شهدت الأسابيع القليلة الماضية جدلا محتدما بشأن قضية كانت ومازالت تمثل الهاجس المرعب للأغلبية الساحقة من المصريين هى «تدريس الثقافة الجنسية فى المدارس»، القضية فجرتها طلبات الإحاطة التى تقدم بها نواب المحظورة فى البرلمان بأداء ينم عن جهل وظلام فكرى يغرق فيه نواب الجماعة وتؤكد أن الهم الجنسى مازال يتحكم فيهم.. كما كشفت اتهاماتهم الملفقة لوزارة التربية والتعليم والتى وصلت مرحلة الادعاء الكاذب بأن مركز تطوير المناهج التعليمية فى الوزارة يعد كتابا فى سرية قصوى بعنوان «الصحة الإنجابية» وأن الوزارة تسعى لإعداد حملة لتهيئة الرأى العام تحسبا لأى هجوم متوقع ضد تدريس الكتاب الذى يتناول مادة الثقافة الجنسية وفق النمط الغربى الذى يطبق الحرية الجنسية وأن الكتاب يحوى صورا تجسد العلاقة على أساس عدم جدوى الطرق التقليدية القديمة.. الغريب أن هجوم الإخوان الاستباقى يبدو وقد حقق هدفه، حيث صرح لنا مدير مركز تطوير المناهج أن الوزارة تراجعت عن تخصيص كتاب مستقل للمادة وأنها تنوى تدريسها بطريقة التسريب فى المناهج الأخرى! النائب الإخوانى على لبن الذي طالب بثورة تصحيح للسياسات التعليمية السابقة والتراجع عن تدريس مادة الثقافة الجنسية عندما واجهناه اكتشفنا غياب مفهوم الثقافة الجنسية فى ذهنه وهو ما ينسحب على جماعته حيث صرخ قائلا: كيف تدرس للتلاميذ مفاهيم عن الحب الحقيقى والتعامل مع الجنس الآخر من خلال القصص الإنجليزية المترجمة وأشار إلى مجموعات قصصية مترجمة تزود بها مكتبات مدارس التعليم الأساسى منها قصة الطفلة الفرحانة واللص الشريف! مما يوضح سذاجة ما يستند إليه نواب المحظورة.. المفاجأة أننا عندما تقصينا عن حقيقة الهجمة الاخوانية الشرسة التى استمرت طوال الأسابيع الماضية في الحديث عن مناهج للثقافة الجنسية تعد وزارة التربية والتعليم لتدريسها، وأن أولياء الأمور يعترضون على ذلك ويخشون على أبنائهم.. اكتشفنا عكس ذلك تماما وأن سياسات وزارة التربية والتعليم ليس لديها أى خطة لتدريس هذه الثقافة بشكل صريح وأن أولياء الأمور والتلاميذ شخصيا ليسوا ضد ذلك في حالة حدوثه بل بالعكس يطالبون بتدريس هذه المناهج بشكل صريح. هذا التناقض العجيب أعاد إلى ذهنى أيام كنت فى المرحلة الإعدادية، وبالتحديد لحظة شرح الأجهزة التناسلية عند الرجل والمرأة.. كان الفصل مكتظا بالطالبات وكان الضحك والهرج اللذان استغلتهما مدرسة المادة كذريعة لعدم شرح الموضوع وبصرخة قوية منها أحالت المهمة لمدرس آخر فى الفصل المقابل عرف عنه الجرأة والصرامة ليشرح لنا ما عجزت هى عنه، فقد كنا نعرف منذ البداية أن السبب هو حساسية الموضوع وظلت تمهد وتتحدث بتلعثم، بينما أنظارنا شاخصة إليها ننظر بلهفة خائفة.. الرعب بدا واضحا على المدرسة من أن تستفسر واحدة منا عن شىء ولذلك كان التحفظ فى العبارة والخوف من رد الفعل، ومن ناحيتنا كان الخوف أيضا من رد فعلها الذى قد يكون جارحا. هكذا.. سارت الحصة على طريقة «أنت فاهمة وأنا فاهمة» لتنتهى بالتحذير من الانحلال والتبصير بأن الأمهات كفيلات بالشرح. فى حصة العلوم التالية، حيث قام مدرس العلوم الذى أوكلت إليه المدرسة مهمتها بالشرح، وهى لا تعلم أن كثيرات منا ذهبن إليه لإعطائهن دروسا خصوصية أو تسللن داخل فصله للاستماع إلى شرح وافٍ، وقد قال المدرس: المشكلة ليست فى الطالبات أو فى المدرسة، أو أن ذلك محرم.. لكن لأننا هنا اعتدنا الهروب. تذكرت هذه الواقعة فعدت مرة أخرى أبحث عن أستاذى فى المرحلة الإعدادية - مراد مختار - ووجدته فى نفس المدرسة - قاسم أمين الإعدادية بنات - مدرس أول مادة العلوم الذي قال لى: فهم الجنس ومعناه كوظيفة عضوية وكدوافع نفسية ضرورى جدا لأنه يجعلنا مؤهلين للتعامل معه كما يجب وحتى لا يظل هاجسا يتحكم فى تصرفاتنا.. وعندما