اعتداءت جنسية، وتضارب مصالح، وابتزاز، وشبهات فساد مالي، وتسريب أسماء المرشحين للجائزة الأدبية، واشتعال أسواق المقامرة حول الشخصيات الفائزة، ومعارك أخري تدور رحاها في أروقة الأكاديمية السويدية، المعنية بمنح جائزة نوبل في الآداب؛ ما جعل القائمين علي الأكاديمية يميلون إلي إلغاء منح جائزة الآداب السنوية هذا العام، لتُمنح العام المقبل لشخصيتين في المجال ذاته. لكن دراسة آليات احتجاب الجائزة الأدبية هذا العام، لم تمنع سيل استقالات أعضاء الأكاديمية السويدية، الذين قرروا انتشال أنفسهم، والاغتسال من مَعين الفساد والتردي الأخلاقي، بحسب تعبير صحيفة »دجينس نيهتر» السويدية، التي رأت أن العالم سيقف أمام فضائح أروقة عاصمة الثقافة السويدية، ولن يشغله كثيراً إرهاصات اندلاع حرب عالمية ثالثة. قبل أسبوعين تقريباً، تحول اهتمام نشرات الأخبار السويدية من الحرب الدائرة في سوريا إلي الواقع الدراماتيكي في أكاديمية نوبل، ودار الحديث حول فساد الجهة المعنية بتحديد هوية الحائزين علي نوبل في الآداب؛ وفي إطار هذا الواقع انقسم أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 18 عضواً إلي معسكرين، وفي حين أيد المعسكر الأول احتجاب الجائزة هذا العام، رفض الفريق الآخر تلك الخطوة. اعتداءات وتحرش بالعودة إلي الأشهر القليلة الماضية، كشفت صحيفة »دجينس نيهتر» السويدية عن شكاوي تقدمت بها 18 سيدة، وأكدن فيها تعرضهن لاعتداءات وتحرش جنسي من قبل المصور السويدي – الفرنسي جان كلود أرنو، لكن الأخير الذي نفي بطبيعة الحال الاتهامات المنسوبة إليه، يعد من أبرز الدوائر الثقافية في السويد. ورغم أنه ليس عضواً في أكاديمية نوبل، إلا أنه متزوج من إحدي العضوات في الأكاديمية، وهي الشاعرة كاترينا فروستونسون، وعن طريقها أصبح من أبرز الشخصيات المطلعة علي ما يجري في المؤسسة، وبات مقرباً إلي حد كبير من دوائر صنع القرار في المؤسسة الثقافية باستكهولم. وفي إطار تلك الأزمة، خسرت الأكاديمية السويدية الغطاء والتأييد الذي كانت تحصل عليه من مختلف الأجهزة الثقافية، خاصة بعد أن كشفت التحقيقات الداخلية عن فضائح أخري، تفوق في إثارتها تحرش المصور جان كلود أرنو ب 18 سيدة؛ إذ أظهرت لوائح الاتهام أن أرنو كشف عن أسماء عدد من الشخصيات الحائزة علي الجائزة العالمية قبل الإعلان الرسمي عنها في وسائل الإعلام، وجاء في طليعة تلك الشخصيات الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا، التي حصلت علي نوبل عام 1996، وكذلك الموسيقي الأمريكي بوب ديلان، الذي حصل علي الجائزة ذاتها عام 2016. تسريب معلومات رغم أن عملية ترشح الأسماء للجائزة تجري في إطار بالغ من السرية، إلا أنه وفقاً لشهادة شخصيات ضالعة في القضية، اعتاد المصور أرنو علي تلقي كافة التفاصيل المتعلقة بهوية الحائزين علي الجائزة قبل الإعلان عنها، كما دأب علي تسريب تلك المعلومات إلي محافل مختلفة في السويد وخارجها؛ وبعيداً عن المساس الصارخ بهيبة الأكاديمية السويدية، لم تستبعد دوائر التحقيق احتمالية حصول المصور السويدي – الفرنسي علي أموال طائلة مقابل تسريب أسماء الفائزين، لاسيما أن عملية اختيار الفائزين داخل المؤسسة تجري بالتوازي مع حلقات المقامرة في الخارج حول الأسماء الفائزة. الأكثر من ذلك، هو انطواء تلك الجلبة علي مفارقات مثيرة داخل المؤسسة، فرغم أن الأمين العام الدائم للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم سارة دانيوس قررت قطع العلاقات مع المصور أرنو، إلا أنها لم تقدم شكوي إلي الشرطة بخصوص التسريبات وتضارب المصالح؛ وفي حين حاولت الإطاحة بزوجته من الأكاديمية، واجهت تعثراً في تلك الخطوة النادرة، التي تتطلب وفقاً للبروتوكولات المرعية إجراء عملية تصويت بين أعضاء المؤسسة. في تلك المرحلة، انقسمت المؤسسة علي نفسها إلي فصيلين، أحدهما يؤيد سارة دانيوس، بينما يدعم الآخر الشاعرة فروستونسون، وإزاء ذلك دار الصراع في البداية بعيداً عن الرأي العام، وجرت عملية التصويت، لكن الخسارة كانت من نصيب معسكر دانيوس؛ وعندئذ تخلي الضالعون في القضية عن إجراءاتهم الداخلية الهادئة والعقلانية، لتندلع حرب علنية، تتحدث عنها كافة وسائل الإعلام في السويد وخارجها. أسلوب إدارة تشير صحيفة »دجينس نيهتر» إلي أن حالة الصخب