بين إقالة واستقالة الرئيس السابق للبورصة المصرية «ماجد شوقي» اشتعلت أجواء الجدل حول واحدة من مظاهر صعود الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة، ومصيرها بعد الاتهامات التي تحاصرها بإهدار المال العام من أجل عيون شركات كبري، ورغم النهاية غير المفاجئة لشوقي فإن تعيين خليفته «خالد سري صيام» لن يحسم هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام التي حولت الأمر إلي قضية رأي عام، «روزاليوسف» من جانبها حققت في القضية وواجهت كل أطرافها: شوقي الذي خرج عن صمته بصعوبة وصيام في أول حوار له بعد توليه المنصب رسمياً، وزياد بهاء الدين رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ود. محمد عمران نائب رئيس البورصة السابق الذي أبعد إلي قطاع التأمين. وكان غريباً أن تنتعش البورصة بأنباء خروج «شوقي» رغم إغلاقها بتراجعات طفيفة، إلا أن المراقبين اعتبروا ذلك أمراً طبيعياً في ظل ظروف صعبة عانت منها البورصة وصغار المستثمرين، الذين شاركوا في عدة وقفات احتجاجية أمام مقر البورصة بوسط العاصمة اعتراضاً علي سياسات شوقي، ومن المتوقع أن تنكشف العديد من المفاجآت خلال التحقيقات في البلاغات التي قدمها عدد من المستثمرين ضد شوقي وتبدأ غداً الأحد.. فيما اختلفت مواقف خبراء سوق المال بين مدافع عن شوقي وسياساته ومعارض لقراراته العشوائية المشكوك فيها. وبعيدا عن هذه الاتهامات التي تبدأ النيابة التحقيق فيها غداً، قال العديد من المتابعين للسوق إن «شوقي» استطاع أن يتولي العديد من المناصب المهمة في القطاع المالي خلال فترة زمنية بسيطة رغم صغر سنه إلا أن هذه الفترة شهدت تبايناً واختلافاً كبيراً حول خبراته الاقتصادية لدي الكثيرين ممن تعاملوا معه.. فكان شخصية مثيرة للجدل، أحاطته الكثير من الأقاويل، خاصة أنه كان يصمت عند الهبوط المفاجئ للسوق ويعود ليثير الجدل مرة أخري مع أي تحسن طفيف يحدث في السوق ليرجع الفضل له بقراراته.. حيث إنه حصل علي درجة الماجستير من لندن في اقتصاديات أسواق المال عام 1997 ومنذ 2004 تولي منصب نائب لرئيس البورصة حتي تولي رئاستها رسمياً في يوليو2005 والغريب أنه كان يتم التجديد له عاماً وراء عام وهذا مخالف لقانون سوق المال حتي أصدر د. «أحمد نظيف» رئيس مجلس الوزراء قراراً بالتجديد له لمدة 4 سنوات كاملة.. وفي هذه الفترة كان يتردد في سوق الأوراق المالية أن «شوقي» مسنود من د.يوسف بطرس غالي لارتباطه بصلة نسب بالعائلة البطرسية منها حيث إنه قبل تعيينه كمستشار في البورصة كان يعمل كمستشار للوزير في وزارة التعاون الدولي ثم أرسله من خلال منحة من الوزارة إلي لندن ليحصل علي الماجستير، وعندما تولي يوسف بطرس حقيبة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الجنزوري لم يترك ماجد بل أخذه معه كمستشار لسوق المال.. ثم مساعداً لوزير الاقتصاد إلي أن اختير عضواً بمجلس إدارة بورصتي القاهرة والإسكندرية للأوراق المالية ممثلا عن هيئة سوق المال. كانت بداية الأزمة الحقيقية لانهيار البورصة عام 2009 حيث كانت أحد أصعب الأعوام التي مرت بها أسواق المال في العالم أجمع نتيجة الأزمة العالمية التي بدأت ذروتها في أواخر عام 2008 تلتها أزمة دبي التي تفجرت في الأسابيع الأخيرة من سبتمبر عام 2009 إلا أن البورصة المصرية استطاعت إلي حد ما أن تنهي العام بسلام محققة نموا بلغ 