بعض النسوة يقلبن الموازين وبطرفة عين وابتسامة يحطمن الشروط القديمة والمستقرة في قوانين العلاقة مع الرجل. نساء يعشقن الجري في الطرق الوعرة والمظلمة ويهربن إلي خارج النص مع أن النصوص والأشعار والأمثال تكتب من أجلهن. هكذا يبدو الأمر فقط في عيون الطيبين.. أما غير الطيبين فيعرفون أن رغبات الرجل تظل هي الهدف.. وهي المعني.. فالرجل يجري وراء ما يريد.. ويرغب في المرأة التي يحبها هو حتي لو كرهته. ولو تتبعت ذلك المعني حتي نهايته لقادك إلي العبث وحتما إلي الألم.. ويقينا إلي الجنون. حية أو ميتة، لم تكن سوزان تميم هي الهدف، أو المعني ولا القيمة، كانت هي ما يريده الرجال منها.. وما أراده الرجل منها كان هو المبتدأ والمنتهي. لذلك كانت الأموال المتدفقة من أجلها وبسببها حية وميتة ليست عطاء لها ولا ثمنا فيها، لكنه ثمن لحياة الرجال الذين أحبوها ثم كرهوها.. ثم لإبقاء أرواحهم علي قيد الحياة وليس ثمنا لعودة روحها.. جزء كبير منه كان ثمنا لإزهاق روحها. أين الحب هنا؟ في المبتدأ كان الحب.. وكان الثمن. وفي المنتهي كان القتل وكان الثمن. في المبتدأ دفع الرجال لحياتها وحياتهم. في المنتهي دفعوا لموتها وحياتهم. وهي دائما ذات المرأة التي يريدها الرجل.. يرغبها.. يعشقها.. يطاردها.. يقتلها.. ولا يتزوجها.. إنه يتزوج من المرأة النقيض التي سوف يملها ولن يحبها. هنا.. وهنا فقط سوف نكتشف أن الرجل يتبع خصائصه وليس المرأة.. يتبع رغباته فيها ثم يقتلها.. وربما تقتل هي نفسها لو تكشف هول الأمر كاملا أمام ناظريها. لا يحب الرجال النساء اللاتي في بيوتهم.. يعشقون الركض إلي المسافات البعيدة.. اللامتناهية.. الركض خلف ما لا يجيء. لقد تم تفصيل سوزان تميم علي هذا النحو.. فهي لم تكن كذلك. تذكروا ملامحها الأولي قبل مشرط الجراحين في غرف العمليات وبوتيكات الهوي.. تذكروها قبل كل الدروس والحصص التي تلقنتها لكي تصبح ذات الفريسة.. لها نفس خواص اليمامة الطريدة.. ونفس العناصر التي تتألف منها امرأة النار.. الرجال يفضلونها هكذا! صنعوا لها نهدين وشفتين مكتنزتين وخصرا نحيلا وعينين واسعتين وأنفا دقيقا.. حتي السيقان والشعر.. وكل شيء صار محسوبا بالمليمتر. تحولت من امرأة عادية إلي سوزان تميم.. الشكل لا الاسم.. يعمل الرجل دائما في سكة تطوير «منظر» المرأة وعقلها لا يدخل ضمن حساباته.. في الخفاء والعلن يقوم بمهمة هدمه طوبة طوبة.. رغبة منه في إبقاء شكل لعبته القديمة علي حالها.. وبنفس الزمبلك. هي الحكاية نفسها في صورتها الأولي وكما وردت في الكتب القديمة بنفس تفاصيلها المحفوظة بالصفحة والفاصلة والنقطة. وبلا علامات تعجب ولا أسئلة: قتلت سوزان تميم.. وألف سوزان أخري سوف تجيء ثم تقتل.. اللعبة هكذا. لأجل مثل هذه المرأة يدفع الرجل كثيرا.. ويدفع كي تموت ويحيا هو.. يدفع لنفسه وليس لها. ولو سألت كل الذين أحبوها ودفنوها إن كانوا يدفعون لإحيائها من جديد لرفضوا كلهم.. لأنه كيف للطفل أن يحب لعبته المحطمة؟ حتي هؤلاء النسوة يعرفن أصول اللعبة.. يعشقنها.. ويرضين بها.. ويدخلنها ساعيات مهما كان المصير.. لأنه غالبا لا يخرج الإنسان من طفولته إلا نادرا.. يعشش في الطور والشرنقة الأولي. يعرف الناس كلهم أن الحياة لعبة بين «عروسة» وحصان في يد الصغار والكبار.