تندهش من شدة التشابه بين شخصية «الأستاذ جميل أبوالمعاطي» في مسلسل «ماما في القسم» وبين شخصية الفنان «محمود ياسين» في نفس الوقت الذي تتعجب فيه من درجة النضوج الفني الهائلة التي وصل إليها الفنان القدير والتي تجسدت في هذا الدور شديد البساطة والإنسانية المليء بالتفاصيل الحقيقية والدقيقة جدا التي تمكن الفنان الكبير بمنتهي الحرفية أن يلبيها كلها وينسج منها شخصية تستطيع أن تري فيها كل من أثروا في حياتك مجتمعين. إنها شخصية الأستاذ جميل أبوالمعاطي المعتز بنفسه لدرجة تجعل توقعاته ممن حوله أعلي من الواقع في معظم الوقت ولا يتعارض اعتزازه بنفسه مع تواضعه الشديد ودبلوماسيته في معظم الأحيان.. يبدو أنه يعيش رومانسية حالمة قد ولي زمانها القادر علي تلبية متطلبات المثالية في الوقت الذي يتواصل فيه مع العصر بكل تعاملاته ولغاته ويتقبل التغيير بصدر رحب. سألته: القدرة علي البقاء أمر صعب؟ - الموهبة وحدها أيا ماكان حجمها تعمل وتشتغل لفترة زمنية ثم تذبل لتموت ما لم تدعمها الثقافة والوعي عبر رحلة العمر.. والوعي يأتي في القراءات والدراسات والخبرات المتراكمة والمتابعة. الزمن يكشف عورات المواهب وتدنيها وخواءها لكن لو كان يدعمها العلم تزداد توهجا. لكن ألا تري أنه من الممكن أن تكون مثقفا وقارئا جيدا وغير ناجح؟ - أنا أعني العلم بمعناه الواسع أي تراكم الخبرات ونمو الوعي الذي يسهم في دعم الموهبة والإبقاء عليها. كيف اخترت دور الأستاذ جميل أبوالمعاطي؟ - العام الماضي بعد العيد الكبير مباشرة جاءتني مدام سميرة وقالت لي إنها تريد أن تقوم بعمل جزء ثان لمسلسل «غدا تتفتح الزهور» وكان هذا المسلسل بطولة مشتركة بيننا وحقق نجاحا بارعا واشتهرت أغنيته «حلوة يا زوبة» فوافقتها لكننا عندما ذهبنا إلي الأستاذ يوسف معاطي أقنعنا بتغيير القصة تماما وبعد أول أسبوعين كان بين أيدينا 27 حلقة مكتوبة وجاهزة للتصوير. أنت قمت بدور المدرس في عدد من أعمالك لكن في «ماما في القسم» أداؤك شابه نضوج غير مسبوق؟ - الشخصية مكتوبة علي الورق وكأنها ستخرج منه وتنطق. هل يضايقك وصف أدائك بأنه «يتطور عن زمان»؟ - لا علي العكس إنما أشعر بسعادة بهذا الوصف. الأستاذ جميل أبوالمعاطي كانت لديه قدرة وطاقة من الدبلوماسية والمواءمة التي تجعله قادرا علي التواصل مع الأجيال الشابة بسلاسة.. هل ذلك هو أحد أسرار استمرار نجاحك؟ - «السينما فن شاب» هذه حقيقة أقر بها كل يوم من حياتي.. كثيرون من جيلي يتضايقون مني عندما أقول ذلك.. لكن هذه هي الحقيقة فهل أنا أستطيع مثلا أن أقوم بما يقوم به أحمد السقا في أفلامه؟ بالطبع لا.. هذا عصره. هل رؤيتك لحياتك كانت واضحة أمامك منذ البداية أم أنها تكونت عبر الزمن؟ بمعني هل وأنت شاب في مقتبل حياتك الفنية وجيل رشدي أباظة يفسح لجيلك المساحة كنت تفكر في اليوم الذي تتقدم فيه في العمر وتقرر أن تبقي علي مكانك ومكانتك؟ - في بداية حياتي لم أكن أري نفسي إلا في المسرح فقد نشأت في بورسعيد حيث العشق الحقيقي لفن المسرح، بلد كان ومازال به نادي المسرح وأتذكر ذلك اليوم الذي كنت أسير فيه وأنا لاأزال صبياً صغيراً ومررت أمام فيلا مكتوب عليها نادي المسرح فتساءلت عنها بشغف حتي عرفت أنه غير مسموح لي حتي أن أمر علي رصيفها ثم بدأت أعرف أن حبي للفن لا يكفيه أن أكون مجرد هاو يغوي الفن لكن علي أن أقرأ كثيرا ولم أكن أفكر في السينما علي الإطلاق حتي انتقلت للعمل في السينما فعملت 173 فيلماً ثم انتجت ورصيدي في المسرحيات والأفلام لا ينازعني فيه أحد.. فرؤيتي تتطور لكن بشكل عام «أنا لم يكن