أطلق منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد مفاجأة من العيار الثقيل، أظن أنها ستكون أحد الملامح الرئيسية المميزة لانتخابات 2010 فقد سجل سكرتير حزب الوفد المعارض أول خطوة صحيحة في الطريق الصحيح لتعامل أحزاب المعارضة مع جماهير الشعب المصري التي اعتادت التعامل مع الحزب الوطني الحاكم المسيطر، واعتبرت أنه بابا وماما اللذان يقع علي عاتقهما إصلاح الأمور التي ساءت من بعض نواحيها خلال الأعوام القليلة الماضية. سبق أن قلنا إن الشعب لا يثق في كلام المعارضة ولا في رموزها، ربما يردد البعض من العامة والخاصة الحديث عن سوء بعض الأوضاع، ولكن من باب الضغط من أجل إصلاحها وليس أملا في استبدال المعارضة بالحكومة، لسبب بسيط وهو أن الخطاب السياسي للمعارضة خطاب غير واقعي وغير عملي يهيل التراب علي كل شيء ويتهم الحكومة «بتعمد» اختيار العناصر غير الصالحة لإدارة الدولة، وهذا الكلام قد يردده البعض من باب التندر، لكن لا يقبله عقل ولا منطق. المفاجأة التي أشرت إليها في تصريحات سكرتير عام الوفد المعارض هي اختلاف النبرة والمنطق عن ذي قبل في تطور فكري له مغزاه، قال عبد النور في تصريحات واضحة لا تقبل اللبس إن الأوضاع الداخلية في مصر تحسنت، حيث ازداد عدد السيارات واتسعت دائرة الطبقة الوسطي وهي في طريقها للزيادة، كما ارتفع عدد المتعلمين، فضلاً عن حرية الإعلام والصحافة لكن مع استمرار الفقر، وفسر ذلك قائلا: «كل ما يقوله الحزب الوطني له أساس من الصحة، لكنه أقل مما يفترض أن تكون عليه الأوضاع». في نفس الوقت هاجم سكرتير عام حزب الوفد خطاب المعارضة المصرية سواء من الإعلام أو الأحزاب أو الجمعيات المعارضة بأنه أصبح في الفترة الأخيرة متطرفا في ألفاظه، متخطيًا حدود اللياقة ومزعجا، بالإضافة إلي أنه أصبح غير موضوعي، ووصف خطاب الوفد بالهادئ والموضوعي نسبيا. آثرت أن أنقل التصريحات كما نشرتها الصحف وسمعها البعض من الناس في البرنامج الحواري المشهور العاشرة مساء لأنها تتضمن دلالات عميقة من وجهة نظري التي التقطت تحفظات البعض علي ما جاء بالتصريحات علي اعتبار أنها جزء من صفقة بين حزب الوفد وبين الحزب الوطني. يقول المتحفظون علي النشاط الحيوي الحالي لحزب الوفد إن الوفد حظي بموافقة الوطني علي ترك بعض الدوائر له مقابل المشاركة في الانتخابات وإفشال المقاطعة التي تنادت بها بعض القوي المناهضة لنظام الحكم والمعارضة له. يقوم الوفد في المقابل بتحسين صورة الوطني أمام الرأي العام، ومن عناصر الصفقة إسكات الصوت المتطرف في جريدة الدستور من خلال صفقة لشرائها ثم تصفيتها، وفي المقابل سمحت الحكومة للوفد بالدعاية لنفسه في تليفزيون الدولة بأجر. للأسف هذا ما يتردد في بعض منتديات من يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع، ولا يكلف أحدهم نفسه مشقة تأمل المواقف واستخلاص العبر منها. تصريحات سكرتير عام الوفد التي قدمنا بها تفيد بأنه أعلن علي الملأ أنه يري بعينيه الواقع كما هو من زاويته التي قد تبدو مختلفة عن زوايا الآخرين، ولكننا نتحدث في ذات الوقت عن شيء محدد وملموس وهو حقيقة ما يجري علي أرض الوطن، ليس معني المعارضة الإنكار وادعاء وجود مرض بالأعين حتي لا تري ضوء الشمس، وإنما معني المعارضة هو أن نفتح أعيننا مع الناس لنعترف بأن ما حدث في الواقع حقيقة غير قابلة للإنكار مع تسجيل تحفظاتنا، وطرح رؤانا لتحسين الواقع أي تغييره إلي الأفضل. لن يثق الناس مطلقا بأشخاص يزعمون أن السنوات التي مرت عليهم بدون إنجازات، وأن محاولات الحكومة لتحسين الأوضاع فشلت تماما وكأنها «مفيش»، لأن الحقيقة غير ذلك، قد يساير الناس بعضهم بعضا في الشكوي من الأوضاع بصفة عامة بسبب الغلاء وارتفاع مستوي المعيشة الذي جعل الناس تلهث وراء الاستهلاك، لكن حاولت الحكومة أن تبقي علي الدعم للسيطرة علي الأسعار ،ربما تكون الإجراءات غير كافية، ربما يطالب الناس بالمزيد، ربما يقترح المعارضون سياسات بديلة أو مساعدة، لكن المؤكد أن إنكار ماحدث تماما يهدم المصداقية ولا يبعث علي الثقة. لم يكن «عبد النور» في تصريحاته التي اعترف فيها بإنجازات حدثت بالفعل للحزب الوطني الحاكم يقوم بعمل دعاية مبكرة للحزب الحاكم ردا علي موافقته علي نشر إعلانات عامة باسم الوفد في تليفزيون الدولة، وإنما كان يعبر عن خط فكري جديد يمثل العمود الفقري لكيفية التعامل مع الرأي العام المستنير في الدول الديمقراطية.