في مثل هذا اليوم سقطت بغداد »قلعة الأسود»، علي يد بوش الابن، ولم يختلف مشهد السقوط الذي حدث يوم 9 أبريل 2003، عن اجتياح المغول المروع، الذي حدث منذ 700 سنة، في 10 مارس 1258، علي يد هولاكو، ولا تختلف نهاية »المستعصم بالله» آخر الخلفاء العباسيين، عن »صدام حسين» آخر الزعماء البعثيين، وسبحان الله صورة طبق الأصل. عثروا علي صدام مختبأً في حفرة تحت الأرض، وساقوه إلي المشنقة فجر عيد الأضحي، بعد أن فحصوا أسنانه، وعقموه بالبودرة المضادة للحشرات، وقبل ذلك قتلوا ولديه »عدي» و»قصي» وعرضوا جثتيهما عرايا علي ألواح خشبية في العاصمة بغداد، وما أصعبها لحظات حزينة علي القائد الذي كان ركنا مهيبا، وهو يري فلذات كبده مذبوحين كالشياة، وجثتيهما ممزقة ومقطعة أشبه بما حدث للعقيد معمر القذافي. وكأن التاريخ هو هو، فقد ذُبح ولدا المستعصم أمامه بنفس الطريقة والأسلوب، بعد أن وقعا في أسر المغول، وإذا كان صدام مات شنقا، فتتعدد روايات موت المستعصم آخر خلفاء العباسيين، إحداها تقول إنه تم حبسه في إحدي خزائنه الحديدية المليئة بالذهب حتي مات جوعا، وقيل إنه وضع داخل »جلد بقر» وضُرب رفسا بالأقدام حتي مات، وقيل بل خنق وقيل بل أغرق، ولا يعلم أحد حقيقة كيف كان قتله ومكان قبره، وكان عمره يومئذ 46 سنة وأربعة أشهر. كان المستعصم بالله قبل اجتياح قصره في بغداد، مستغرقا في الاستمتاع بمهارة راقصة اسمها »عرفة»، وبينما كانت ترقص وتتمايل وتقفز في الهواء، جاءها سهم قاتل من قناصة هولاكو الذين يحاصرون أسوار القصر، أسقطها مخضبة بالدماء بين يديه، وفي نصله ورقة مكتوب فيها »إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم»، بالفعل كان هولاكو خان يطوق بجنوده قصر الخليفة، وكان الخليفة محاصرا بالراقصات وفتيات المتعة، ويمتلك كنوزا من الذهب والمجوهرات، وضعها في خزائن كالبحيرات، ولم يسلح بها جيشه، وانتهي حكم العباسيين الذي استمر خمسة قرون، وسقطت بغداد بوابة العرب الشرقية. وبينما كانت جحافل بوش الابن علي أبواب بغداد، كان »دوبلير» صدام حسين يتجول في الشوارع، رافعا يديه بالتحية العسكرية ومصافحا المارة، الذين لا تعرف من أين جاءوا ولا أين ذهبوا، وكان وزيره الصحاف يتحدث للصحفيين، عن دحر العدو وقطع مؤخرة العلوج وتصفيتهم، وهم علي أبواب القصر الرئاسي، ولا فرق بين الراقصة »عرفة» والمهرج »الصحاف»، فكلاهما من الذين ذهبت عقولهم في سيرك التاريخ، وأضاعوا جيوشا وأوطانا وشعوبا، ويا ويل أمة يبتليها الله بهذا الصنف من الحكام. التاريخ يعود متختبئاً في أقنعة الزمن، مسترجعا نفس الشخوص ومستوحيا نفس الأحداث، ولأن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يستوعبون، فإنهم يلدغون من نفس الجحر مرة ومرتين وعشراً، ولم يدركوا إلا بعد فوات الأوان، أن سقوط بغداد الأخير الذي فرح له بعض العرب وهللوا وكبروا، هو الذي جاء بإيران إلي قلب المنطقة، فأصبحت تسيطر علي أربع عواصم عربية، ومن الصعب أن تنجب الأمة سيف الدين قطز من جديد، ومن المستحيل أن تتحد إرادتها لتكرار ملحمة عين جالوت. أعداء العرب هم الذين يستفيدون من أحداث التاريخ، ويستخلصون الدروس ويبثون الفتن والفرقة والتشرذم، فصنعوا الإخوان والحوثيين والقاعدة والجهاد وحزب الله وداعش، وأمثالها من جماعات الشر، ليشعلوا حروبا أهلية وقودها الأديان، وفرسانها دُمي غبية تقاتل بعضها كأشرس الأعداء، ثم يجيء العدو الأكبر فيجدهم كيانات منهكة، يسهل القضاء عليها.