35% في المتوسط، ودون الدخول في التفاصيل عادت رحلة صعود الأسهم مرة أخري من أقل مستوي في منتصف فبراير 2009 بنحو 81% حتي نهاية العام، وكانت أوضاع السيولة في السوق خلال هذا العام أفضل من مثيلتها في كل الأعوام السابقة وإن كانت قيمة التعاملات قد تراجعت بنحو 15% عن العام الماضي لتسجل نحو 420 مليار جنيه وظلت الأوضاع تتدهور في البورصة حتي تسبب ذلك في انخفاض عدد الشركات المقيدة من 373 شركة في نهاية 2008 إلي 306 شركات في نهاية .2009 ولم يكتف «شوقي» بتخفيض أعداد هذه الشركات بل هدد بشطب شركات أخري مع بداية العام الجديد إذا لم توفق أوضاعها مع قواعد القيد الجديدة والتي تشمل إلزام الشركات الجديدة التي يتم قيدها بالبورصة بطرح 10% من أسهمها للبيع خلال 3 أشهر من عملية القيد ويتم شطبها تلقائياً في حالة عدم قيامها بذلك علي ألا يقل عدد المساهمين في الشركة عن 100 مستثمر. ورأي المراقبون أن هذه القرارات زادت من حدة التوتر في السوق ولم تكن في صالح صغار المستثمرين فبدلاً من تعويضهم من خلال صندوق تعويضات المستثمرين إلا أنه نفذ تهديده وقام بشطب 29 شركة لم تقم بتوفيق أوضاعها برغم قيام حوالي 135 شركة بتوفيق أوضاعها والتي مثلت أكثر من 80% من حجم رأس المال السوقي. ومعروف أن البورصة المصرية مقيد بها نحو مليون و700 ألف مستثمر وأن قيمة رأس المال السوقية للأسهم المتداولة تزيد علي 540 مليار جنيه وأن عدد الشركات التي يتعامل معها المستثمرون تقدر بنحو 400 شركة. وفي الوقت الذي قام فيه رئيس البورصة السابق بإطلاق عدد من الآليات الجديدة بهدف زيادة السيولة في السوق في حين أن تفعيلها كان السبب في مزيد من موجات الهبوط ومنها ما يسمي بنظام الاقتراض للسهم الذي استغرقت دراسته أكثر من عامين حيث يتم من خلال هذا النظام بيع الأسهم قبل اقتراضها، ومن المعروف أن هذا النظام يتيح للمستثمرين المضاربة علي هبوط الأسهم من خلال اقتراض الأسهم المتوقع تراجع أسعارها وبيعها في السوق ثم إعادة شرائها مرة أخري فور هبوط أسعارها في مقابل قيمة مالية تتحصلها شركة مصر للمقاصة المسئولة عن قيد جميع الشركات بالبورصة كضمانة لحين رد الأسهم مرة أخري لوعاء التسليف. والمتابع للسوق في هذه الفترة يري أنه كان يعاني من أزمة سيولة رهيبة، خاصة أن حجم التداول اليومي بالبورصة بات يهدد جميع المتعاملين حيث تراجعت معدلات التداول لأدني مستوياتها خلال الثلاث سنوات الأخيرة وأصبحت لا تتجاوز ال450 مليون جنيه بعد أن كانت تتخطي حاجز المليار ونصف المليار وأحيانا ال2 مليار جنيه في بعض الأوقات حيث كان إطلاق بورصة النيل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا التوقيت في 2008 خاطئ لأن السوق كان يعاني من أزمة سيولة كانت السبب وراء هبوط حاد في عدد كبير من الأسهم وإن كان يري ماجد شوقي رئيس البورصة أن بورصة النيل هدفها العمل علي تأهيل الشركات لتتحول إلي شركات كبيرة. مستنداً بذلك إلي كافة التجارب الناجحة التي طبقت هذه البورصة، وخاصة إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل نسبة 90% من السوق إلا أنه بالرغم من إطلاقها في 2008 لم يقيد بها سوي 10 شركات فقط. ومن جهته أكد «عبده عبدالهادي» - خبير أسواق المال - أن البورصة عانت طوال الخمس سنوات الماضية من أوضاع بائسة بسبب فقدان المستثمرين الثقة في آلية مراقبة الشركات المخالفة، هذا