هل من الممكن أن تشهد الانتخابات النيابية المقبلة غياب الشعارات الدينية من الدعاية الانتخابية.. ثم كيف يمكن - وهذا هو الأهم - أن تضمن لنا آليات الحماية القانونية والدستورية المختلفة تكافؤ الفرص بين المرشحين وعدم تضليل الناخبين بشعارات تستجدي المشاعر الدينية دون أن تقدم حلا سياسيا وبرامجيا محددا لمشاكل هذا الناخب؟ وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية وحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في أعقاب انتخابات الشعب المنصرمة 2005 فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي مرشح في الانتخابات المقبلة سواء كان هذا المرشح مسلما أو مسيحيا استخدام الشعارات الدينية في دعايته الانتخابية. إلا أن الواقع الآن - بحسب ما هو مشاهد - يؤكد بأن الانتخابات البرلمانية المرتقبة سوف تشهد بعض التجاوزات من قبل بعض المرشحين إذ بدا هذا واضحا في قيام إحدي المرشحات القبطيات بالصعيد باستخدام إحدي الجوائز التي حصلت عليها من الكنيسة وتحمل علامات دينية مميزة ووضعها بين دعايتها الانتخابية!.. وهو ما تزامن أيضا مع إعلان «محمد بديع» مرشد جماعة الإخوان «المحظورة» بأن الجماعة لن تتخلي عن شعار الإسلام هو الحل في الدعاية الانتخابية لأنه علي حد قوله شعار قانوني لا غضاضة فيه! هذه الصورة التي عكست ظهورا مبكرا للشعارات الدينية خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، هي التي دفعت اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الذي توقع هذا الأمر قبل 3 أسابيع للتحذير بقوة من استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية.. وأنه سيتم اتخاذ إجراءات حازمة وفورية حيال رفع هذه الشعارات. في المقابل استندت اللجنة العليا للانتخابات في تحذيرها من استخدام الشعارات الدينية إلي قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أعطي لها في المادة 43 منه الحق في وضع الضوابط التي تنظم الحملات الانتخابية وسقف الاتفاق عليها وطرق التحقق من الالتزام بها والإجراءات والجزاءات الواجب اتخاذها عند الإخلال بهذا الالتزام. وأعطت المادة 64 من نفس القانون الحق لكافة المرشحين عن المقاعد الفردية أو ضمن القوائم استخدام وسائل الدعاية المتاحة وفقا للقواعد التي تضعها اللجنة العليا للانتخابات مراعاة نص المادة الخامسة من الدستور إذ حظرت هذه المادة علي المرشحين أو مناصريهم تقديم أية أموال تحت مسمي صدقات أو هدايا أو غيرها لجمهور الناخبين أو تقديم مساعدات عينية أو مادية لبناء دور عبادة أو ترميمها أو توسيع مراكز خدمات اجتماعية قائمة أو بناؤها أو غير ذلك من الهبات أو المساعدات والهدايا حتي لو لم يكن القصد منها التأثير علي إرادة الناخبين. أحمد عبدالهادي رئيس حزب شباب مصر قال لنا: إن الأحزاب لا تملك سلطة التصدي لمن يستخدم الشعارات الدينية في الانتخابات وما تملكه هو التقدم بطعون أو مذكرات للنائب العام وللجنة العليا للانتخابات. معلنا أنه سيتقدم ببلاغ غدا «الأحد» أو بعد غد للنائب العام واللجنة العليا للانتخابات ضد جماعة الإخوان «المحظورة» لمخالفاتها الصريحة في استخدام شعار الإسلام هو الحل للنصب علي الناخبين. وقد كشف الحزب أثناء جولاته في المحافظات بالقري خلال الأسابيع الماضية أن الإخوان يستخدمون هذا الشعار وقمنا بتصويره لتقديمه كدليل في بلاغنا. وأكد عبدالهادي أنه ضد استخدام الشعارات الدينية لأنها تخالف مبدأ المواطنة وتكشف عن حرب دينية.. وللأسف الشديد لأننا شعب طيب ومؤمن، كان الكثيرين منا بفطرته ينجرف وراء الشعارات الدينية. كانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكما بجواز استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، بعد أن أقام أحد مرشحي دائرة الدقي والعجوزة في الانتخابات الماضية دعوي قضائية ضد كل من حازم صلاح أبوإسماعيل مرشح الإخوان بالدائرة، ورئيس اللجنة العليا للانتخابات ووزير الداخلية بصفته، طالب فيها بإصدار حكم قضائي بعدم استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية خاصة بعد استخدام أبوإسماعيل هذا الشعار المخالف لأحكام الدستور والقانون. وأصدرت المحكمة برئاسة المستشار فاروق عبدالقادر حكمها برفض دعوي المرشح وبأحقية أبوإسماعيل في استخدام شعار «الإسلام هو الحل». وقالت المحكمة في أسباب حكمها أن المادة الحادية عشرة من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون 175 لسنة 2005 نصت علي بعض الالتزام في الدعاية الانتخابية بمبادئ الدستور والقانون والالتزام بالمحافظة علي الوحدة الوطنية والامتناع عن استخدام الشعارات الدينية علي نحو يثير الفتنة. ويعتبر من قبيل الانتقاص من هذا الحق الدستوري حرمان المرشح من حقه في الدعاية لنفسه ولبرامجه مستخدما