ربط بعض المراقبين بين سرعة الموافقة المبدئية علي اقتراحي مشروع قانون بمحاكمة الوزراء والمسئولين، والتحقيق مع الوزير السابق محمد إبراهيم سليمان متسائلين: هل ستقدم الحكومة مشروعا ثالثا خاصة أنها تتحفظ متمثلة في وزارة العدل علي عدم دستورية المشروعين، ويأتي ذلك مع تسييس هذا الإجراء لأن مقدمي المشروعين من المحسوبين علي الاتجاه الإخواني وروج أحد النائبين إلي أن مشروع قانونه لن يري النور لأنه يتعلق بمحاسبة من يشغلون مواقع حساسة بالدولة، لذلك - بحسب قوله - يصادف اعتراضات واسعة من قبل نواب الوطني، في حين نبه عدد آخر من النواب إلي أن صاحب مشروع القانون لجأ إلي حيلة تقربه أكثر من دعم نواب جماعة الإخوان المحظورة «86 نائبا» عبر إضافة فقرة في المواد الخاصة بالعقوبات تنص علي أن عقاب المسئولين يكون وفقا للشريعة الإسلامية، رغم أن القانون بوجه عام يضع مبادئ الشريعة الإسلامية في حسبانه باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، بحسب نص الدستور، ولا يمكن الحديث عن عقوبة شرعية في المطلق. ولا يفهم من تحركات النائب إلا أنه يراهن علي دعم المحظورة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة في شبرا الخيمة، والتي كان لها تواجد نسبي خلال «انتخابات 2005»، مكنه من الفوز بعد الدخول معها في صفقة. كانت مصادر برلمانية قد كشفت ل «روزاليوسف» أن لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب رفعت تقريرا للدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان تطلب فيه الإسراع بموافاتها برأي مجلس الشوري في مدي دستورية إصدار قانون جديد لمحاكمة الوزراء وشاغلي المناصب العليا بعدما اضطرت لموافقة شكلية من حيث المبدأ علي مشروعين بقانون في هذا الشأن أمام إصرار نواب المعارضة، وأكدت مصادر بالشوري أن هناك خطاب استعجال تم إرساله لمجلس الشوري وبمعرفة د. سرور، وأن اللجنة التشريعية بالشوري تعكف حاليا علي دراسة عدد آخر من مشاريع القوانين التي تحاكم الوزراء في الدول الأخري، للوصول إلي أفضل صيغة حول هذا الأمر. وكانت الموافقة المبدئية «المشروطة» للجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب، علي مشروعين بقانون لمحاكمة الوزراء وشاغلي المناصب العليا، قد أعادت الكرة مرة أخري إلي ملعب مجلس الشوري الذي لم يناقش المشروع رغم إحالته من قبل إلي لجنته الدستورية. فالموافقة جاءت بعد جولة ساخنة من الشد والجذب مع رئيس لجنة الاقتراحات المستشار محمد جويلي، رغم رفض ممثل وزارة العدل القانون لعدم دستوريته نقل الصراع إلي مرحلة جديدة! قرار جويلي «الاضطراري» جاء بعدما استقوي مقدما مشروع القانون بحشد الإعلاميين باللجنة وبعد مشادات واتهامات لرئيس اللجنة بمحاباة ومجاملة الحكومة، رغم إعلان المستشار عمر الشريف مساعد وزير العدل للشئون التشريعية وممثل الحكومة رفضه للمشروع، قائلاً: المادة 40 من الدستور تساوي بين الأفراد ولا تميز بينهم حسب الجنس أو النوع، كما أن هذين المشروعين يحدثان تفرقة بين الأشخاص العاديين وبين العاملين في السلطة التنفيذية ويقترحان عمل إجراءات جديدة لمحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية والوزراء، سواء في الاتهام أو التوقيف أو ما يتعلق بإجراءات المحاكمة، وهناك نصوص في قانون الإجراءات الجنائية تفي بهذا الغرض، لذلك لا داعي لهذه المغايرة، خاصة أنه ليست هناك حصانة وزارية مثلما توجد حصانة برلمانية تمنع