انتصف الشهر المبارك.. ولم يتفق علماء المسلمين على قيمة زكاة الفطر بالضبط.. وفضيلة المفتى حددها بخمسة جنيهات.. وجبهة العلماء طالبت بألا تقل عن عشرة.. فى الوقت الذى بلغ فيه كيلو اللحمة فى مجازر الفقراء ستين جنيها بالتمام والكمال..! أي أن الزكاة وبلغة بورصة هذا العصر أقل من دولار واحد.. أو ثمن ساندوتش فول معتبر.. أو فنجان قهوة على الماشى.. وإذا كان أحد العلماء الأفاضل قد أفتى منذ سنوات بأن الموظف وحتى درجة وكيل وزارة يستحق زكاة الفطر.. بشرط ألا يفتح مخه أو يفتح درج مكتبه.. وأن يكون مكافحا وشريفا.. فبالله عليك هل يجوز والحال كذلك أن تمد يدك فى جيبك وتعطي لحضرة وكيل الوزارة خمسة جنيهات يمشى بها أموره..؟! وفى تقديرى المتواضع فإن الوقت والظروف الحالية سانحتان تماما لتقديم الزكاة والإحسان.. وقد انقسم المجتمع إلى ناس يأكلون ما لذ وطاب.. وناس يتفرجون ويمصمصون الشفاه.. والفقر ليس عيبا بالمناسبة.. وليس عورة نخجل منها.. لكن العيب أن ينحاز علماء المسلمين لمعسكر الأغنياء فيحددون قيمة الزكاة بخمسة جنيهات.. والأفضل أن نقيم وأن نحدد الزكاة طبقا لمفاهيم العصر الحديث.. وننسى تماما معايير قدماء المسلمين.. يعنى معيار القمح الذى كان يتصدق به جدى الأكبر فى الأيام الخوالى.. كان يكفى وقتها لمقايضة بفخذة لحمة.. ليأكل الفقير كما يأكل الغنى.. الآن معيار القمح لا يشترى علبة جبنة من السوبر ماركت ولا يكفى لشراء كيلو لبن من البقال.. والأفضل إذن أن نحوله إلى لحمة.. فنقول إن زكاة الفطر خمسة جنيهات نعم للفقير.. لكنها خمسون للغنى.. ليتمكن بها الفقير من شراء اللحم الذى يتفرج عليه فى الأجزاخانات! أقول قولي هذا لأننى أخشى أن يستغل البهوات فتوى المفتى لتخليص ضمائرهم الموجوعة.. فيخرجون خمسة جنيهات من جيوبهم وخلاص.. فعلوا ما عليهم.. اشتروا مفاتيح الجنة.. والأصل فى الفتوى الصادرة عن مفتى المسلمين أن تراعى البعد الاجتماعى وهذا هو لب القضية. والمشكلة أننا فئة الموظفين ومحدودى الدخل لا نمانع فى قبول الزكاة.. لكننا لا نريدها حسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة.. نحن نريدها كنوع من المشاركة الاجتماعية.. حتى «لا يتنطط» علينا البهوات والسادة.. مثل ذلك المحافظ الذى قرر توزيع شنط رمضان فى الاستاد الرياضى.. واصطحب المدام والأولاد والتليفزيون للفرجة على جماهير الفقراء تتسول شنط الذل والمهانة.. فسقط من سقط ونقلت سيارات الإسعاف العشرات إلى المستشفى العمومى! حاجة غريبة.. كيف لا يعرف المحافظ فقراء محافظته.. وعنده العلاقات العامة وعنده الأجهزة الشعبية والحزبية.. فهل نخر السوس فيها إلى الحد الذى لا يطمئن المحافظ فيقرر التوزيع بنفسه؟ وكيف يدعى الحزب الوطنى أنه حزب الأغلبية.. وهو لا يملك خريطة بأسماء وعناوين الفقراء والمحتاجين ليوصل لهم حاجاتهم للمنازل؟! البعد الاجتماعى هو ما نبحث عنه.. أن يراعى حضرة العالم فى فتواه أنه يمثل جموع الفقراء.. وعليه أن يكون لسانهم مخاطبا الأغنياء. أنا شخصيا لا أمانع فى قبول الزكاة.. لكننى أعتذر عن قبول معيار القمح.. سوف أتسلمه فى صورة كيلو لحمة.. من القطع الممتاز.. «تريبيانكو» بصريح العبارة..!