حينما كنت طالبة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة - كان من الطبيعى، أن ندرس النظم الاقتصادية التى تسود فى العالم، خاصة أننى تخصصت فى علم الاقتصاد. لكن هذا ليس معناه أننى لم أدرس النظم السياسية المختلفة، والنظريات السياسية العديدة، التى بنيت عليها المجتمعات. وتخصصى فى الاقتصاد، أتاح لى التعرف على أنماط من الاقتصاد، مثل الاقتصاد السياسى والاقتصاد الزراعى.. والتخطيط الاقتصادى.. والنظريات الاقتصادية المتباينة. وعلوم أخرى، تتفرع جميعها، من العلم الأكبر، وهو الاقتصاد.. مثل علم الإحصاء.. وغيرها. وبالطبع، درسنا «الضرائب» بمختلف أنواعها.. لماذا تفرض على الشعب.. ما الدافع من ورائها؟.. هل تنسجم مع أولويات المجتمع.. هل مناسبة من ناحية التوقيت السياسى، الذى تفرض فيه.. وأين تذهب «الضرائب» التى يدفعها الناس.. كيف يتظلم الناس منها.. كيف يعاقبون على التهرب الضريبى.. وتقديم الإقرارات الضريبية فى موعدها. ولم يكن من المنطقى، أن ندرس، «الضرائب» بمعزل عن الوضع المالى للدولة، ومدى الأنشطة الاستثمارية الهادفة إلى الربح.. ومقدار الادخار النقدى والمستوى الاقتصادى للفرد فى المتوسط.. وهل المجتمع، يسير على درب الازدهار الاقتصادى.. أم العكس، يتدهور، ويتراجع، ويتضاءل. ودرسنا كذلك، علاقة «الضرائب» المفروضة على الناس، ب المديونية، ونمط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية فى المجتمع.. ونتائج فرض الضرائب، اقتصاديا، واجتماعيا. وأكملت مشوار دراستى، حتى الدكتوراه، هذا بالإضافة إلى قراءاتى الخاصة، فى الاقتصاد. والشىء الذى أستغربه، أننى لم أتعرض، طوال فترة دراسة ما بعد الجامعة، أخذت من عمرى، أحد عشر عاما، إلى «التخطيط».. و«المالية» و«التخبط الاقتصادى».. و«الفوضى العمرانية».. و«القرارات الاقتصادية».. و«أنماط الضرائب»، التى تحدث فى مصر. طوال 11 سنة، من الدراسة الاقتصادية لم يمر أمامى، شىء اسمه «الضريبة العقارية» التى تنوى الدولة إقرارها، وفرضها، على البيوت التى يعيش، تحت سقفها الشعب. هناك «ضرائب عقارية» تفرض على عقارات تستخدم، للاستثمار والتجارة، وجنى الأرباح، من أى عمل تجارى، أو نشاط اقتصادى. ولكن أن أدفع «ضريبة» لأننى أسكن، تحت سقف بيتى، فهذا أمر، اخترعته الحكومة المصرية، وكالعادة، مع كل مخترعات الحكومة المصرية يجىء القرار، غير منطقى.. ضد الشعب.. ضد علم الاقتصاد.. ضد الإنسانية.. وضد كل ما هو، معقول، ويمكن تطبيقه لفائدة الناس.. والاستهانة بالشعب تحت أسماء غريبة. يعنى إيه، أدفع فلوس، لأننى أنام فى بيتى..؟ يعنى إيه، الناس تدفع ضريبة، لأنها لها مأوى يسترها، وتقيم فيه؟ يعنى إيه، الحكومة، تأخذ الفلوس، من النوم فى البيوت؟ إذا كانت الحكومة المصرية فى حاجة ماسة للفلوس، والموارد، فلتبحث عنها، بعيدا عن هذا العبث.. وتترك بيوت الناس فى حالها. هناك «حرمة» للمسكن نعرفها جميعا، والقانون المصرى يعاقب أى أحد ينتهك «حرمة» المسكن. وأنا أسأل: هل أخذ فلوس من المسكن الخاص بالناس، لا يعد انتهاكا «صارخا»، ل «حرمة المسكن»؟! هل وجود الإقرارات الضريبية، التى بالتأكيد امتصت جزءا كبيرا من فلوس الحكومة حتى توفرها بالملايين، لا يعد استخفافا، بالناس؟ وحين يجدون عشرات الأسئلة العبثية، عن عدد الأدوار.. مساحة المسكن.. تاريخ بناء المسكن.. وغيرها من الأسئلة، التى - لا يذكر أغلب الناس إجاباتها - ألا تعد استفزازا - للشعب، وطريقة غير مشروعة، ل توفير الفلوس للحكومة المتعثرة اقتصاديا؟! غالبية الشعب، طفح به الكيل اقتصاديا.. وآخر شىء يحتاجه، أن يدفع الفلوس، لأنه شعب، مازال له بيوت، ينام فيها.. غالبية الشعب، تملأ الإقرارات، مجبرة.. غاضبة، مستنكرة.. هذا الاستنزاف المالى، غير المشروع.. والذى تم إقراره قسرا، وإجبارا واستبدادا. من بستان قصائدى رائحة الضرائب العقارية مثل رائحة الفسيخ المسمم والبيض الملون الفاسد وشم النسيم فى خرابات المساكن العشوائية