بعد أن وقعت بلادنا ضحية عمل إرهابى قذر، علينا فورا وبأسرع وقت القفز خارج حفرة الانفجار، فليس فى وسع أحد أن ينظر إلى المستقبل وهو قابع فى حفرة من صنع غيره. من هنا نقفز إلى صلب الموضوع مباشرة، فالبكاء على اللبن المسكوب لن يفيد فى شىء، بل على الأرجح هدف من خطط لتلك العملية أن نبقى فى الحفرة ولا ننظر خارجها ليتحقق له ما أراد. السؤال هنا: وماذا بعد؟ ماذا بعد أن اكتشفنا أننا وقعنا ضحية عملية إرهابية.. لا يوجد ما يمنع من تكرارها؟ المستهدف من العملية هو الدولة المصرية بكاملها وليس أيا من تفاصيلها، أخطر ما يهدد الدولة المدنية الحديثة فى مصر الآن هو جيل من القيادات الوسيطة اختلط عليه الأمر وفقد إحساسه بهوية الدولة المدنية وأصبح يحكم على الأمور وفى شئون المواطنين بما يراه هو وليس وفق أحكام الدستور والقانون. العملية التى أوجعت قلوب كل المصريين جرت بناء على تخطيط ركز على استغلال مناخ متوتر ساد فى الفترة الأخيرة فى مصر أسماه البعض احتقانا طائفيا بسبب نزاعات بين مسلمين وأقباط حول بعض الموضوعات المعلقة منذ بعض الوقت مثل بناء الكنائس، ومثل الزوبعة التى خلقها بعض المتطرفين حول ما أسموه حركات التنصير أو الأسلمة على كلا الجانبين. تصور مخططو العملية أن استهداف المسيحيين بعملية انتحارية، أو سيارة مفخخة يوقع خسائر كبيرة كما حدث، سيوجه الاتهام مباشرة إلى الطرف المسلم وتبدأ الدائرة الجهنمية فى الإحاطة بالجميع، ربما يكون فى المخطط متابعة العملية بتفجير مسجد أثناء صلاة الجمعة ليتوجه الاتهام إلى المسيحيين كرد انتقامى، وتتحول مصر إلى مسرح مأساة دموية مثلها مثلما يحدث فى دول مجاورة مثل لبنان والعراق. تدارك العقلاء الأمر وبدا أنهم سيطروا على الموقف، وأقر الجميع بأن الجريمة إرهابية وليست طائفية بالمرة وإن اتخذت الطابع الموحى بذلك، لكن هذا لا ينفى الحقيقة المؤكدة وهى أن غضبا مكتوما، وحزنا دفينا لا يزالان محبوسين فى النفوس ليس من أثر الجريمة التى وقعت ولكن من الحال الذى أدى إلى هذا الموقف الملعون. على أية حال الجريمة البشعة أيقظت البلد كله ونبهت إلى خطر الاسترخاء فى مواجهة الإرهاب.. هنا نقول ونشدد على أن القضية ليست قضية إجراءات أمنية، بل ونحذر من الاستغراق فى تلك النظرة. نحن فى مصر لدينا الدولة القوية ولدينا القانون ولدينا الأمن القائم على الدولة القوية والقانون، وحين يتجه الإرهاب إلى توجيه ضربته فى مصر فهو يستهدف الدولة القوية والقانون، لذلك يجب الانتباه إلى جوهر الموضوع وعدم الانخداع بالظواهر. المستهدف فى العملية الإرهابية هو الإجهاز على مشروع الدولة المصرية المدنية القوية التى بدا من بعض السلوك العام فى الآونة الأخيرة أن الضعف بدأ يعتريها، وعلى حد تعبير بعض من سمعتهم من المحللين، بدأت تظهر شواهد تدل على أن الدولة الدينية تزحف على جذورها القوية بما أوحى للبعض أن النهاية قد اقتربت وما بقى إلا الضربات الأخيرة، ولا توجد وسيلة أفضل من إثارة حرب أهلية بين المسلمين والأقباط فى مصر للإجهاز نهائيا على الدولة المدنية المصرية والزج بها فى النفق المظلم. مع احترامى لكل الإجراءات الأمنية التى تم الإعلان عنها لمكافحة الجريمة الإرهابية، وهى لا شك فى أنها مفيدة، إلا أن الإجراءات السياسية لحماية الدولة المدنية تبقى الأهم والأكثر خطورة وصعوبة لأنها فى الواقع تبدأ من توافر الإرادة السياسية المبنية على الاقتناع حقيقة بفض الاشتباك بين مسألة الدين وبين وسائل الحكم وإدارة الدولة، والانتباه إلى القيادات فى إدارة الدولة التى لا تدرك معنى هوية الدولة الدينية، ولا نتيجة العبث فى هذا الصمام الخطير.