في أسبوع واحد، أقامت مصر احتفالية أسطورية »العودة إلي الجذور»، ولقي شيخ الأزهر استقبالاً رائعاً، في إندونيسيا وسنغافورة وبروناي.. إنها مصر أرض المحبة والسلام، ومنهجها التسامح والوسطية والاعتدال، وهذا سر قوتها واستمرار دورها ورسالتها. في الصف الأول في مسرح القاعدة البحرية برأس التين، جلس البابا تاوضروس، ونطقت الفرحة في عينيه وفي عيوننا جميعاً، ونحن نستمع للوزيرة نبيلة مكرم، مسيحية مصرية مفتونة بحب مصر، ونموذج للمرأة المصرية الرائعة، التي كانت وراء نجاح الاحتفالية، وتتحدث بمهارة واقتدار بلغة عربية سليمة، حازت الإعجاب والتقدير، ولم يكن البابا فقط هو السعيد بها، بل جميع الحضور وفي مقدمتهم الرئيس، الذي فتح الباب واسعاً - لأول مرة في تاريخ مصر - لدخول ست سيدات الوزارة، إيماناً بدور المرأة وأهميتها في المجتمع. أما الإمام الأكبر، الذي أحمل له كل مشاعر الحب والتقدير، فهو نموذج لشيوخ الأزهر العظام، حملة مشاعل الوعي والتنوير والتسامح والمحبة، وكما يحبه المسلمون يحبه أيضاً المسيحيون، ونفس الشيء بالنسبة للأنبا تاوضروس الذي يحظي بحب المسلمين والمسيحيين، وأثبتت تجربة حكم الإخوان في العام الأسود، أن أسباب الحب والتقارب بين أبناء الوطن الواحد، أقوي من أي فتن دينية أو دعاوي متطرفة. الثلاثة »الإمام والبابا والوزيرة» محترمون، وكلمة احترام معناها تقدير حجم مصر وقامتها وكبريائها، وأن يكون من يمثلها في مستواها الذي يليق بها، وأن يتحلي بكل شيء جميل في بلدنا. الإمام، رئيس مجلس حكماء المسلمين في العالم، يستخدم أسلحة »الحكمة والموعظة الحسنة» في استعادة دور الأزهر التاريخي، كمنبر للإسلام الصحيح في العالم الإسلامي كله، وشهد الإمام بعينيه حجم الاستقبال الكبير، الذي يعكس رغبات مسلمي العالم، أن يكون الأزهر حاضراً معهم، ليملأ »ساحة الهداية» الشاغرة التي احتلتها تيارات متطرفة، بعيدة عن روح الإسلام وسماحته وتعايشه مع مختلف الأديان والشعوب. الإمام الأكبر يتسلح بالهدوء والوعي، في التعامل مع مورثات شائكة، زادت أشواكها في حكم الإخوان، نتيجة غلبة الأطماع السياسية علي جوهر الإسلام الحقيقي، واستعادة لتعاليم الإسلام ومنهجه في رفض الفتن والتناحر، وحفظاً للدماء والأرواح، في زمن عودة الفتنة الكبري في أرض الشام والعراق واليمن، التي سلطت سيوف المسلمين علي رقاب المسلمين. البابا تاوضروس، جاء علي رأس الكنيسة في ظروف بالغة الصعوبة كان يمر بها الوطن، فلم يلجأ إلي العناد والاعتكاف، وإنما أدرك ببصيرته أن الخطر يستهدف كل أبناء الوطن، وليس الأقباط فقط، وأن الغرب يوظف قضايا الأقباط ليس دفاعاً عن الأقباط، وإنما كأوراق ابتزاز سياسية، تصب في نفس مجري الجماعات المتطرفة، فرفع شعار »وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، ورسخ مفهوم »حماية الأقباط في أحضان وطنهم»، وليس بالاستقواء بالخارج. والوزيرة.. تحركت بهمة وعزيمة لإضفاء لمسات رائعة علي احتفالية »إحياء الجذور»، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، إيماناً بأن قوة مصر الناعمة يمكن أن تكون سياجاً قوياً لمصالحها السياسية والاقتصادية، وأن التقارب بين الشعوب هو المظلة التي تحمي العلاقات بين الدول.. وهذه هي مصر التي تحتضن في أراضيها كل شعوب العالم، ولا تفرق بين يوناني وقبرصي وسوري وسوداني وعراقي، وجميعهم يعيشون كأبناء الوطن، ورسالتهم: من يحيا في مصر لا يمكن أن يهجرها. مصر تكتسب دورها بعمقها التاريخي والحضاري وفلسفة شعبها الهادئة في احتواء جميع الأديان والشعوب في منظومة واحدة تحت أرضها وسمائها، وآن الأوان أن تهب منها نسمات »الربيع المصري» لاستعادة تأثير القوي الناعمة بكل عناصرها، تحت مظلة دولة محترمة، استعادت نفسها وقوتها.