لدي استعداد أن اكون أي شيء آخر غير ما وصلت إليه». توقف الأستاذ محمود ياسين وقرر أن يطرح هو السؤال التالي ليذهب بالحوار إلي سياق مختلف قليلا طارحا رؤيته وشكواه التي لا يكل ولا يمل من إعلانها وهي إهمال الدولة لصناعة السينما لأنها صناعة غير استراتيجية حسب قانون 203 شهر يوليو لسنة .91 فقال «إذا سألتني ما هي فائدة أن يكون هناك 60 مسلسلاً في رمضان؟.. أقول لك إن تخلي الدولة عن دعم صناعة السينما تسبب في أنه لم يعد لدينا سينما، فقد كنا فيما مضي ننتج 70 فيلما في السنة بحد أدني، وكان أحيانا يصل عددها إلي 120 فيلما. اليوم لا تجد أن مجموع إنتاج الأفلام في العام 15 فيلما فقط. وهل عملك القادم سينما أم تليفزيون؟ - أنا أقرأ هذه الأيام هذا السيناريو..أخرج سيناريو فيلم اسمه «جدو حبيبي» تقوم بالبطولة فيه أمامي الفنانة الشابة بشري. والفيلم كوميدي. ؟ أعود بك إلي شخصية الأستاذ جميل أبو المعاطي الذي انزعج جدا من خطبة الشيخ إمام الشاب ورأي أنها متشددة أكثر من اللازم.. فما رأيك في أسلوب تدين قطاع عريض من الشباب الذي يتأثر بنموذج الشيخ إمام؟ - أنا خريج حقوق وأهم ما درسته في هذه الكلية مادة الشريعة الإسلامية والأحوال الشخصية لغير المسلمين ثم الفقه الإسلامي وهذا الرصيد يجعلني قادرا علي دخول المعترك الفقهي ولا يستطيع أحد أن «يتنطط علي». فالأصل في التشريع هو البحث عن المصلحة العامة لأن مصادر التشريع الإسلامي القرآن والسنة والصحابة والمصالح المرسلة، وهذا من عظمة الدين الإسلامي أن المصلحة العامة مصدر تشريعي مثلها مثل القرآن والسنة النبوية.. بالتالي لا يستطيع أحد أن «يكح» معانا. هذه القاعدة.. لكن من هم هؤلاء الذين تقول إنهم لا يستطيعون أن «يتنططوا» عليك أو «يكحوا» معك؟ - ما تعلمته من أساتذتي لا يعطي فرصة لأي شخص أن يزايد علي فحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله. وما رأيك فيما يقوله بعض الشباب عن زمن الميكروجيب - أي زمنك - بأنه كان زمن الانحلال؟ هل تري أن جيلنا أكثر ورعا وتدينا من جيلكم؟ - ماذا تقصدين بزمني أو زمن الميكروجيب؟ الذي يطلقون عليه الزمن الجميل.. حينما كنا نري في الأفلام حتي الشغالة ترتدي ميكروجيب وبلوزة عارية الأكتاف دون أن يكون ذلك أمرا لافتاً. أنا غير موافق علي استخدام هذا التعبير «الزمن الجميل».. فكل زمان له جماله وخصوصيته وله وعيه فكيف أقول علي زمني إنه الزمن الجميل بينما نحن لم يكن لدينا أكاديمية مثل أكاديمية الفنون كيف أتجاهل هذه الأجيال وأعيب في زمانها؟ من من الفنانين الشباب يمكنه أن يتحدث في حوار له عن الشعراء والأدباء والفلاسفة ورواد المسرح مثلما تفعل أنت؟ - لا أوافقك، فطبعا هناك فنانون شباب مثقفون والأجيال القديمة يضحكون علينا بعبارة الزمن الجميل وذلك نوع من المصادرة والأنانية التي يمارسها جيل علي جيل. لكن في تتر المسلسل الشاعر أيمن بهجت قمر كتب تعليقا علي قولك «الشاعر يقول» يا عم ده مش زمن الشعر ده زمن شد الشعر.. ألا تعتبر ذلك اعترافا شبابيا بأن زمننا ليس زمن الشعر؟ - اعفيني من الرد علي هذا السؤال لأن لدي بعض التحفظات علي هذه الجزئية من أغنية التتر. ما رأيك في مصطلح «السينما النظيفة» الذي اخترعه جيل الشباب؟ - كلمة «نظيفة» هي كلمة في اللغة ربما تعني السينما الهادفة غير المسفة. لا يا أستاذ محمود أنا أعني بمصطلح «السينما النظيفة» المعني المتعارف عليه وهو السينما الخالية من القبلات والمشاهد العاطفية الساخنة حتي لو كانت تخدم سياق الفيلم؟ - لا يوجد ما يسمي بالسينما النظيفة.. هذا كلام فارغ.