التي سادت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، أفضت إلي استقالة عدد كبير من أعضائها، أبرزهم أمين عام المؤسسة سارة دانيوس، وهي أستاذ في الآداب، وحركت استقالتها انتقادات ثقافية وشعبية عنيفة في مختلف أرجاء العالم حول أسلوب إدارة المؤسسة. وفي العام 1786، وضع ملك السويد الأسبق جوستاف الثالث حجر أساس الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، المستوحاة من الأكاديمية الفرنسية، وكان الهدف منها الحفاظ علي نقاء وقوة ورفعة اللغة السويدية. وبعيداً عن كونها معنية بالفصل في تحديد هوية الحائزين علي جائزة نوبل في الآداب كل عام، وهي المهمة التي حملتها علي عاتقها حينما تأسست الجائزة في 1901، عملت الأكاديمية علي مدي أكثر من قرنين علي إصدار عدد كبير من القواميس والمعاجم، بالإضافة إلي توزيع الجوائز والمنح الدراسية. ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن الصحفي السويدي المتخصص في الملف الثقافي، أحد أبرز الكوادر الثقافية في الإذاعة السويدية الرسمية متياس برج، لم تكن الأكاديمية معنية بتحمل مسئولية منح جائزة نوبل في الآداب، لكنها أخذت علي عاتقها تلك المهمة، وبات تاريخها مرتبط بتاريخ الجائزة، فالأكاديمية أصبحت منذ ذلك الحين قصر مملكة عالم الثقافة السويدية، أما بالنسبة للسويديين، فتعتبر مؤسسة فكر مستقلة وذات طابع خاص؛ فالأكاديمية ليست جامعة، وفي المقابل ليست مركزاً بحثياً، وإنما هي كيان بين هذا وذاك؛ أما من يحصل علي موقع بين أعضائها ال 18، فقد نال شرفاً لا يضارعه شرف، بحسب الكاتب السويدي. نقاط ضعف في المقابل يري معد تقرير الصحيفة أن تاريخ الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أصبح إحدي نقاط ضعفها، فلكونها مؤسسة صيغت التشريعات المنظمة لعملها إبان القرن الثامن عشر، لا تحتل جدول أولوياتها قيماً مثل الديمقراطية والشفافية، إذ إن انتخاب أعضائها الجدد يجري في إطار اقتراع سري بين الأعضاء، ومن يقتنص فرصة العضوية في الأكاديمية لا تفارقه إلي الأبد، فلا يجوز وفقاً لمنظومة القوانين الداخلية تغيير العضو أو حتي خضوعه للرقابة العامة. أما نشاط الأكاديمية، فيديره عضو، يرشحه زملاؤه خلال انتخابات سرية لأداء المهمة؛ ويعد ملك السويد حتي الآن هو الوصي علي المؤسسة؛ أما البروتوكولات وجميع الجلسات والمباحثات التي تجري فيها، فتدور في إطار بالغ من السرية. مع ذلك، ورغم الطابع الذي عفي عليه الزمن في إدارة المؤسسة، وربما بسببه، تعد الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم دائماً جزيرة للاستقرار الفكري، لكن كل ذلك تحطم تماماً قبل أقل من أسبوعين، علي خلفية الفضائح التي مزقت أوصالها. خطوة للخلف وفي سياق لقاءات مع إذاعة السويد الرسمية، رأي مصدر من داخل الأكاديمية أنه ينبغي في إطار تلك الفضائح رجوع القائمين عليها خطوة للخلف في محاولة لإعادة الثقة فيها، وإصلاح الأضرار التي لحقت بها. أما أمين المؤسسة المؤقت أندروس أولسون، فأكد أنه تجري في الوقت الراهن مباحثات حول القضية. لكن بيتر أنجولوند، الأمين السابق للأكاديمية، وأحد أعضائها السابقين، فأعرب عن تأييده لاقتراح احتجاب جائزة الآداب هذا العام، وقال: »سيكون من الأفضل في ظل هذا الواقع المتردي العزوف عن توزيع جائزة الآداب لهذا العام». في المقابل لا يميل أعضاء آخرون إلي تبني هذا الاقتراح، ومن بين هؤلاء عضو الأكاديمية يوران ملمكفيست، الذي قال: »صحيح أن شخصاً ما اقترح ذلك خلال اجتماعنا الأخير، لكنني أري أن الميل إلي تفعيل هذا المقترح يعد ضرباً من الجنون المؤكد». وتعد جائزة نوبل للآداب، إحدي الجوائز الخمسة التي أسسها رجل الصناعة، المخترع السويدي ألفريد نوبل، حينما اختار الأكاديمية السويدية، التي أقامها ملك السويد الأسبق جوستاف الثالث عام 1786 لتوزيع الجائزة؛ وحصل عليها حتي الآن 114 مبدعاً ومبدعة من بينهم أرنست همينجواي، وألبير كامي، وتوماس مان، وتوني موريسون، وصموئيل بكت، وجوزيه ساراماجو. وأثارت الجائزة خلال السنوات الماضية موجات غير قليلة من الخلافات والجدل في وسائل الإعلام، وكان من بينها علي سبيل المثال حصول الأديبة والشاعرة الألمانية هيرتا مولر عليها، وكذلك الحال بعد حصول الموسيقي الأمريكي بوب ديلان علي الجائزة ذاتها.