"مصر للمعلوماتية" تطلق تطبيقا إلكترونيا لإدارة الكافيتريات الجامعية لمنع الزحام وهدر الطعام    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    بعد استقالة ياسمين فؤاد، إجراءات التعديل الوزاري وموقف النواب خلال الإجازة البرلمانية    محافظ أسيوط يفتتح المعرض السنوي السابع لوسائل رياض الأطفال بالأزهر- صور    وزير التعليم العالي يعقد اجتماعًا مع ممثلي مؤسسة كلاريفيت لتعزيز التعاون المشترك    زراعة أسيوط تتفقد محصول الفول الصويا للتأكد من سلامته وخلوه من الأمراض    وزير الإسكان يتابع رفع كفاءة المناطق الصناعية بالعاشر من رمضان    الهدوء يخيم على السويداء.. وبدء تسيير قوافل مساعدات إلى المحافظة    بعد وفاة الأمير النائم، طبيب مخ وأعصاب يكشف ماذا يحدث داخل جسم الإنسان أثناء الغيبوبة الطويلة؟    الهلال يستعد لرفع عرضه إلى 120 مليون يورو لضم إيزاك    إخماد حريق نشب داخل سيارة وأشجار بكورنيش المعادي (صور)    سامح الصريطي على هامش معرض مكتبة الإسكندرية: العمل الذي يحض على القبح ليس فنًّا    الرعاية الصحية: 2.5 مليون خدمة وفحص معملي بمجمع الشفاء الطبي ببورسعيد    «القومي لحقوق الإنسان» يفتتح اللقاء التنشيطي للصحفيين والإعلاميين لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    إجلاء مئات الآلاف بسبب إعصار ويفا جنوب الصين    أوكرانيا: ارتفاع قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى مليون و41 ألفا    دعوى قضائية ضد حكومة بريطانيا لقرارها عدم إجلاء أطفال مرضى من غزة    الحكومة الكورية الجنوبية تشكل فريق دعم للتعافي من أضرار الأمطار الغزيرة    تموين كفر الشيخ: توريد 257 ألف طن قمح حتى الآن    عرض أخير من برشلونة للتعاقد مع لويس دياز    "ذا أتليتيك": ليفربول يتوصل لاتفاق مع فراكفورت لضم إيكيتيكي    ماذا سيحدث لو باع ريال مدريد فينيسيوس جونيور؟    بعد قبول استقالة ياسمين فؤاد.. تكليف منال عوض وزيرة التنمية المحلية بالقيام مؤقتا بمهام وزير البيئة    فيديو.. الأرصاد تحذر المصطافين من ارتفاع أمواج البحرين الأحمر والمتوسط    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    «الداخلية»: ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا في حملات أمنية بدمياط وأسوان    في 24 ساعة فقط.. ضبط 114 ألف مخالفة مرورية و355 سائقًا متعاطيًا    6 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا تجارة العملة خلال 24 ساعة    أسعار البيض تنخفض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    «بين الخصوصية والسلام الداخلي»: 3 أبراج تهرب من العالم الرقمي (هل برجك من بينهم؟)    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    حسين حجاج يهاجم سوزي الأردنية بعد ظهورها برفقة هنا الزاهد.. اعرف الحكاية    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    دير السيدة العذراء بالمحرق يتهيأ لإحياء تذكار الأنبا ساويروس    تحرير 143 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق خلال 24 ساعة    جامعة القاهرة تعلن حصول وحدة السكتة الدماغية بقصر العيني على الاعتماد الدولي    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    كريم رمزي يفتح النار على أحمد فتوح بعد أزمة الساحل الشمالي    إنشاء سجل مدنى منقباد الفرعي بقرية منقباد    وزارة العمل تُعلن عن وظائف خالية برواتب مجزية    بنك التنمية الصناعية يحصد جائزة التميز المصرفي في إعادة الهيكلة والتطوير لعام 2025    استشهاد