فضلاً عن القرارت المتضاربة التي كان يصدرها رئيس البورصة، ومنها علي سبيل المثال أنه في يوم 16 يوليو 2006 أعطي قراراته بوقف التداول لانخفاض المؤشر فجأة 5% ، وأطلق البورصجية علي هذا اليوم «الثلاثاء الأسود»، ونفس هذا الهبوط حدث مرة أخري وإن كانت الخسائر أكثر، حيث انخفض المؤشر 20% في 25 و26 أكتوبر 2008 ولم يتدخل لوقف التداول كما فعل في المرة الأولي مما تسبب في تكبد هذا اليوم لخسائر فادحة للمستثمرين، هذا في الوقت الذي أوقفت كل البورصات العالمية كإيطاليا وروسيا وإسبانيا وكذلك بورصة الكويت التداول، حتي تحافظ علي صغار مستثمريها من الانهيار المفاجئ، هذا فضلاً عن إيقافه 29 شركة غير متوافقة مع شروط القيد بشكل تعسفي وضياع حقوق مستثمريها بدلاً من توعية المستثمرين بحقوقهم تجاه الشركات العاملة بالبورصة. والأدهي من ذلك أنه كشف في الأيام الأخيرة أن الشركة التي سوف تخسر لمدة عامين متتاليين ستشطب من البورصة، فهل هذا منطقي؟ طالما كانت جميع أوراق الشركة مستوفاة ولكن تعرضت لعدة خسائر بسبب التلاعبات لخفض أسهمها هل يتم شطبها بشكل تعسفي؟ مشيراً إلي إن الخطية الكبري لرئيس البورصة السابق والتي لن تغتفر هي ظهوره الإعلامي المتكرر وذكره لبعض أسهم شركات وكأنه يزكيها، خاصة ظهوره بعد أزمة دبي مردداً أننا لن نتأثر ولكن للأسف تأثرنا لطبيعة ارتباط السوق بالأسواق الخارجية، وفقد المؤشر 480 نقطة في هذا اليوم، فالظهور الإعلامي للمتكرر وراء انهيار الكثير من الشركات مع القرارت المتسرعة الطائشة في توقيتات قاتلة، علماً بأن السوق يتأثر في المقام الأول بنفسية المستثمر. وطالب رئيس البورصة الجديد بالتروي في اتخاذ أي قرارت مع مراقبة شركات السمسرة مراقبة حقيقية بما لا يسمح لها بالتلاعب علي حساب صغار العملاء، وعدم مراعاة العلاقات الخاصة بأصحابها مهما كانت مراكزهم، كذلك الفصل التام بين من يشغل منصبا في إدارة البورصة وبين شركات السمسرة والشركات المقيدة بالبورصة. بالإضافة إلي الإفصاح بشكل دوري عن نشر أسماء المتلاعبين في البورصة، وعن شركات السمسرة التي تقوم بالمضاربات مع تفعيل إنشاء صندوق لتعويض المتضررين من المستثمرين نتيجة تلاعب مثبت سواء من شركات السمسرة أو الشركات المقيدة. وفي المعسكر الآخر، دافع «نادر خضر» محلل أسواق المال عن الفترة التي أدار فيها ماجد شوقي البورصة، قائلاً إنها تمثل العصر الذهبي للبورصة المصرية ويكفي أننا حققنا 30,12 ألف نقطة منذ إعادة تطوير البورصة عام 1994 كما أنه حجم التلاعبات التي كانت تحدث في شركات السمسرة أو الشركات المقيدة بالبورصة، فهل يعقل أن شركة مثلا كالعربية العامة لاستصلاح الأراضي أن يكون حجم أصولها يتراوح مابين 15و20 مليون جنيه في الوقت الذي كان التداول عليها يصل إلي 80 مليون جنيه إجمالي قيمة رأس مالها السوقي علي الشاشة، فكيف حققت هذه الزيادة التي ليس لها أي مبرر، هذا فضلاً عن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد شركات السمسرة التي كانت تصدر توصيات وهي غير مؤهلة بالإضافة إلي ما قام به رئيس البورصة لتقنين أوضاع سوق خارج المقصورة وهي عبارة عن سوق لتداول الأوراق المالية التي تم شطبها من جدول القيد بالبورصة المصرية، وبها تستطيع أن تبيع وتشتري دون أدني مسئولية من أي جهة رسمية في الدولة.. خاصة أن المحرك الأساسي للتداول فيها الشائعات والبيانات