عدت من إنجلترا وكنت مكلفا بشرح درس فى مادة العلوم يتعلق بجسم الإنسان، وكان المنهج عقيماً حيث كنت أشرح الجهاز التناسلى للذكر والأنثى والصحة الإنجابية والأمراض التناسلية، وبدأت أستغل الجزء الخاص بالأمراض لتوعية الطلاب الذين تغيب أمور كثيرة عن أذهانهم خاصة ما يتعلق بالأمراض الناتجة عن ممارسات خاطئة، وكيفية التعامل مع الجنس الآخر. الثقافة الجنسية - يواصل أستاذ مراد - تدرس فى الغرب فيديو لممارسات حقيقية، وهذا طبعاً لا يمكن يطبق فى مصر، وما نحتاجه فى مدارسنا وتوعية الطلاب بالحقائق الأولية حتى لا ينزلقوا لممارسات خاطئة مثل العادة السرية أو التهور فى العلاقات فى سن مبكرة، وأضرار سن البلوغ وعدم كراهية الجنس فى الإطار الشرعى خاصة أن معظم الطلاب ينظرون إليه على أنه ضد الدين. نادية عبدالغنى - مدرسة مادة العلوم بمدرسة السلام الثانوية - قالت: من الضرورى وضع منهج لتدريس الثقافة الجنسية يتضمن فكرة عامة لتوضيحها والنظر إليها بجدية بالتركيز على كل التساؤلات الموجودة فى أذهان الطلاب، ولدينا فى المرحلة الإعدادية باب يمثل التمهيد لشرح الأجهزة التناسلية والتى تمثل مجرد قشور يتم حفظها حتى يتعامل مع أسئلة الامتحان.. وفى الغالب يشرح المدرس الرجل للبنات اللائى لديهن فى الغالب تساؤلات كثيرة، وهنا يتعامل المدرسون مع المنهج على أنه مادة علمية بحتة، وهناك من يجد نفسه مؤهلا لذلك، فيشرحه، أو غير مؤهل نفسيا فيتجاهل شرح هذا الباب. منال صبحى - مدرسة مادة الأحياء بمدرسة روض الفرج الإعدادية - فجرت مشكلة خطيرة تضمنتها سياسة الوزارة وهى أن مدرسى الإعدادى مازال البعض منهم يستنكر الخوض فى بعض الأمور مستندين إلى أن هذا المنهج سوف يتم شرحه بشكل تفصيلى وبتوسع أكثر فى الثانوية العامة - والحقيقة المؤسفة أن 20% من الطلاب يلتحقون بالقسم العلمى وتبقى الغالبية محرومة، ففى المرحلة الإعدادية يعتمد المدرس على أن الطالب فاهم ويبدأ فى شرحه من الناحية العلمية الصرفة، خوفا من «تفتيح عيون البنات» وحتى فى حالة الشرح يبدأ الطلاب التهريج وتنتهى الحصة دون تثقيف أو توعية لأن المفاهيم غائبة والتعامل مع الموضوع من منطلق كونه مجرد درس مقرر «ناحية علمية صرفة» - للهروب من هذا المأزق دون ربط ذلك بمشاكلنا من بطالة وتحرش جنسى وصحة إنجابية وأطفال شوارع وتعدد زوجات وزيادة سكانية وشذوذ جنسى. أحمد عادل- طالب فى الصف الثالث الثانوى: أكد أنه وزملاءه يعرفون أكثر من المدرسين.. فلماذا يخشى المسئولون بالوزارة من وضع منهج مستقل لتدريس الثقافة الجنسية إذا كان هو وزملاؤه يطلعون على سديهات للأفلام، ومواقع بورنو على الإنترنت. وتقول نهى سيد- ثانية ثانوى- فى الدرس الخصوصى كان المدرس يفصل الأولاد عن البنات أثناء الشرح رغم أن الأولاد لا يخجلون. المسئولون بوزارة التربية والتعليم لهم مبادئ تربوية أخرى منهم رئيس مركز تطوير المناهج التعليمية بالوزارة يسرى عفيفى الذى يضع تلك المناهج يؤمن بأهمية تدريس الثقافة الجنسية تربوياً لكنه يرى أن القضايا الحياتية ومنها التربية الجنسية يجب ان تتسرب إلى التلاميذ من خلال المواد التى يدرسونها.. فالجهاز التناسلى موجود والأمراض التى قد تصيبه منتشرة.. أيضاً ضمن مقرر مادة العلوم فى المرحلة الإعدادية.. والثقافة الجنسية لا يمكن تدريسها لأن الطلاب غير مؤهلين لذلك قبل البلوغ ولأن المناهج توضع وفقاً للاحتياجات!! سألته: التكنولوجيا ومظاهر العصر الحديثة فى مقدمتها الإنترنت والفضائيات جعلت البلوغ «أمراً حتمياً» يأتى مبكراً، فإذا لم يدرس التلميذ أو التلميذة الثقافة الجنسية خلال معلومات علمية مبسطة سوف يحصل عليها من هذه المصادر بشكل مشوه؟ أجاب د. يسرى: نحرص علي التوعية بالثقافة الجنسية بشكل علمي غير مباشر لكن نواب المحظورة يرددون افتراءات وكلاماً عارياً تماماً من الصحة، بأن المركز يعد فى سرية تامة كتابا عن الصحة الإنجابية، وأنا كرئيس للمركز،أؤكد: لم نعد منهجاً مستقلاً، وليس هناك أى كتاب، لأننا كوزارة لنا خط واضح وهو تدريس الثقافة الجنسية ضمن مناهج المواد الدراسية المعتادة، فهناك مفاهيم تدرج ضمن المناهج: التربية الجنسية والصحة الإنجابية والسكان والبيئة والوعى القانونى وحقوق الإنسان والمرأة والمواطنة، أما التربية الجنسية فهى تدرج داخل مادة العلوم والتربية الدينية، حيث تدرس المفاهيم متضمنة داخل المواد، وهذه الطريقة معروفة عالمياً بتسريب التربية الجنسية من خلال المواد وليس كمنهج منفصل. واجهناه أيضاً بحقيقة عزوف بعض المدرسين عن الشرح قال بصراحة: هانعمل إيه، جعلنا ذلك فى المناهج، وشددنا على أنه كجزء من المقرر سوف يأتى فى الامتحانات! وفى الثانوية هناك مادة «البيولوجى» وتتضمن بابين كاملين عن الوراثة والتكاثر بشكل تفصيلى وبتوسع أكثر لدرجة أنها تعرف بوسائل منع الحمل وكيفية استخدامها، وفى المرحلة الابتدائية تعلم الأطفال كيفية الانتقاء من خلال مناهج وضعناها، تجعلهم قادرين على الانتقاء من خيارات متعددة شرحنا لهم أهمية الزواج والأسرة والعادات والتقاليد. د. على مدكور أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة تكلم عن اتجاه المدرسين الذين يقومون بشرح المادة، ويرون أن التربية الجنسية فرض واجب فى تلك الظروف.. فقد انتشر الزواج العرفى وغيره بفضل عوامل عديدة، ولا أرجح أن يكون هناك منهج قائم بذاته يدرس الثقافة الجنسية، لكن فقط يدرس المفاهيم داخل علم الأحياء بتوسع. د. مدكور قدم اقتراحا بأن تعنى أيضاً مادة التربية الدينية بذلك على اعتبار أنها أصبحت مادة ميتة ومهجورة فى المدارس. ورغم أن الثقافة الجنسية موجودة بالفعل فى منهج مادة الأحياء ،حيث يتم فيها تشريح الجسم الإنسانى ووظائف كل عضو. ويعترض د. مدكور على وجود مقرر مستقل باسم الثقافة الجنسية وأن تكون التربية الدينية معنية بذلك عندما تتحدث عن الإنسان ودوره فى الحياة وعن الزواج والطلاق معتبراً أن ذلك ثقافة جنسية على أنها علاقة طبيعية تبدأ أولاً باختيار الزوجة «اختيارا صحيحا»، ومفهوم الثقافة الجنسية من وجهة نظرى محدد فى الاختيار الصحيح للزوجة والخطبة والعلاقات بين الزوجين وتربية الأولاد!! ويقلل من أهمية توصيات بعض المدرسين فى المدارس بضرورة وجود مادة مستقلة لتوجيه التلاميذ وتثقيفهم جنسياً وكيفية تعاملهم مع متطلباتهم البيولوجية وقال ساخراً أليس عندنا مقرر للثقافة العامة فكيف يكون عندنا مادة للثقافة الجنسية.. وإذا حدث هذا سيصبح مدعاة للمسخرة!! د. كمال مغيث الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية يؤكد على تأييده لفكرة تدريس الثقافة الجنسية فى المدارس، لكى يتعرف الطالب أو الطالبة على حقيقة ذواتهم ولتلافى المفاهيم المغلوطة والأمراض الجنسية، ويشدد على أن تتضمن السياسات التعليمية حق الطلاب والطالبات فى اكتساب الثقافة الجنسية والتى لا تقل أهمية فى نظره عن حقوق المواطنة بحيث يتساوى الهدف فى إكساب الطلاب ثقافة جنسية بهدف اكسابهم الثقافة العامة وإعدادهم كمواطنين صالحين وتأهيلهم للتعامل مع الظواهر الإنسانية والسيكولوجية فهذا حق مثل حقوق الإنسان والمرأة. ويشدد: مادام هناك مراهقون ومراهقات تكون الحاجة لتلبية المعرفة الجنسية بشكل محترم بعيدا عن رفاق السوء والشارع والأميين، حيث يكون هذا مطلوباً واحتياجا طبيعيا وفطريا وأمام ذلك إذا لم يجد الطالب من يلبى حاجته إلى المعرفة فمن الطبيعى أن يلبيها بطريقة غير شرعية، قد تجعلنا نندم إذا لم نعطه معلومة علمية مبسطة تتسق مع قيم المجتمع وأفكاره ولا تخرج عن نطاق الدين والأخلاق ونمط اجتماعى يحدد العلاقات فى إطار الزواج.