نحن نعيش فى وطن، يتأهب لاستقبال الموكب الدينى المتأسلم، بالورود والزغاريد المنطلقة من تحت النقاب.. لكى يستقر، بعد جهاد طويل، ويحكم باسم الدولة الدينية. أعرف تماما أن هناك البعض، الذين يستبعدون تماما، تحول مصر إلى دولة دينية. أحترم رأى هؤلاء. لكنى أسألهم، ب«أمارة إيه»؟!! تستبعدون تماما، حكم الدولة الدينية فى مصر ؟! إن قيام، وترسيخ الدولة الدينية لن يحدث فى يوم، وليلة، أو حتى فى ثلاثين، أو فى خمسين عاما، أو فى قرن من الزمان. المهم، أن تلقى البذور، فى التربة المهيأة، فى الوقت الملائم.. والصبر الطويل جدا، حتى موسم الحصاد الرسمى.. وموسم الحصاد الشعبى. وفى مصر، تم الانتهاء من زرع الألغام الدينية فى جميع الطرق.. والحارات والمدن، والقرى، والنجوع والمديريات والمحافظات والأقاليم. فى مصر تم ببراعة شديدة، إقحام التفكير.. الدينى.. الذكورى. السلفى فى الثقافة، والإعلام المرئى.. والإعلام المقروء. والإعلام المسموع.. والجامعات والنقابات. والأندية الرياضية.. والمكتبات العامة والباعة والأكشاك على الأرصفة.. وجميع الوزارات والهيئات، والاتحادات والجمعيات وخطب الجوامع. وبرامج الأحزاب وملصقات الشوارع وفى جميع وسائل النقل الحكومية.. وفى التاكسيات.. وفى القطارات والمطارات وكل المحلات التى تبيع مختلف السلع، والخدمات والمدارس، والحضانات والجامعات. أينما نذهب، شمال، يمين، فوق أو تحت، نجد الشوارب الذكورية وإرهابها الدينى.. برا، وبحرا، وجوا.. فى البلكونات.. والشبابيك.. وعلى السلالم.. داخل محلات البقالة.. وجوه ورش السمكرة.. وتصليح العربيات.. وفى سير المناقشات، والأحاديث بين الناس.. فى الشوارع فى التليفونات.. فى الميكروفونات. فى المعارض.. فى المهرجانات.. إلى باقى الحياة. أحترم رأى هؤلاء البعض، لكننى أتساءل بدهشة تتزايد كل يوم : ب«أمارة إيه»، يستبعدون الدولة الدينية، من حكم مصر؟!! نجحت التيارات الإسلامية، السياسية، الذكورية، الرجعية، السلفية، المظلمة، المتزمتة.. المتطرفة.. الجامدة.. فى أن تجد «أعشاشها»، داخل العقول، والنفوس، والسلوكيات، والكلام، والجرائد، والأغنيات، ومناهج التعليم.. وإعلانات التليفزيون، التى لا تصور الرجال، إلا بالجلاليب البيضاء.. كباراً وصغاراً.. والنساء بالعباءات، والحجاب، والنقاب. فاضل إيه، بعد أن يتحول العقل من التفكير العلمى، العلمانى، المدنى، إلى التفكير الغيبى، الدينى، المالك وحده الحقيقة، والنساء، والمصير، والأحلام ؟ فاضل بس، «الياطفة » ؟ كم هى سعيدة، تلك التيارات السياسية، السلفية، كارهة الحياة، المعقدة من النساء، والجمال، والمباهج، لأنها، تمكنت من «العقول».. وترسخت فى «السلوكيات».. وكسّرت كل طوبة مدنية، فى البناء المصرى المدنى. وإذا تمكنت من العقول، والسلوكيات.. وأصبحت كما نرى الآن، تحاصرنا، تصادرنا، تراقبنا.. تحكمنا حتى فى الهواء الذى يدخل إلى صدورنا، فهى إذن، لم تعد فى حاجة إلى العنف الجامد المباشر، كما كانت عادتها. كل الذى تحتاجه، هو المزيد من الصبر.. فهى مسألة وقت، ليس إلا. يقولون - وهذا صحيح إلى حد كبير - إن العرف، فى أحيان كثيرة، «أقوى» من القانون. ماذا يفيد، إذا كان القانون يحتفظ بالصفة «المدنية»، لكن العرف، الشعبى، دينى، وهو الحاكم.. وهو فتوة الحارة.. وهو الناهى، والآمر، فى نهاية الأمر؟ «القانون» «مدنى».. و«العُرف» «دينى». هذا هو حالنا اليوم. يا فرحتى، لما يصدر حكم «مدنى»، ثم ينفذ على أيدى ناس لهم تفكير «دينى» ؟ إن الدولة الدينية، خلاص، قد تم تدشينها، وإقامتها، والاحتفاء بها، فى «العقل».. وهذه هى المأساة اليومية التى نعيشها.. هذه هى الحقيقة، التى لا يريد البعض، الاعتراف بها، ولا أدرى لماذا هذا الإنكار.. إن الإنكار، لن يفيد، إلا أن يطيل مدة الغيبوبة الساذجة، التى نعيشها.. و«يقصر» مدة وضع «يافطة» الدولة الدينية المصرية. إن الإنكار، «تحالف» مع التيارات السياسية، الذكورية، السلفية.. لأننى إذا لم أعترف، باستقرار الخطر، لن أفعل شيئا، لمواجهته.. أو أفعل أشياء «خايبة».. لا تستأصله من الجذور. أقول لهؤلاء البعض، الذين يستبعدون تماما، تحول مصر إلى دولة دينية، ماذا تنتظرون؟ هل مثلا، تنتظرون، إنشاء الخطوط الجوية المصرية الدينية، والإسلامية؟ «Islamic Egypt Air» التى لا تطير إلا بقراءة القرآن، ولا توظف إلا ذكور الجلاليب، ولا تطير إلا إلى المدن الدينية، وتحظر المشروبات الكحولية.. وغير المسلمين.. وتبنى جامعا، بجانب كابينة الطيار، الذى يترك قيادة الطائرة، كلما جاء أوان الصلاة؟!؟ من بستان قصائدى حينما يتكلم القتلة عن الرحمة ويتكلم الجناة عن العدل ويتكلم الأغنياء عن الفقر أشعر أننى فى مهزلة فاجرة ليس منها مفر