الكاذبة، الأمر الذي جعل منها ملعبا للمقامرين والمضاربين والمتلاعبين بل ومروجي الشائعات، ولم تسلم من عمليات غسيل الأموال والصفقات المشبوهة، والأسهم فيها ترتفع ارتفاعات حادة وتهبط هبوطاً عنيفاً بلا مبررات اقتصادية وكأنها تربيزة قمار ويكفي أن أحد رجال الأعمال لن أذكر اسمه كان لديه سهم في شركة قيمته ربع جنيه ارتفع إلي 70 قرشاً ثم إلي 110 حنيهات ثم إلي 190 جنيها في يوم وليلة. وأضاف أنه أنقذ البورصة من الانهيار وقت ذروة الأزمة المالية العالمية في 7 أكتوبر 2008 بوقفه التداول علي الأسهم عدة مرات، حتي لا تحدث انهيارات لصغار المستثمرين، وبالتالي فهو لا يستحق منا كل هذا الهجوم، ويكفي أنه هاجم صحفيي البورصة الذين استغلوا رسالتهم الإعلامية من أجل مصالحهم الشخصية، حيث يعمل بعضهم مستشارين لمجموعة من شركات السمسرة وبالتالي يتواطأون في تحرير أخبارهم من أجل رفع أو خفض أسهم معينة يضاربون فيها. وطالب بضرورة وضع عقوبات رادعة علي السماسرة الذين يقومون بالتحليل المالي أو الفني وليس معهم ترخيص بمزاولة هذه المهنة، خاصة أن السمسار كل همه العمولة بغض النظر عن حامل السهم أو العميل، بالتالي فإنه في أحيان كثيرة لا يصدق في معلوماته لأنها ليست بناء علي تحليل علمي لمؤشرات السوق. أما حمدي رشاد رئيس مجلس إدارة إحدي شركات إدارة محافظ الأوراق المالية فطالب بضرورة وقف التلاعبات فوراً حتي يعود الاستقرار للسوق مرة أخري مع كذلك تعديل قانون صندوق حماية المستثمر ورفع قيمة التعويض الخاص بكل ورقة من 100 ألف جنيه إلي 500 ألف جنيه أو أكثر أو أقل، وفقاً لما يراه المختصون عن التشريعات بالبورصة. وعلي الجانب الآخر يقول لنا «بحراوي خليفة» - أحد المستثمرين الموقعين علي البلاغات التي اتهموا فيها شوقي بإهدار المال العام بإنشاء بورصة النيل وإدخال شركة «طارق نور» للبورصة لإعفائها من الضرائب - إن البورصة انهارت في عهد «ماجد شوقي» بسبب قراراته العشوائية والتي تسببت في نقص حجم التداول في السوق وهروب المستثمرين العرب والأجانب، مما تسبب في انخفاض التداول من 53 مليار جنيه إلي 15 مليار جنيه خلال النصف الأول من 2010 ويكفي أن تقرير البورصة المصرية خلال النصف الأول من العام الجاري تضمن انخفاض رأس المال السوقي للبورصة المصرية من 725 ملياراً إلي 425 ملياراً خلال 7 أشهر فقط، ويكفي أنه لأول مرة ترتفع مؤشر البورصة الرئيسي «كاس 30» إلي 2% ليرتفع حجم التداول يوم إقالة ماجد شوقي إلي 200 مليون جنيه. وتشمل قائمة الاتهامات اكتتابات سحبت ملياري جنيه من السوق بموافقة شوقي، وتنفيذ صفقتي «المصرية للأسمدة» و«لافارج للأسمنت» خارج المقصورة، وكانتا غير متداولتين مما يستحق ضرائب ب20 مليار جنيه، وموافقته علي قيد شركتي العروبة والقلعة للسمسرة بما يخالف القانون. وأضاف بحراوي أن رئيس البورصة كانت له قرارت متضاربة كما أن تصريحاته لوسائل الإعلام بوقف وشطب عدداً من الشركات أدت إلي خسائر فادحة للمستثمرين الأفراد، وتناقص عددهم بدرجة ملحوظة، ويكفي أنه قال في إحدي المرات إن سبب انهيارات السوق المتكررة ترجع إلي استحواذ الأفراد علي أكثر من 70% من إجمالي المتعاملين ونسبة 30% فقط للمؤسسات، عكس ما يحدث في الأسواق الأخري، وصغار المتعاملين هم المشكلة، وكأنه يريد أن يخرجنا من السوق ليجعل كبار المستثمرين هم المسيطرون علي سوق الأوراق المالية.