طفلة فلسطينية نتيجة مضاعفات سوء التغذية والجوع    الصحة السورية تعلن إرسال قافلة طبية عاجلة إلى السويداء    مصرع 3 أطفال أشقاء غرقا داخل حوض مياه ببالبحيرة    ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا.. قارئ الملائكة    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    المبعوث الأمريكي يلتقي قائد «قسد» لاستعادة الهدوء في السويداء    أحمد شاكر عن فيديو تقليده لترامب: تحدٍ فني جديد وتجربة غير مألوفة (فيديو)    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    «اتباع بأقل من مطالب الأهلي».. خالد الغندور يكشف مفاجأة عن صفقة وسام أبوعلي    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    الكونغو الديمقراطية و«إم 23» توقعان اتفاقًا لوقف إطلاق النار    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    تجنبها ضروري للوقاية من الألم.. أكثر الأطعمة ضرراً لمرضى القولون العصبي    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموشحات.. يا زمان الوصل بالأندلس
يوميات الاخبار

بكي، فقالت له أمه: ابكِ مثل النساء، مُلكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
لا يتحدث أحد عن الموشحات الأندلسية إلا ويذكر موشح »لما بدا يتثني»‬، فهو أشهر موشح عربي اخترق الشكل التقليدي للقصيدة العربية نظماً وفناً. اختلف المؤرخون في تحديد اسم صاحبه الأصلي، لكن يتفق الجميع علي أن الشيخ المصري سيد الصفتي هو أول مغني »‬يسجل» الموشح بصوته في عام 1910. أما نجمة الموشحات فهي جارة القمر فيروز التي كانت لا تحيي أي حفلة عامة إلا والموشح أحد أركانها المعتمدة. والتوانسة والمغاربة مهووسون بهذا الفن ويقدمونه في الحفلات والمقاهي والحدائق كأنه باقة ورد أو علبة حلوي. وفي العراق كانت فرقة »‬المجموعة» هي جوهرة الموشحات.
»‬لما بدا يتثني.. حُبي جمالُه فَتَنّا
وعدي ويا حيرتي
من لي رحيمُ شكوتي
في الحب من لوعتي»
أما في سوريا فقد برع المطرب صباح فخري بغناء الموشحات الأندلسية في المهرجانات والحفلات والتسجيلات، ومنها موشح رائع من كلماته وألحانه عنوانه »‬هَيَمَتّني.. تَيَمَتّني» غناه مطربون آخرون أضافوا إليه حلاوة الأصوات الشابة.
»‬هَيَمَتّني.. تَيَمَتّني.. عن سواها أشغلتني
أختُ شمسٍ ذاتُ أنسٍ.. دون كأسٍ أسكرتني
لستُ أسلوها ولو.. في نارِ هجرانٍ كَوَتني
أيها الساقي فَدَنّدِن.. باسم من قد آنستني»
لا توجد مدرسة موسيقي عربية لا تُدَرِس هذا الفن الراقي في الغناء التراثي الذي ينتسب إلي المدرسة الأندلسية في العصر الذهبي للفتوحات الإسلامية العربية. وقد انتبهت دار الأوبرا المصرية والأوبرا السلطانية العمانية وأوبرا دمشق إلي هذا الفن العظيم فتعاملت معه بقيمة وفخامة أرقي الألحان الأوبرالية في العالم. ولحسن حظي شاهدت بعض حفلات فرقة الموسيقي العربية في أوبرا القاهرة وهالني هذا الإبداع، بل ذروة الإبداع، من الموسيقي والعازفين إلي الغناء والمنشدين. وقد وعت مصر منذ العشرينيات من القرن الماضي جمال الموشحات وإنسيابيتها اللحنية التي تأسر القلوب وتخلب الألباب. وغني كثيرون من المطربين المصريين الكلاسيكيين هذا اللون المبهج فاستعانوا به في غنائهم مثل الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم »‬دموع الحب» الذي حاول تقديمه بشكل آخر قريب من »‬التانغو» لكنه لم يستطع الفكاك من شبكة الموشحات اللحنية في أغنية من شعر حسين نجل الشاعر أحمد شوقي عنوانها »‬سَهرتُ منه الليالي» بمقام »‬نهاوند» وهو المقام المترف لأغلب الموشحات.