شعار الإسلام هو الحل إذ إن الإسلام هو دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. وهو دين لا يدعو إلي الفتنة ولا يعتنق العنف سبيلا أو أسلوبا لفرض مبادئه وأفكاره. وطعنت هيئة قضايا الدولة علي هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وطالبت بإلغائه لعدم وجود قرار صادر من اللجنة العليا للانتخابات باستخدام شعارات محددة حتي يمكن الطعن علي شعار بعينه كما أن هذا الشعار مخالف للدستور لأنه يحتوي علي التفرقة بين المواطنين المسلمين والأقباط. وبعد ساعات من صدور حكم محكمة القضاء الإداري والطعن عليه أصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار السيد نوفل رئيس مجلس الدولة حكما قضائيا نهائيا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري لانتفاء القرار الإداري. سألنا المستشار فاروق عبدالقادر الذي أصدر حكم محكمة القضاء الإداري عن صدور هذا الحكم وإلغائه فقال: الحكم صدر متفقا والقانون والدستور.. وإذا كان قانون مجلس الدولة ينص علي عدم قبول أي دعوي قضائية خالية من القرار الإداري إلا أنني رأيت الحكم في هذه الدعوي.. وقد فعلت. الدكتور أسامة شلتوت رئيس حزب التكافل الاجتماعي قال لنا: إن أي مرشح أو حزب لا يستطيع أن يقف أمام مرشح يستخدم شعاراً دينيا.. هذه مسئولية اللجنة العليا للانتخابات ووزارة الداخلية. في حين قال اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق: لابد أن تخلو الانتخابات القادمة من الشعارات الدينية لأنها ليست انتخابات جمعيات دينية، وإنما هي انتخابات برلمانية، المرشح فيها مرشح عن كل أفراد الشعب مسلمين وأقباطا وعضو مجلس الشعب يدافع عن جميع أفراد الشعب دون تحيز بسبب الدين أو اللون أو الجنس. ولهذا فأنا أطالب وزارة الداخلية، واللجنة العليا للانتخابات بالإزالة الفورية لأي شعار ديني لأي مرشح سواء كان مسلما أو مسيحيا فهذه هي مسئوليتها.. فمن يستخدم الشعارات الدينية، مثل «الاسلام هو الحل» هو مرشح مفلس ليس لديه برنامج يقدمه للناخبين ويريد استعطافهم بالشعار. وأرجع اللواء بسيوني انسياق المواطنين وراء الشعارات الدينية إلي عدم وعي وثقافة الناخبين ولابد أن يدرك الجميع أن الدين لله والوطن للجميع، ولابد أن يعلم الناخب أن صوته أمانة في يده والدليل علي ذلك أن القانون يجرم الأشخاص المتهمين في قضايا الترشيح لأنه ليس لديه أمانة .. ولهذا فنحن محتاجون إلي توعية الناخبين من خلال الإعلام ورجال الدين في الجوامع والكنائس بأن الصوت الانتخابي أمانة في يده يجب أن يعطيه لمن يستحق وليس من يقول شعارات أو يدفع رشاوي انتخابية. في انتخابات مجلس الشوري الماضية طالب المستشار انتصار نسيم الرئيس السابق للجنة العليا للانتخابات بإلغاء ترشيح أحد مرشحي جماعة الإخوان المسلمين لاستخدامه دعاية دينية، إذ رفع لافتة «الإسلام هو الحل» وألصقها في أحد الشوارع واستخدمها علي شبكة الإنترنت. وقالت اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات إن هذا الشعار مخالف للدستور الذي ينص علي حظر استخدام الدين في الدعاية الانتخابية. وكشفت الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي عن وجود العديد من الانتهاكات التي شابت الحملات الانتخابية في التجديد النصفي لمجلس الشوري 2010 لمعظم المرشحين ولم يراعوا الضوابط المنظمة للحملات الانتخابية، إذ لجأ البعض لاستخدام الشعارات الدينية علي اللافتات وأيضا تم توزيع هدايا مع بعض المواطنين ووعددهم بالتعيين في شركات يملكها بعض المرشحين بالإضافة إلي وضع لافتات وملصقات دعائية علي المنشآت العامة والمباني المملوكة للدولة. المستشار «انتصار نسيم» قال لنا: إنه قام بتوعية الناس خلال انتخابات مجلس الشوري من عدم الانسياق للشعارات الدينية والآن بعد أن تقاعدت أفضل عدم الحديث عن الانتخابات وغيرها من القضايا.. بينما ذهب المستشار أحمد عبدالفتاح رئيس محكمة استئناف القاهرة ورئيس جمعية الجيل الذهبي إلي أنه كي تكون الانتخابات القادمة بدون شعارات دينية، يجب أولا زيادة وعي المواطن المصري بمبادئ المواطنة الحقيقية وفي التعبير عن رأيه السياسي، وأن الدين لله والوطن للجميع ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. وأن الدولة المدنية الحديثة تقوم علي أساس المساواة بين المواطنين وأن يكون المواطن ذا ثقافة سياسية واجتماعية عالية بما يؤهله لاختيار مرشحه علي أساس المواطنة بغض النظر عن دينه. ولابد أن نعلم المواطن أن يختار مرشحه الذي يحقق له مصلحته ويقدم خدماته بغض النظر عن دين المرشح ولا يجب أن ننساق وراء شعار ديني لأن بعض هذه الكلمات تكون مجرد شعارات لجذب الناخب دون أن تحقق شيئا. ولهذا - كما يقول عبدالفتاح - فإنه مع وعي المواطن لابد أن تطبق القوانين والتشريعات بحزم.