث كان يحوز اهتمام النخبة المثقفة في الحجرات المغلقة فقط فأصبح قضية هوية، في مقابل العولمة التي توظف الصورة لخدمتها. قضية مُبتذلة يُنادي البعض بالانتقائية في التعامل مع المادة التراثية.. ما رأيك في هذا الطرح؟ - هذه قضية مبتذلة جدا، وتم ربطها قسريا بقضية التطرف والإرهاب، ونحن نري أن التراث لا يقتضي الانتقاء من حيث المبدأ، وتصنيف التراث يجب ألا يتم إلا بعد معرفة حقيقية وهذا لم يحدث حتي الآن، فأنا ضد الانتقائية لأن التراث نص واحد سواء كان لغة أو فكرا أو حتي تلك النصوص التي اعتبرها البعض غير مفيدة، لأنها ذات قيمة تاريخية وتشكل انعكاسًا لصورة العصر، فالتاريخ بانتصاراته وانكساراته هو مجال بحث ولابد أن نعيد النظر فيه. بعد »سكرة» قرار ترامب، تأتي »فكرة» البحث عن مخاطره علي مخطوطات القدس.. كيف واجهتم ذلك؟ - »ألكسو» معنية بقضية القدس، وحتي الاحتفال بيوم المخطوط العربي 4 إبريل كان عنوانه (القدس.. عندما يكون التراث أسيرًا)، والأسْر قضية مستقلة توازي قضية تهجير المخطوطات التي تمت في العصور السابقة ولا تزال. التراث والحروب هل هناك أعداد تقريبية للمخطوطات الفلسطينية الأسيرة؟ - أصدرنا كتابا قبل قرار ترامب في خضم الثورات العربية وكان عنوانه: (التراث في أتون الحروب)، والحروب الداخلية لا تقل خطورة عن الحروب الخارجية علي التراث.. وفي القدس أنت تتعامل مع احتلال من الناحية القانونية لأنه يحتل الأرض ولن يسمح لك بإخراج المخطوطات، وكان المعروف منذ النكبة أن فلسطين تضم ما يقرب من خمسين ألف مخطوط، قام المعهد بتصوير أجزاء كبيرة منها، ولكن هناك أجزاء أخري اندثرت في الحروب أو آلت إلي المكتبات الإسرائيلية التي سطت عليها مع الوثائق العربية الأخري وضمتها إلي الجامعة العبرية، ثم حظرت اطلاع الآخرين عليها، كما أقام المعهد مؤتمرين لفلسطين، الأول تحت عنوان (التراث العربي المخطوط في فلسطين) ومؤتمر آخر خاص بتراث القدس، ونحن نركز عموما علي المناطق الحرجة وعلي رأسها فلسطين. الاحتلال الصهيوني يهتم كثيرًا بالمخطوطات التراثية العربية.. لماذا؟ - التراث سلاح ذو حدين، والاحتلال الصهيوني يهتم كثيرًا بفضائل البلدان، خاصة مدينة القدس وبعض هذه الكتب تم حشو الكثير من الإسرائيليات بها؛ كما يحاولون جاهدين البحث عن إثبات لحقوقهم المسلوبة كما يدَّعون؛ ولذلك هم ينتظرون إشارة واحدة في هذه المخطوطات ليستخدموها سياسيا. وما أهم الآليات التي ترتكز عليها تلك الخطة؟ - نحن نعلم أن التراث والمخطوطات (متحرك) فمثلًا: قد تظهر مخطوطة في بيت لا نعرفه، والخطوة الأهم أن نقوم برقمنتها، وهذا يتطلب كوادر بشرية وأجهزة، ولذلك اقترحنا إجراء دورات لعدد من الشباب في الأرض المحتلة لتدريبهم علي عملية الرقمنة والتوثيق، لأن الأجهزة وحدها ليست كافية وإنما توفير الكوادر القادرة علي التعامل معه من حيث كونه بنية مادية. قانون منفرد هل هناك ضوابط قانونية يملكها المعهد لمنع التسريب الخارجي للمخطوطات؟ - في أواخر الثمانينيات صنعنا قانونًا سميناه: (القانون النموذجي لحماية المخطوطات)، وقد حصل علي موافقة وزراء الثقافة العرب لضبط حركة المخطوطات، ونحن نؤكد دومًا أن المخطوط العربي يحتاج إلي قانون منفرد وليس في داخل قانون الآثار لأن حركة الآثار مختلفة عن حركة المخطوط الأكثر تفلتًا، فالقدرة علي تسريب المخطوط أسهل من الأثر، ولكننا لا نستطيع إلزام الدول، لأن كل نشاطات الألكسو إرشادية، ونحن الآن بصدد تغييره بعدما مضي علي وجوده ثلاثون عامًا.. وسنعيد تقديم قانون نرجو أن يأخذ خاصية الإلزام في اللجنة الدائمة للثقافة العربية والتي ستعقد في تونس في النصف الثاني من شهر يونيو المقبل، ثم رفع مقترح إلي وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم بالقاهرة 14 و15 أكتوبر.