انتظرت الحكمتين التونسيتين إكرام شاوش وسمية عبيد حتي تنتهيا من أداء صلاة العصر لأجري معهما حواري، وذلك بعد تحكيمهما مباراة كرة اليد الطاحنة بين فريقي ليبيا والكاميرون للرجال تلك المباراة التي شهدت واحدة من أبرز أشكال البلطجة الرياضية التي كادت تنهي المباراة قبل صافرة الحكمتين، مما اعتبره المتربصون دليلا علي فشل الحكمتين في إدارة المباراة... بادرتهما بسؤال تلقائي: في اعتقادكما إذا كان حكما هذه المباراة من الرجال هل كانت ستلقي نفس الأحداث؟ فأجابت الحكمتان في نفس واحد بتحدٍ: بالطبع كانت ستشهد نفس الأحداث. كانت المشادات قد بدأت بين الفريقين قبل دقيقتين من انتهاء المباراة والتي كانت نتيجتها في صالح الكاميرون، مما أدي إلي نزول رجال لجنة التحكيم الموجودين خارج الملعب وعدد من رجال الأمن إلي أرض الملعب محاولين فض الاشتباك، وبعد أن هدأ الوضع شهرت الحكمة سمية يدها في وجه لاعبين من ليبيا وآخر كاميروني والذين يفوقونها طولا وعرضا بمراحل وعلامات الشراسة محفورة علي وجوههم أمرت بطردهم خارج الملعب فلبوا الأمر فورا ودون نقاش، لكن وحسب شرح الحكمتين لي كان من المفترض أن يخرج اللاعبان الليبيان من باب آخر غير الباب الذي خرج منه اللاعب الكاميروني إلا أن ذلك لم يحدث، مما أدي إلي نشوب اشتباك جديد ومتوقع في مثل هذه الحالات بين اللعيبة قرب الباب غير المرئي للجماهير ففوجئت الحكمتان بكل لاعبي الفريقين يغادرون الملعب فجأة متوجهين إلي الباب، وتطور الأمر إلي اشتباك بالأيدي، مما أدي إلي تدخل رجال الأمن للمرة الثانية والذين لم يتمكنوا من فض الاشتباك قبل فترة امتدت إلي عشر دقائق عاد لاعبو الفريقين علي إثرها واستكملوا المباراة بعد أن سرت كل قرارات الحكمتين وانتهت المباراة لصالح الكاميرون. ولمن لا يعلم فإن كرة اليد من الألعاب المصنفة ضمن الألعاب الأكثر عنفا، حيث إنه لا يمكن أن تخلو مباراة من التحامات بعضها يجيزها قانون اللعبة وبعضها لا يكون مشروعا، وذلك طبقا لكلام كل الحكام والتحليلات الرياضية إلا أنه وبطبيعة الحال عندما يكون الحكم امرأة تزول كل هذه الحقائق ولا تتبقي إلا حقيقة واحدة وهي أن اشتباكات حدثت في الملعب ولم تستطع الحكمتان السيطرة عليها!. بالرغم من العبارات السلبية التي سمعناها من عدد من الحكام ومنظمي المباراة والتي لم تخلُ من نبرة شماتة إلا أن الحكمتين لم تهتزا وبدتا واثقتين جدا غير مرتبكتين.. بدأت حواري معهما بعدد من الأسئلة التقليدية والتي أجابتا عنها بإجابات مقتضبة فاترة جردتني من الدهشة التي حاولت أن أتقمصها ولسان حالهما يقول: ما الغريب في أن تحكم امرأة في مباريات للرجال؟.. فدار الحوار في البداية هكذا.. كيف استطعتما أن تحصلا علي رخصة التحكيم في مباريات الرجال؟ أجابتا: خضنا عددا من الاختبارات البدنية والمعلوماتية ونجحنا فيها مثل بقية الحكام. هل الأمر مقبول في تونس؟ - نعم. هل زوجاكما يقبلان عملكما؟ نعم يقبلان.. ولمَ الاعتراض ماذا تفعلين لو تعرض لك أي لاعب بالسباب أو بالضرب؟ - أطرده من الملعب. وهنا كان لابد من أن أستثير الحكمتين لأوازن بين ثقتهما الشديدة وتعاملهما مع مهنتهما علي أنها مهنة من العادي جدا أن تمارسها امرأة وبين ردود الأفعال والانتقادات البالغة التي تعرضتا لها منذ تحكيمهما في مباراة الافتتاح بين مصر والجابون.. فحدثتهما عن ذلك المقال الذي كتبه الكاتب المغمور في عموده الأسبوعي يوم السبت الماضي في الجريدة القومية الشهيرة والذي بدأه قائلا: كنت أتمني من الحكم التونسية سمية أن تعتذر عن إدارتها لمباراة الافتتاح بين مصر والجابون للرجال.. والذي عاد وتذكر أن النساء هن في النهاية ناقصات عقل ودين وأن