كلاهما - الجندي وعمرو خالد - استعد لشهر رمضان بطريقته.. الجندي افتتح قناته الجديدة "أزهري" رغم رفض الأزهر فكرة الإشراف عليها .. عمرو خالد بدأ الجزء الثاني من برنامجه "قصص القرآن" رغم غناه علي نغمة أنه "طريد" الأجهزة الأمنية التي ترتعب من ظهوره .. الأول كسب جائزته الكبري حين استطاع تحييد الأزهري .. والثاني كسب جائزته حين اختار لبرنامجه قصة تثير الأسئلة، وتحاصر المتلقي في دوامة يصعب الخروج منها إلا بتجاهل البرنامج ومقدمه .. الجندي أيضا أثار القصة ذاتها، لكن بهدوء وضمن سياق مقبول .. المواجهة الشرسة مفروضة علي الاثنين باعتبارهما ألمع نجمين في مجال الدعوة إلي التيه. خالد الجندي عندما سأله أحدهم: لماذا نحتاج فتوي في كل شيء؟ والرسول قال: "استفت قلبك ولو أفتوك"، ثار الشيخ خالد الجندي قائلا: "وإيه لزمة الشيوخ"! وإذا كان رمضان موسم رواج لأشياء كثيرة، فإن أي رواج لايقارن برواج الشيوخ .. لكن عددهم يتزايد بصورة مفزعة، مما يتطلب الاجتهاد في البحث عن تواجد يؤكد تميزه وتألقه عن الآخرين، ويضمن له لقب "الأغلي سعرا" في رمضان المقبل.. الشيخ خالد الجندي الذي تخرج في جامعة الأزهر بشهادة أهلته للعمل كخطيب في مساجد بمرتب120 جنيها حاول أن يقنع الأزهر بالإشراف علي قناته الجديدة أملا في حصانة قوية تبعده عن النقد والمراجعة، وتظهر قناته كما لو كانت الصوت الرسمي للمؤسسة الإسلامية الأعرق، فضلا عن الشعبية الجارفة التي تتمتع بها القناة حال انتسابها للأزهر، خاصة أن خروج القناة بالصورة التي تمناها الجندي ستستفز المسيحيين الذين سيطلبون قناة مماثلة تشرف عليها الكنيسة . يبدو أن الشيخ الجندي قد نسي أن الأزهر لم يكمل "الجزء الناقص" في منهجه، والذي سبق أن حدده، وهو يقطع علي نفسه تعهدا بأنه سيقف أمام شيوخ الأزهر بالمرصاد .. قال إن المنظومة الأزهرية ينقصها عدم تفعيل ما يسمي ب"فقه الواقع" .. يجب أن يكون خريج الأزهر قادرا علي الإلمام بالاستنساخ والعولمة ونقل الأعضاء وتأجير الأرحام ويعرف معطيات العلم والواقع والمتغيرات الدولية والعلاقات الغيرية. مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر رفض الإشراف علي قناة خالد الجندي، بعد تأكيده علي أن "الأزهر يرحب بكل جهد إعلامي يرفع من شأن الإسلام والمسلمين.. لكنه غير مسئول إداريا أو إعلاميا أو ماليا عن أي قناة"، فيما اعتبرت مصادر بالأزهر أن سبب القرار هو عدم رغبة المؤسسة الدينية العريقة في أن تكون طرفا في قناة تحقق فوائد لأشخاص بعينهم تحت مسماه.. كما اعترض عدد منهم علي أن تخرج القناة باسم "أزهري" .. وعلق الجندي بأنه أخذ المباركة وسيطلق علي القناة اسم "أزهري" لأنها ستتبع وسطية الأزهر، ولأننا ننتمي للأزهر شاء غيرنا أم أبي.. وأنه لا يريد التمويل من الأزهر ولكنه رغب فقط في الاستئذان والمباركة .. وهو ما لم تفعله خمس عشرة قناة من قبل. وأضاف: "ليس لي أهداف خاصة ولا أحتاج الشهرة، كما لا نستهدف الربح، و لا نحتاج لشهرة الأزهر كي نشهر قناتنا.. كل ما كنا نريده هو أن يتبوأ الأزهر مكانته". خرجت القناة مع تصريحات حادة للجندي بأنه سيقف بالمرصاد لمن يعطل ميلادها، واختار الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف للدعوة بصفته الشخصية وليس بوظيفته - حسب كلام الجندي - لرئاسة القناة، والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب ليكون الأب الروحي للقناة، بالإضافة لعدد من علماء الأزهر ليقدموا برامج، يتقدمهم الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتورة عبلة الكحلاوي، والدكتورة إلهام شاهين. ولم ينس الجندي التأكيد علي أن القناة إسلامية لكنها ترحب برجال دين مسيحيين من أجل إعادة التدين المصري الذي تعايش فيه المسلم والمسيحي واليهودي جنبا إلي جنب دون حساسية، ويرحب بالمناظرات مع الآخر، دون أن ينتبه الشيخ لخطورة دلالة كلمة "مناظرة".. كما أعلن أنه والذين يشاركونه ملكية القناة أبدا لا يريدون عائدا منها، وأنهم قرروا أن تكون وقفا لله عز وجل، وفي حالة وجود عائد فإنه سيصرف في وجوه البر والارتقاء بالدعوة والعلماء. بداية مثيرة، توفر قوائم انتظار رهيبة للمشاهدة تحاول الإجابة عن أسئلة مربكة من عينة: كيف يوافق شيخ الأزهر علي أداء برنامج لهذه القناة، وكيف يفصل المتلقي البسيط بين هذا البرنامج، واسم القناة، ومشاركة علماء الأزهر فيها، وأنها ليست تابعة للأزهر.. وما هو الشيء الخرافي الذي حدث واحتوي حرب التصريحات بين الشيخ صاحب القناة، وعدد من علماء الأزهر.. وهل يكمل الشيخ الجندي الجزء الناقص في منهج الازهر والخاص ب"فقه الواقع" عبر برامج قناته سواء التي يقدمها هو شخصيا، أو يقدمها غيره من علماء الأزهر الأجلاء. هذه البداية المثيرة أمنت انطلاقة قوية جدا للشيخ في مواجهة منافسه "عمرو خالد" .. فهو يقدم برنامجين في القناة، وله قدرة الخروج علي الناس بصورتين .. كلاسيكي، يربطه بالشكل الأكثر شيوعا عن السلف، كما الصورة المعتمدة لعلماء الأزهر، ولدي الشيخ رغبة مستميتة في تأكيد أزهريته، وإن حاول أن يغلف ذلك بمسحة تمرد ومعارضة.. ومودرن، يضعه في صورة المجدد .. ملابس أحدث موضة، مسبحة من الذهب، الكلام بتعبيرات تجذب المراهقين .. أي أن الأزياء الحديثة ليست حكرا علي عمرو خالد، وكذلك الشباب. في قناته يقدم الجندي برنامجا عنوانه "أحسن القصص"، وفي الحلقات الأولي تناول الشيخ قصة "بقرة بني إسرائيل" التي يتناولها عمرو خالد بإسهاب مرهق .. صحيح أن الشيخ الجندي يقدمها بأسلوب بسيط ودون ألاعيب المسميات، لكنه لايقدم جديدا فيها، بما يجعلها مجرد طقس رمضاني روتيني .. اللهم إلا إذا اعتبرنا الفارق اللغوي بين "حكاية"، و"قصة" جديدا يستحق التسجيل باسم الشيخ في المعاجم والقواميس. هل تحقق قناة "أزهري" أهدافها التي أعلن عنها الجندي؟ سؤال فاقد الإثارة .. لأنها لو فشلت لن يخسر الشيخ شيئا، وسيكون لديه تبريره مثلما فعل من قبل مع مشروع الهاتف الإسلامي الذي أنشأه منذ تسع سنوات .. فقد قال إنه لاحظ أن مهمة الهاتف لم تعد مجرد التواصل بين الطالب والمطلوب، بل أصبح وسيلة لمعرفة المناخ، وآخر الأخبار، وسماع آخر نكتة ووصفة وجبة اليوم، والمكياج، والحديث إلي الطبيب النفسي والمستشار القانوني وحجز الوجبات السريعة، فقلت لماذا لا نستفيد بالهاتف لتطوير العلاقة بين الداعية والناس؟! عمرو خالد "أرجوكم ساعدوني يا شباب لإبلاغ الآلاف، بل مئات الآلاف من الأسر والشباب في العالم العربي لنشر البرنامج ومشاهدته .. أرجوكم أبلغوا كل من تعرفون.. أرجوكم أرسلوا رسائل وإيميلات .. أرجوكم بسرعة خلال هذا الأسبوع .. اطبعوا ملصقات عليها لوجو البرنامج ومواعيد عرضه والقنوات التي سيعرض عليها ووزعوها في كل مكان وأرسلوها لكل من تعرفون ،فنكون أنا وأنتم شركاء في الأجر والثواب لتحيا الأمة بالقرآن.. الوقت قليل". بهذه النبرة الجهادية بدأ عمرو خالد وضع إطار لحملة الدعاية الخاصة بالجزء الثاني من برنامجه "قصص القرآن"، وحدد لأتباعه ومريديه المستهدف، قال: المطلوب هو الوصول إلي 10 ملايين شخص خلال أسبوع واحد .. ولقد وضعنا علي الموقع شكلا لملصق عليه لوجو البرنامج ومواعيده وقنواته فخذوه وقوموا بعمل تحميل له وضعوه في كل مكان ..