»‬سهرتُ منهُ الليالي.. مالُ الغرام ومالي
إن صدّ عني حبيبي.. فلستُ عنه بسالي
يطوفُ بالحبِ قلبي فراشةً لا تبالي
آه الحب، الحبُ فيه بقائي الحبُ فيه زوالي»
لكن عبقرية عبد الوهاب في هذه الأغنية وصلت إلي درجة الجنون في الانتقال غير المسبوق بين المقامات بشكل ساحر لا يقاوم وليس له نظير. إنه تانغو أندلسي لم يتكرر!
وبما أن الفضل لصاحب الفضل، فلا يختلف اثنان علي أن الموسيقي العراقي الأشهر زرياب هو صانع مجد الغناء والموسيقي في الأندلس. لقد ازدهر الغناء والموسيقي في الشام والعراق حين ازدهر فيهما في العصرين الأموي والعباسي. أما الموشحات فقد نشأت في الأندلس أواخر القرن التاسع الميلادي حين احتكت الموسيقي العربية بالموسيقي الإسبانية لحاجات فنية واجتماعية. وكما نلمس ونسمع اليوم فان الموسيقي الإسبانية يفوح منها عطر الموسيقي العربية حتي في ترانيم الكنائس! وما ساعد الموشحات في الانتشار تنوع الأوزان الشعرية وتعدد القوافي، وهو نوع من التجديد المرن والتلاقح العابر للحدود مثلما حدث مع الموسيقي الهندية والأفريقية واليونانية والفارسية والتركية واللاتينية وصولاً إلي آسيا الوسطي وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
»‬جادك الغيث إذا الغيث همي
يا زمانَ الوصلِ بالأندلس
لم يكن وصلُك إلا حُلُماً
في الكري أو خلسة المختلس»
هذا البيت الشعري هو افتتاحية موشح يضاهي شهرة موشح »‬لما بدا يتثني» وهو يبكي عصراً جميلاً ولَّي وزمناً حلواً رحل في رثاء الأندلس؛ دُرة التاج الإسلامي في زمن الفتوحات. ومن أحلي ما في الموشحات أنها تتمايل بين المعاني والموضوعات من العواطف الإنسانية كالحب والحزن والفرح إلي الروحانيات والمناجاة بين الخالق وعبده:
»‬إذا كان ذنبي أن حبّكِ سيدي
فكل ليالي العاشقين ذنوبُ
أتوب إلي ربي وأني لمرةٍ
يسامحني ربي إليك أتوبُ»
يقول الدكتور محمد زكريا عناني أستاذ اللغة العربية بكلية آداب جامعة الإسكندرية في كتاب صدر في الكويت عام 1980: »‬انتهت الأندلس كأسطورة من الأساطير، لكن أطيافها لا تزال تهيم بين الحين والحين، وصدي لحن قديم يسري فتهتزُ له النفوس وأسماء ومعالم لا تزول ما بقي الدهر: »‬الحمراء» ماثلة كزنبقة لا ينطفئ منها العبير أبداً. والموشحات نهر جياش يتدفق بالشذي والرؤي».
»‬أيها الساقي إليك المشتكي
قد دعوناكَ وإن لم تسمع»
وكانت إذاعة بغداد مهووسة بهذا الموشح في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لمجموعة الغناء الإذاعية. وكان طريق أي مطرب غير ريفي للغناء العصري يمرّ حتماً بالموشحات إلي جانب المقامات، فمغني الموشح المتمكن ليست له أي مشكلة مع الألحان والمقامات بكل مسمياتها وفروعها. ولأن الموشحات فن صعب فان مطربين كباراً يهربون من اقتحام أسواره، لكن سيد درويش لحنه وغناه في عشرة تواشيح من بينها: »‬يا شادي الألحان» و»منيتي عزّ اصطباري». وتتوزع مقامات التواشيح بين النهاوند وهو أكثرها شيوعاً والبياتي والرست والعجم والحجاز كار.