هذه التونسية المنفلتة كان لابد لها من رجل يشكمها فاستدرك قائلا: لكن الحق ليس عليها لكن علي الذين تخلوا عن قوامتهم .. كما حدثتهما عن البرنامج الرياضي في القناة الشهيرة الذي تناول المقال بإعجاب شديد مشيدا بكاتبه، مما أضفي علي حواري مع الحكمتين سخونة واستفزهما ليدليا بمعلومات أكثر. حكت شاوش عن ردود أفعال اللاعبين ومسئولي البطولة في الملعب عندما اكتشفوا أن حكمي مباراة الافتتاح بين مصر والجابون للرجال هما امرأتان.. وقالت سمية: الكل كان يظننا في البداية حكمتين لمباريات النساء فقط، وفي الملعب سمعنا كثيرا من التعليقات من اللاعبين المندهشين من أننا سنحكم المباراة. ربما يكون الأمر في تونس مقبولا ومعتادا أكثر من مصر، لكن وكما حكت لي الحكمتان فإن ليس كل الجمعيات أي الأندية في تونس تقبل بتحكيم النساء في مباريات الرجال.. سألتهما عن نسبة الجمعيات التي ترفض فأجبن: برشا.. لكنها لا تتعدي نسبة ال40%. في تونس هناك عدد من الحكمات إلا أن إكرام وسمية هما الوحيدتان العربيتان والأفريقيتان اللتان تحصلان علي رخصة تحكيم دولي في مباريات الرجال، وبالرغم من أن العائد المادي لمهنة التحكيم يعتبر عائدا تافها جدا يقدر ب40 يورو في المباراة الدولية وأقل من ذلك بكثير في المباريات المحلية والذي يعتبر أقل من الذي يصرف علي المهنة نفسها إلا أن الحكمتين تحبان مهنتهما إلي درجة العشق. إكرام شاوش كانت لاعبة كرة يد في الأساس، لكن فيما يبدو أنها لم تحقق تميزا يؤهلها للانضمام إلي المنتخب فمن فرط عشقها للعبة لم تشأ أن تبتعد عنها، فكان التحكيم هو طريقها إلي البقاء داخل الملاعب، أما سمية عبيد فكان والدها حكم كرة يد وكانت تشاهده في المباريات فأحبت المهنة وقررت أن تسير علي منوال أبيها. الحكمتان متزوجتان سمية عمرها 29 سنة ولديها طفل في الثالثة من عمره، وإكرام عمرها 31 سنة، لكنها ترفض الإنجاب في الوقت الحالي حتي لا يمنعها الحمل من تحقيق حلم عمرها في التحكيم في مبارايات كأس العالم لكرة اليد، وكان شرط زواجها أن يوافق زوجها علي الانتظار حتي تنتهي بطولة العالم.. أما سمية فقد تفوقت علي صديقتها في إثارة دهشتي عندما عرفت منها أن الحمل والولادة لم يعطلاها عن التحكيم سوي 5 أشهر، حيث إنها ظلت تحكم حتي شهر حملها السابع فكانت ترتدي فانلات واسعة وشورتا واسعا حتي لا تظهر بطنها.. مع العلم أن التحكيم يتطلب أن تكون الحكمة أسرع من اللاعبين في الجري في اتجاه الشبكة لرصد مدي صحة أو عدم صحة الهدف، لكن سمية أصرت علي عدم التخلي عن مهنتها حتي شهرها السابع وبعد أن أتم طفلها محمد شهره الثالث عادت إلي الملاعب في كامل لياقتها. بعد أن استمعت من الحكمتين عن كل هذه التضحيات عدت وسألتهما عن مدي تخوفهما مما تردد عقب المباراة من أن ما حدث من الممكن أن يؤثر علي مستقبلهما في التحكيم فأجابت شاوش: نستمع إلي كل الآراء، لكننا لم نقصر والرجال يغيرون منا لأننا نقاسمهم مواقعهم، وعلي عكس كل ما تردد من كلام أخذتا تتحدثان عن مميزات وجود حكمتين في ملاعب الرجال فقالت سمية: عندما تكون الحكم امرأة تكون المباراة أكثر احتراما ويكون اللاعبون أكثر التزاما والشتائم والألفاظ القبيحة تقل بشكل كبير جدا.. وعن تأثرهما في حياتهما العادية بطبيعة مهنتهما قالتا أنهما في الحياة العادية امرأتان عاديتان جدا.. لكنني وباستفساري عن معني كلمة امرأة عادية بالنسبة للمرأة التونسية علمت أنها لا تعني أنهما يخضعان في المنزل للزوج، كما تردد معظم المصريات لكن كلمة امرأة تونسية عادية تعني كما شرحت سمية: نشارك أزواجنا في القرارات ولا نستحوذ علي القرار بمفردنا، لكن بالطبع هناك مساواة تامة بيننا وبين أزواجنا.