أثارت التصريحات غير الحكيمة التى أطلقها كل من سكرتير المجمع المقدس الأنبا بيشوى، والعضو القيادى فى الفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى سليم العوا موجة احتجاج ساعد على تعاظمها أنه بوسع كل من يريد أن ينتقد القطب القبطى أن يوجه قدرا موازيا من النقد للقطب المسلم، والعكس بالعكس. ولا شك لدىّ فى أن ما قاله الرجلان يستحق اللوم الشديد، وقد أدهشنى خطاب العوا أكثر مما أدهشنى خطاب بيشوى، فالأنبا منذ بدأت أتابعه بعد أن ظهرت معه فى برنامج «البيت بيتك»، بدعوة من رئيس تحريره محمد هانى لمناقشة رواية «شيفرة دافنشى»، وهو يبدو لى رجلا بالغ التصلب. ولم تكن تصريحاته هذه إلا خطوة جديدة على طريق قديم. أما العوا فقد نزل بيسر غير مبرر إلى كلام يخالف المعهود عنه من سماحة وعقلانية. ورغم أننى أعتقد أن توجيه اللوم للرجلين واجب، فأنا لا أظن أن المحاسبة الصارمة واردة أو مبررة فى الوقت الراهن. لماذا؟ لأن الحكاية سايبة ع الآخر. وعند هذه الدرجة من السيبان يصعب أن نتوقع محاسبة جادة لأحد، وإن حدثت فقد تعد نوعا من الترصد. أليس هذا ما قيل لكل من انتقد التصرف غير الحكيم وغير المقبول من الأهرام فى صورة طيرتها وكالة أنباء عالمية وعالجها الأهرام بحرية لم يكن أحد يتوقعها حتى فى أقصى مراحل انعزالنا عن العالم؟ ألم يتهم منتقدو الأهرام بالترصد؟ وإذا أردنا أن نتصدى لحالة السيبان والهرتلة المسيطرة على المجادلات العامة فى مصر الآن فأقترح أن نبدأ بمحاسبة خمسة من كبار قادة الرأى العام فى مصر . نحاسبهم معا أو لا نحاسب أحدا: الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والأستاذ محمد حسنين هيكل، وأستاذ الفلسفة الدكتور مراد وهبة وسكرتير المجمع المقدس الأنبا بيشوى والكاتب الإسلامى الدكتور يوسف العوا. لقد ارتكب الأستاذ الأكبر (وهذا هو لقب شيخ الأزهر قبل أن يتحول الى الإمام الأكبر) خطأ دستوريا وسياسيا عندما زعم يوم الأحد الماضى أن مصر دولة إسلامية، مبررا هذا الزعم بما جاء فى الدستور عن دين الدولة الرسمى. ولابد من مواجهة مع الشيخ لوضع النقاط على الحروف، فمن الخطر أن يترك لأى إنسان حق تحديد هوية الدولة، كما فعل السادات عندما رد على أحداث الزاوية الحمراء زاعما أنه «الرئيس المسلم لدولة مسلمة»، والحقيقة هى أنه الرئيس المصرى للجمهورية المصرية. وفى رد الشيخ على الأنبا وفى الظروف المحيطة به ما يذكرنا بالرد غير الموفق من جانب السادات قبل 38 عاما. وارتكب الأستاذ هيكل خطأ كبيرا عندما قرر أن ينهى مرحلة من سرديته التليفزيونية المطولة والمهمة بكلام مثير أحدث بلبلة لا تنكر، خاصة أنه يناقض ما ذهب إليه من قبل حول الكيفية التى انتهت بها حياة مؤسس الجمهورية المصرية وزعيم الأمة العربية الراحل جمال عبدالناصر، وكما هو واضح من كل ماقيل ردا على الأستاذ هيكل فقد حاول أن يبرئ ساحة القائد السياسى والعسكرى لمعركة تحرير سيناء الرئيس أنور السادات من تهمة لم توجه إليه على نحو جاد، وجاءت محاولة التبرئة مشوبة بغموض ينم عن استخفاف بالرأى العام. والأخطر أن هيكل، بما قاله، يواصل ترسيخ فكرة أن رئيسنا اغتيل، فما هو برهانه؟ واعتبر الدكتور مراد وهبة فى مقاله ب«المصرى اليوم» فى 21 أغسطس أن مقاطعتنا للثقافة الإسرائيلية هى مقاطعة للثورة العالمية فى العلوم والفلسفة متناسيا أن العبقرية اليهودية فى العصور الحديثة ارتبطت بالشتات وبالعلاقة العضوية مع العالم الصناعى. وإذا كان لى أن أبدى رأيا فأنا أزعم أن الشتات وليس التجمع فى دولة قومية هو سر فرادة العبقرية اليهودية، وقيام دولة إسرائيل حرم الشعب اليهودى من تفرده. ويقدم سفر التكوين الأصل اللاهوتى لاعتبار الشتات فضيلة لا رذيلة. وقد كرر وهبة مزاعم إسرائيلية سخيفة عندما اعتبر فى مقاله بتاريخ 18 سبتمبر تدمير إسرائيل حدا أقصى لردود الفعل العربية على المشروع الصهيونى. أما الأنبا والدكتور العوا فمعروف ما تورطا فيه. هناك قول مصرى شائع «الكلام ما عليهوش جمرك»، لكن كلام الكبار، خاصة المنشور والمتداول يجب أن يكون عليه جمرك وبأعلى معدل ممكن