في مسلسله «أهل كايرو» قدم «بلال فضل» تشريحا حادا وصادما للمجتمع المصري الآن بكل ما يحمله من تناقضات وممارسات تؤدي في النهاية إلي تعمق الفساد وتغلغله داخل مؤسسات المجتمع المختلف. «بلال» جعل الناس تنصرف عن التفكير في هوية الذي قتل الفنانة الشهيرة ليجعلهم يطرحون علي أنفسهم سؤالا أهم: كيف ولماذا وصلوا إلي هذه الدرجة من الفساد والزيف الذي أصبح مسيطرا علي كيانات كثيرة وأفراد أكثر.. زيف لا يفرق بين الداعية السوبر ستار .. أو نجوم السياسة الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف .. أو حتي الصحفيين الذين تحولوا في بعض الأحيان إلي أدوات يحركها كل لمصلحته. عن كل هذه الإشكاليات تحدثنا مع «بلال» والذي تحدث بصراحة تامة في السطور التالية: • المسلسل يحمل إدانة غير مباشرة لأطراف كثيرة.. هل قصدت هذا ؟ - ولماذا لا تقول إنها إدانة مباشرة. هذا ما أستطيع أن أقوله إجابة عن سؤالك، لأن أي إجابة أخري سبق أن قلتها في المسلسل حتي آخر مشهد فيه. • هل تتصور أن المجتمع مسئول عن فساده وعن أخطائه أم أنه يدفع ثمن أخطاء آخرين؟ - طبعا كل مجتمع مسئول عن فساده وأخطائه، لأن الله عادل ولا يخلق مجتمعات قابلة للفساد وأخري محصنة منه، ربنا بيخلق الناس كلهم علي الفطرة أو علي المحجة البيضاء زي ما بنقول وهم مسئولون عن أفعالهم، وإلا لانتفت فكرة الحساب والعقاب، لا أريد أن يتحول كلامي إلي درس ديني، «بس أنا بجد محروق من فكرة إن المجتمع بيتعامل مع نفسه علي أساس إنه مغلوب علي أمره وبينفذ سيناريو مرسوم سلفا، ومالوش يد فيه»، في رأيي إن خلاص المجتمع المصري أصبح يكمن في مفهوم فكرة الجبر والاختيار، وهل نحن مسئولون عن حالنا أم أنه قدر لا فكاك منه». • نجوم الصحافة .. والفن والسياسة والدعوة الدينية .. تعودنا أن يصبح الفن دائما مصدراً للنجومية ولكن هل أصبحت المجالات الثلاثة الأخري أكثر جذبا للأضواء كما حدث في المسلسل ؟ وهل هذا شيء صحي أم يعكس شكلا من أشكال الفوضي؟ - الفن كان ينفرد بالنجومية قبل عصر الإعلام والفضائيات والإنترنت أو بمعني أصح عصر الماركتنج علي رأي صديقنا مصباح قطب، الآن أصبحت النجومية غير مرتبطة بمهنة، غير مرتبطة بفكرة إنك فنان أو صحفي أو سياسي أو داعية، وإنما بفكرة إنك عارف تسوق لنفسك صورة أمام الناس، صورة تخليك محط اهتمامهم، مثلا صورة إنك رجل جريء وممكن تدوس علي أي حد، أو أنك امرأة جريئة ومايهمكيش حد خالص، أو صورة إنك ممكن تريح التعبانين وتدخلهم الجنة، أو صورة إنك الصحفي بتاع فلان الفلاني في الحكومة، فبالتالي أنت بتعبر عن فلان، وهكذا، للأسف من الممكن أن تجد عالم دين رائعا وفقيها في الدين ويستطيع أن يقول للناس كلاما ينفعهم بس ياعيني مش قادر يسوق لنفسه أو يبيع نفسه، لذا تجده متواريا في الظل وغير قادر علي الوصول للناس، كل شخصيات المسلسل علي سبيل المثال تجد أن كلاً منهم لديه فكرة نجح في تسويقها