الوجود الأمريكى المباشر فى الشرق الأوسط وفى شرق آسيا مصدر قلق لدول كثيرة فى العالم وعلى وجه الخصوص روسيا والصين، فرغم انحسار حقبة الحرب الباردة إلا أنها لم تنته تماما بل الواقع أنها - أى الحرب الباردة - تغير اسمها فقط إلى حرب المصالح، لكن الصراع لا يزال قائما ومتواصلا . الجديد فى النسخة المحدثة من الحرب الباردة هو عدم استهداف أراضى الدول الكبرى بالصواريخ الموجهة لمدة 24 ساعة فى اليوم كما كان يحدث من قبل، بدلا من ذلك تدور معارك تكسير العظام وكسر الإرادات أو تطويعها على أراضى دول أخرى وضعها حظها العاثر فى طريق القوى العظمى لكى يتم اختيارها ميدانا للقتال نيابة عن أراضى الولاياتالمتحدة أو روسيا أو الصين. كل ما يهم تلك الدول فى الوقت الحالى هو إبعاد القتال عن أراضيها ونقل المعارك إلى أراضى دول أخرى لديها مشكلات طائفية أو عرقية تكون مثالية لتغذية الفتن وإشعال الحروب بها واتخاذها ميدانا لجذب الذين يرغبون فى منازلة القوى الكبرى بعيدا عن أراضيها. لا أظن أن الحرب فى العراق يمكن أن تنتهى نهائيا ويسود الاستقرار السياسى، مادام الوجود الأمريكى قائما هناك، لا أظن أن الصين أو روسيا أو حتى باكستان ستسمح بوجود عسكرى أمريكى مستقر فى أفغانستان، وربما يزداد الموقف تعقيدا إذا لم تجد إيران الشجاعة والقدرة على حل عقدة ملفها النووى، وإلا ستدخل حتما فى قائمة الدول المرشحة لتكون مسرح قتال بديلا للقوى العظمى فى العالم. إن الاستراتيجية المعتمدة لدى القوى العظمى الآن هى نقل الحرب إلى خارج أراضيها، وذلك يتطلب إشعال الحرائق فى بلاد أخرى وتغذيتها بالمال والسلاح وربما بالمعلومات التى تضمن استمرارها، وعدم بذل الجهود فى إطفائها، بل على العكس كلما اتجهت المخاوف لدى الرأى العام إلى الهدوء النسبى، ظهر حادث غامض ليعيد المخاوف من جديد، فضلا عن إمداد القوى المتحاربة بالمال والسلاح والعتاد. القوى المحلية المتحاربة دون ملل أو كلل بنسب متفاوتة فى الصومال، فى السودان، فى اليمن، فى أفغانستان، فى شبه الجزيرة الكورية، فى الشرق الأوسط، بعض تلك المناطق يشتعل باستمرار وبعضها بين الحين والآخر، هذه القوى تحصل على ما يكفيها من المال والسلاح من أين؟ لماذا لم تردع أساطيل الدول الكبرى القرصنة فى المنطقة المقابلة للقرن الأفريقى، لماذا يعاقب القراصنة المزعومون إذا تجاوزوا إلى اختطاف سفينة تابعة لدولة كبرى ويضطرون إلى الإفراج عنها بالقوة.؟ فى اعتقادى، أن انتظار القوى المحلية والإقليمية الراغبة فى الاستقرار أن يأتيها الحل لمشكلاتها عن طريق الدول الكبرى، وهم كبير فليس للدول الكبرى الآن مصلحة فى تحقيق الاستقرار وإلا اتجهت القوى الراديكالية الغاضبة من أشياء كثيرة والراغبة فى تحقيق الأحلام، وربما الفوضى إلى التصادم مباشرة مع المعاقل الرئيسية للسيطرة فى العالم وعلى وجه الخصوص إلى أراضى الولاياتالمتحدة . ما يعزز تلك النظرية هو تعارض الكلام مع الفعل فى سياسات تلك الدول الكبرى ويظهر ذلك بصورة أوضح فى النظام الأمريكى الديمقراطى الذى يسمح بتغيير الرؤساء، يظهر التناقض بين تصريحات المرشح للرئاسة وبين تصرفه وسلوكه حينما يصل إلى منصب الرئيس، ويطلع على المعلومات الحقيقية وتقوده السياسات المستقرة ويكتشف أنه لا يستطيع تغييرها، المسموح به فقط هو تبادل الأساليب بين الحين والآخر. دعونا نتساءل: أين وعود أوباما بالانسحاب من أفغانستان مثلا؟ ولماذا عاد وتورط فى الحرب على الإرهاب التى شنها سلفه وكان أوباما ضدها حين كان مرشحا، لماذا تراجع عن إلزام إسرائيل بالقانون الدولى فيما يتعلق بالأراضى المحتلة، والملف النووى الإسرائيلى، لماذا الأمريكيون على وشك إشعال حرب بين الكوريتين بسبب البارجة الجنوبية الغارقة، لماذا اختلقت حادثة السيارة المفخخة فى نيويورك ونسبتها إلى أمريكى من أصل باكستانى، يقال أن ذلك الحادث مختلق للاحتفاظ بذريعة لاستمرار الحرب فى باكستان بين الحكومة والقبائل ؟. تطبيقا لتلك السياسات حذر الرئيس الأمريكى أوباما مؤخرا من أن الولاياتالمتحدة تعترضها «أيام صعبة» فى أفغانستان، بسبب تواصل ضربات ميليشيات طالبان، مؤكدا أن التهديدات التى تمثلها خلايا القاعدة بجميع أنحاء العالم «لن تزول قريباً». برر الرئيس الأمريكى، فى كلمة أمام خريجى كلية ويست بوينت فى نيويورك، الغزو الأمريكى لأفغانستان فى أواخر عام 2001 بأن الحرب بدأت لأن مدن الولاياتالمتحدة ومواطنيها تعرضوا لهجمات من قبل متطرفين عنيفين يخططون من على بُعد، والأمر يستمر لأن التخطيط متواصل حتى يومنا هذا، على حد قوله. وقال إنه على الرغم من تغير طبيعة الحرب خلال الأعوام التسعة التى استغرقتها، إلا أنها تظل على نفس القدر من الأهمية كما كان الحال بعد هجمات 11/9 عام 2001 على الولاياتالمتحدة. أشار أوباما أيضا إلى أنه مع نهاية الحرب فى العراق، فإن السبيل أمام الولاياتالمتحدة هو الضغط قدما فى أفغانستان، لكن من قال أن الحرب فى العراق قد انتهت؟؟ فيما يخص القاعدة، شدد الرئيس الأمريكى أنه على الرغم من النجاح فى القضاء على قيادات التنظيم مؤخراً، إلا أن الحركة تواصل جهود تجنيد عناصر للانضمام إلى صفوفها، وأشار إلى المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة فى مدينة «ديترويت»، بالإضافة إلى محاولة تفجير سيارة مفخخة فى «تايمز سكوير»، كما تحقق السلطات الأمنية مع الأمريكى، من أصل باكستانى، فيصل شاهزاد، بتهمة محاولة تفجير الساحة التى تعد من معالم نيويورك بسيارة مفخخة. تأتى تصريحات أوباما إثر مخاوف، يقال أنها جدية، من نقل حركة طالبان عملياتها ضد الولاياتالمتحدة إلى خارج الأراضى الباكستانية، بعدما رجحت أجهزة استخباراتية أمريكية بقوة أن حركة طالبان باكستان تخطط بنشاط وفاعلية لضرب أهداف أمريكية فيما وراء البحار!!!؟