نريد 10 ملايين شخص يعرفون بالبرنامج من خلال حملتنا أنا وأنتم .. فأرجوكم تحركوا فورا. مفهوم - بالطبع - أن جهاد عمرو خالد الدعائي خالص لوجه حملته الجديدة "سنحيا بالقرآن" علي أساس أننا وبقية المسلمين نعيش بغيره.. وبشكل جديد، عجيب يعيد عمرو خالد صياغة "قصص القرآن"، واستخلاص عبر ومعان لن تردنا إلي القرآن فحسب، بل إنها ستكشف لنا الأسباب المجهولة التي جعلت حاضرنا مؤلما، وتهدد مستقبلنا . عمرو خالد استعد جيدا لشهر رمضان .. كانت لديه دراما أكثر جاذبية من دراما "الجندي والأزهر"، فهو "طريد" أجهزة أمنية ترتعب من طلته وتأثيره في الأتباع، وثمة أخبار وتقارير صحفية عن منعه من العودة إلي مصر واستكمال برنامجه .. الداعية نفي ذلك، ودلل عليه بأن رئيس الوزراء قدم دعما هائلا لحملته "حملة حماية" .. لكن ارتفعت النغمة التي تغني علي أن الصدام موجود ومحتدم .. خاصة بعد أن أعلن عمرو أن القصة الرئيسية للجزء الثاني من برنامجه هي قصة النبي "موسي" باعتباره "نصير المظلومين وبطل الحرية في تاريخ البشرية"، فالقصة تلقي بظلال كئيبة محبطة علي ماجري ويجري لفلسطين. علي أي شيء يراهن عمرو خالد بهذا الاختيار .. استنزاف الشعور العام بالتقصير والعجز .. تكريم بني إسرائيل باعتبارهم أهل كتاب، فضلا عن أنهم قوم موسي، وسلخ إسرائيل باعتبارها كيانا صهيونيا خارجا عن اليهودية. بدأ البرنامج، وانتهت الحيرة .. ذلك أن عمرو قد جاء هذا العام بشكل جديد، هو يمثل القصص، بخلاف أن يؤديها في أماكنها الحقيقية قدر الإمكان .. مع تعديل بسيط في حيثيات القصة الرئيسية، وهو أن سيدنا موسي هو نصير المظلومين وبطل الحرية في تاريخ البشرية بعد سيدنا محمد (ص). نهار – خارجي عمرو خالد علي الشاطئ يرتدي تي شيرت أبيض وبنطلونا مرفوعا حتي الركبة - بنتاكور بلدي - و يمسك قفصا من القش سينزل به إلي البحر، ويلقيه فيه في محاولة للمحاكاة .. في ماء البحر عمرو خالد يحكي بانفعال وحماسة: شوفوا يا إخواني كيف أن الله يسخر قدراته لعبده المتوكل عليه .. شوفوا.. الرياح، العواصف، الأمطار، اتجاه تيار الماء سخرها الله لتأمين وصول القفص إلي الجهة التي حددها.. وهذا ما فعله الله مع أم موسي لأنها توكلت عليه وقذفت به في اليم. وهكذا تتوالي المشاهد بنفس الحماسة والانفعال، والافتعال، خاصة في مشهد تحول عصا موسي إلي حية أرهبت الفرعون وسحرت الأفذاذ في العادي. يبدو أن عمرو خالد يدرك جيدا أننا شعوب مغرمة بالقصص.. بداية وعقدة ونهاية.. وبالتالي فإن القفز إلي "القصص المقدسة" أمر لا خلاف عليه، مهما كان تناولها سطحيا، أو كان مؤديها عابثا.. كل المقدمات الجذابة، والتصريحات البطولية ملفقة.. لا جديد في القصة حتي إن اعتبر عمرو خالد نفسه النموذج الذي يقيس عليه ثقافة الآخرين.. فحقيقة أية قصة ليست كاملة مادام عمرو لم يتكلم فيها.. لا دلالات كاشفة، أو عبر نكتشف بها عجزنا وهواننا علي أنفسنا والآخر.. وربما لايستدعي الأمر تدقيق المعلومات التي تتعلق بالقصة. واحد من جمهور عمرو خالد استوفقه إقرار عمرو أن عدد بني إسرائيل حين خرجوا من مصر وصل إلي600 ألف، وعلق بأن الرقم غير صحيح بالمرة، فهو نظريا غير منطقي بحساب الفاصل الزمني بين النبي يعقوب وموسي.. وعمليا تكذبه مقدمة ابن خلدون. الذي صدمه خطأ المعلومة أنهي اعتراضه بأسي قائلا: لم يعد مهما السؤال عن الذي يقدمه عمرو خالد.. لأن الأهم هو كم الأجر الذي تقاضاه!؟