توجيه المساءلة لكبار المسئولين. إذ إن جويلي بدأ اجتماع اللجنة بالتأكيد علي أن المادة 194 من الدستور نصت علي ضرورة موافقة مجلس الشوري علي القوانين المكملة للدستور، فانفعل أحد مقدمي المشروع صارخا في وجهه «الشوري حطته في الثلاجة»، وتابع جويلي: اللجنة سترفع توصية لرئيس مجلس الشعب لمخاطبة مجلس الشوري للاسراع في البت في مشروع القانون، فعاود هجومه علي الحكومة ووصفها بأنها تحاول أن تنصب أعضاءها ووزراءها بمواقع الألوهية.. وأن المواد 85 و160 و156 من الدستور تستلزم صدور قانون لمحاكمة المسئولين والوزراء، لكي يفكر الوزير ألف مرة قبل ارتكاب مخالفاته. واتهم مقدم مشروع القانون الأول جويلي بعدم قراءة الدستور بدقة فالدستور يجب أن يقرأ كوثيقة واحدة، وعقب علي معارضة ممثل العدل بوجود قوانين تسمح بمحاكمة الوزراء بأن هذا الكلام غير صحيح والدليل هو أنه في عام 2001 عندما تقدم 100 نائب في مجلس الشعب باتهامات لأحد الوزراء ورفضها الدكتور سرور رئيس المجلس قائلاً: «إنه لا يوجد قانون لمحاكمة الوزراء ويجب أن يكون هناك تشريع حتي يمكن محاكمة الوزير». وأشار النائب إلي أن اللائحة الداخلية لمجلس الشعب وتحديدا المادة 243 تشترط تقديم طلب كتابي موقع من خمس أعضاء المجلس وموافقة ثلثي الأعضاء علي توجيه اتهامات لأي مسئول حكومي. وبحسب مشروع القانون، فإنه ينص علي أن تتولي محاكمة الوزراء محكمة عليا تشكل من ستة أعضاء، منهم ثلاثة من أعضاء مجلس الشعب، يتم اختيارهم بالقرعة، وثلاثة من مستشاري محكمة النقض ويتم اختيارهم بنفس الطريقة، فضلاً عن عدد مساو من أعضاء البرلمان، والمستشارين بصفة احتياطية، وتختص هذه اللجنة دون غيرها بفحص البلاغات المقدمة «مكتوبة وموقعة» إلي النائب العام وحده ضد الوزراء وتتولي اللجنة بصفة سرية بحث مدي جدية البلاغ. ويتضمن مشروع القانون الثاني عددا من الإجراءات لمحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا وتشمل رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس مجلس الوزراء ونائبه والوزراء ونوابهم، أمام دائرة «خاصة» بمحكمة النقض، مكونة من خمسة مستشارين من أقدم نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء اللجان الانتخابية.. وتوقيف ومساءلة المسئول في حالة ارتكابه جريمة من جرائم الخيانة العظمي وخرق الدستور بمخالفة القوانين أو المساس بسيادة واستقلال البلاد، التزوير، الاختلاس، استغلال المنصب، الرشوة، التدخل في العمليات الانتخابية، الاستيلاء علي المال العام أو العبث به أو الحصول علي أي ميزة أو فائدة غير مشروعة، علي أن تكون إجراءات الاتهام أو التوقيف بناء علي طلب يتقدم به نصف أعضاء مجلس الشعب إلي رئيس المجلس، مشفوعا بأدلة تؤيد الاتهام ويعتبر قرار الاتهام إحالة إلي المحكمة المختصة بموافقة ثلثي الأعضاء، وعلي أن تشكل لجنة خاصة مؤقتة من خمسة من أعضاء المجلس لتتولي فحص الاتهامات ترفع تقريرها خلال أسبوع واحد. أما العقوبات التي يحددها المشروع الثاني فهي: الوقف عن مزاولة المهام في حالة ثبوت صحة الاتهام قبل المحاكمة العلنية وتكون العقوبة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة ولا يجوز الطعن علي الحكم. وفي المقابل ذكر مسئول حكومي رفيع المستوي - رفض ذكر اسمه - أنه لا يري أي مانع من فتح باب النقاش حول مقترح مشروع محاكمة الوزراء، خاصة أن الدستور لا يمنع وجود قوانين لمحاكمة كبار المسئولين أثناء توليهم مناصبهم.