للناس وهي التي جعلته شخصية شهيرة. وهذا ما حاولت أن أفعله في المسلسل أن أجعل الناس تفكر في الصورة التي يتم تسويقها هل هي حقيقية، ربما تكون حقيقية، وهذا شيء جيد، وربما تكون كاذبة مثل إعلانات المطاعم وهنا يبقي كلنا رايحين في داهية، ورأيي إن الناس لابد أن تفكر بهذا الأسلوب مع كل ما حولها حتي معي أنا شخصيا، وأن نتوقف عن فكرة الانبهار بالأشخاص ونتعامل مع الأفكار فقط، خصوصا أن عندنا في تراثنا مبدأً رائعا هو أن الحق يعرف بالحق ولا يعرف بالرجال. • وأيهما يلعب الدور الأكبر في هذه المجالات الطموح المشروع والرغبة في التغيير أم البحث عن الشهرة بأي وسيلة حتي وإن كانت غير مشروعة ؟ - إحنا بشر، وده أسوأ ما فينا وأجمله في نفس الوقت، حتي الذين يحملون الأفكار العظيمة كان لديهم طموحات ونقاط ضعف وانكسارات وأخطاء، وده لا يدينهم بل بالعكس يخلينا نفهمهم أكتر ونتصالح مع تناقضاتهم، وهذا يعود بنا مرة أخري إلي النقطة الماضية، لو تعاملنا مع الأفكار وركزنا معها بعيدا عن الأشخاص نستطيع أن نكتشف أن هناك فقاعات كثيرة في المجتمع صنعت لنفسها هالة لا تستحقها، وحينها نستطيع حتي لو كنا نكره بعضنا البعض أن نجعل خلافنا خلافاً حقيقياً يجعلنا نتقدم وليس العكس. • إلي أي درجة من الفساد وصل المجتمع المصري من وجهة نظرك؟ - إلي الحد الذي تراه في مسلسل «أهل كايرو».. بالطبع أمزح، وإنما «يعني اللي مايشوفش من الغربال يبقي أعمي»، وفي رأيي أن السؤال الذي يجب أن ننشغل به هو: لماذا وصل المجتمع المصري إلي هذه الدرجة من الفساد؟ والإجابة في رأيي باختصار حتي تتسع المساحة من أجل التحالف بين الاستبداد والتطرف. • نظرة سريعة علي أشخاص شاهدناهم في المسلسل لنكتشف أن بينهم وزيراً سابقاً مازال علي الساحة.. داعية شهيراً.. صحفية شابة وطموحة.. فنانة تنكرت لظروفها وأهلها.. فتاة تعمل في فندق وتعامل من سائق التاكسي علي أنها فتاة ليل.. بالطبع عرضك لكل هذه الشخصيات ليس من منطلق الصدفة وكأنك تؤكد أن جميعهم علي صلة مباشرة أو غير مباشرة بالقتيلة وبالجريمة .. هل هذه إدانة شاملة للجميع ؟ - الله ينور عليك، والحقيقة أنه من أكثر الأشياء التي أعجبتني وجعلتني أحمد ربنا أن قطاعا كبيرا من المشاهدين علي الأقل الذين شاركوني رأيهم يرون أن ما حدث لفتاة الفندق فاطمة جعفر من السائق ومن الوزير ومن الإدارة جريمة لا تقل فتكا ولا بشاعة عن جريمة قتل صافي سليم. وهذا هو المنطق الذي يحاول المسلسل تقديمه. لا أعرف إذا كان من الصواب أن يقدم الفن إدانة أم أن يجعل الناس تفكر وخلاص، لكني لا أستطيع أن أكذب عليك ، لقد حاولت ان أدين هذا، ولكني حاولت أيضا وأرجو أن أكون وفقت في أن أعطي الفرصة لكل شخص أن يعرض منطقه ويتكلم بلسانه وليس بلساني، شاهد الحوار بين يونس الغول الوزير السابق وبكري الشربيني المعارض المزيف كل منهم يري نفسه علي صواب وأنه هو الذي يدافع عن البلد. • فساد.. هل أرغمتك هذه الكلمة بكل مرادفاتها الحاضرة بقوة في المسلسل علي التخلي عن سخريتك .. وهل أصبحت بهذا التشاؤم ؟ - بالعكس أنا أري أن المسلسل هو أقوي عمل ساخر قدمته، هذا رأيي غير المتواضع علي الأقل، في رأيي إذا كان الواحد لازم يسخر من المجتمع فلازم يسخر منه كده، السخرية اللي تخلي الناس تفكر مش تضحك وبس، لست نادما علي الأعمال التي قدمتها من أجل أن أجعل الناس تضحك، ولكني سعيد أن الفرصة قد أتيحت لي لكي أقدم سخرية من هذا النوع لأنني أحبه أكثر. • أيهما أخطر علي المجتمع «ادعاء النخبة» أم «اختفاء النخبة»؟ بمعني آخر هل تري أن النخبة في مصر اختفت أم لجأت إلي الادعاء والمزايدة .. وبالطبع لا نقصد الجميع؟ وهل باع الكل القضية ؟ - بالعكس يمكنني بكل غرور أن أدعي أنني من أكثر الناس التي تستطيع أن تقول لك «قد إيه في نخبة عظيمة في مصر»، إذا تابعت برنامج عصير الكتب، تجدني قدمت كتابا ومفكرين ومثقفين في منتهي الروعة والتميز عمر ما حد شافهم في الجرايد والبرامج، لأنهم عاجزون عن تسويق أنفسهم، لأنهم لا يستندون إلي سلطة غبية أو صوت عالٍ، هم ناس يعملون ويحبون الحياة «وبينوروا اللي حواليهم وبيبدعوا وبيكتبوا»، هؤلاء هم النخبة الحقيقية. الخطأ خطؤنا في النهاية لأننا تصورنا وصورنا للناس أن المتواجدين علي الساحة الآن بمن فيهم أنا هم النخبة. يعني لما راجل من قرية في الدلتا ياخد أجازة ويقدم علي منحة تفرغ ويلف مصر كلها عشان يكتب موسوعة للبلدان المصرية هتصدر من عشر مجلدات من وزارة الثقافة بعد خمسين سنة من القاموس الجغرافي للبلدان المصرية بتاع إبراهيم رمزي الله يرحمه، هذا الرجل اسمه جمال مشعل، عندما سجلنا معه وأذعنا الحلقة لا تتخيل كم استغراب الناس لأن هناك شخصا يحاول أن يفعل هذا في مصر، أو ليس هذا الرجل من النخبة؟ هل هو أفضل أم الذين ينشرون اليأس وسط الناس بينما يضيفون أموالا إلي رصيدهم في البنوك، وهذا مثال واحد، وعندي عشرات الأمثلة، يبقي العيب في مين، العيب يقع علي من أصبحت في يدهم مقاليد الأمور في مصر، لأنهم قدموا نماذج مزيفة وصرفوا فلوس البلد علي ناس ماتستاهلش، وبالتالي الناس وصلت إلي درجة من كراهية الأوضاع لدرجة تجعلها تصدق أي شخص يرفض هذا حتي إن كان ضلالياً. • ألا تعتقد أن المسلسل قريب فنيا أو فكريا بدرجة ما من «علي من نطلق الرصاص»؟ - ياريت أوصل للمستوي الراقي اللي قدمه أستاذنا رأفت الميهي في هذا الفيلم العظيم المظلوم، وإن كنت أصارحك بأنه لم يكن في بالي أبدا وأنا أكتب، أنا كنت مشغولا بفكرة إزاي تقدر بنت عادية تتعملق في مجتمع لمجرد أنها تمتلك مواهب أنثوية، لما البنت دي تدفع رجال أعمال كبار إلي أنهم يصرفوا عشانها الملايين ويحاولوا يقتلوها، يبقي الغلط في مين، ما الذي حدث إذن؟. هذا هو ما جعلني أقدم هذا المسلسل، كمحاولة شخصية مني للفهم، وأعتقد أنني أقدم إجابة تمثل تفسيري الشخصي مع آخر مشهد في المسلسل.