»‬طلع البدر علينا.. من ثنيات الوداع
وَجَبَ الشكر علينا.. ما دعا لله داع»
تضاربت آراء الملحنين والمتخصصين في نَسَب هذه الأنشودة الدينية التي استقبل بها أهل يثرب الرسول الكريم (ص) إلي الموشحات من عدمها. والحجة الكبري أنها ليست من الموشحات لأن التوشيح »‬بدعة» أندلسية لم يكن يعرفها المشرق العربي آنذاك كما نعرفها اليوم.
لكن هناك خلطاً شائعاً بين الموشحات الأندلسية والتواشيح الدينية والابتهالات. فهذه الأخيرة دعاء إلي الله سبحانه وتعالي بدون آلات موسيقية. أما التواشيح، وملكها المتوج سيد النقشبندي بصوته الفردوسي، فهي أيضاً بلا آلات موسيقية لكن موضوعاتها لا تقتصر علي الأدعية. بينما الموشحات الأندلسية تشترط الموسيقي لإكمال دورة الطرب.
مرّت قرون علي سقوط دولة الأندلس التي عاشت نحو ثمانية قرون لكن معالم حضارتها لم تندثر؛ غرناطة وإشبيلية وقرطبة وطليطلة. صهيل خيول طارق بن زياد. هذا قصر الحمراء في غرناطة أجمل قصر عربي في العالم شيده الملك أبو عبد الله محمد الأول. هذه قصبة ملقا أو مالقا حيث بقايا حصنها التاريخي وأبراجها الدفاعية.
يصف الناقد المصري صلاح فضل الموشحات بأنها نوع من النظم يختلف عن القصيدة العربية لأن الأصل فيه هو الغناء والتلحين وليس الإلقاء. غير أن هذا لا يمنع أن الأندلسيين جادوا علي الأدب والفن العربيين بفن الموشحات الذي أحدث نقلة نوعية في نظم الشعر ونمطيته وسحر موسيقاه.
»‬ويلاه من نار الهجران.. طول الزمان
من جورِ ذا الظبيّ المُنصان ألفين أمان
عرضت له قال لي.. مالك خذ ما تريد
الحبُ غير أحوالك لأنك عنيد..
ناديت له: قصدي وصالك يا ذا الفريد
يا قامة الغصن المايس والخيزران»
لا تسأل عما فعله شعر وفن الموشحات الأندلسية في شعراء »‬التروبادور» الإسبان. كان هؤلاء ينظمون الأشعار ويؤلفون الموسيقي لإلقائها في قصور الملوك والأمراء والنبلاء. ولاحظ النقاد أن شعراء »‬التروبادور» استحدثوا لاحقاً أوزاناً جديدة في الشعر وألواناً حديثة في الموسيقي، وصاروا يرددون في القصور والأعياد ما نقلوه عن عرب الأندلس من قصص ألف ليلة وليلة وشهرزاد وشهريار وسندباد.
ثمة إجماع بين المؤرخين وعلماء الإجتماع الأوربيين علي أن فتح العرب للأندلس كان أهم حدث حضاري اجتماعي في القرون الوسطي؛ فقد انبعثت من بلاد الأندلس حضارة عالمية تسربت إلي الشعوب الأوربية في مجالات الأدب والفن والعلم ونمط الحياة من الزواج إلي الطبخ إلي الأفراح. كانت الأندلس دولة مترفة ومنيرة ومنفتحة وحافلة. وحين ألقي آخر ملوك قصر الحمراء نظرته الوداعية الأخيرة علي مملكته الغاربة، بكي، فقالت له أمه: ابكِ مثل النساء، مُلكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
.. وما أشبه اليوم بالبارحة.
• صحفي عراقي مقيم بالقاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.